مولد الفجر الأخضر …

بقلم : فاطمة صالح*
__________________

لم أعرفكَ قبلَ تلك اللحظات.. حين مرّ بياضُكَ فوقَ سوادنا..
كان إسفلتُ الشارع يتوهّج.. والأرواحُ تذوب.. وأنتَ ترتفعُ فوقَ الجميع، لتلامسَ قبّة َ السماء.. تفتحها من كلّ الجهات.. وتدخلَ في ملكوتِ الجَمال الأزليّ، السرمديّ..
من هناكَ أتيتَ يا بُنيّ..
هل قتلكَ الحنينُ إلى منابع النور الخالدة.. فارتفعْتَ فوقَ ذلكَ العفن ِ الذي أرادوا تلطيخَكَ به.. جاهلينَ أنكَ عَصيّ على قذاراتهم..؟! وعندما اشتدّ بُغضُهم لأنفسهمُ الضعيفة.. وأدركوا انتصارَ بياضِكَ على سوادِ أرواحِهمُ الهزيلة، قذفوا بها إلى النهر.. ليمحوَ آثامَهم.. فارتفعتَ شهيدا ً، يا بُنيّ..
حاولنا أن نرفعَ أصواتنا، تعبيرا ً عن السخط ِ، والحبّ.. فأدركنا أنّ حُلوقنا جفّتْ.. عندها، اكتفينا بمراقبة ِ صعودكَ..
تجمّدت ِ الهاماتُ على جانبيّ الطريق الحارّة.. وارتفعَت ِ الصلواتُ لإله الحبّ، والجمال.. عندما اخترقتَ الحُجُبَ، مرفرفا ً بأجنحتكَ النورانية..
وامتزجْتَ بالمحيط الأزرق..
عُدنا إلى منازلنا، ليفتحَ كلّ منا تلفازهُ الأحمر.. كانتْ أشباحُهم السوداءُ تتراقصُ عبرَ الشاشات.. تنشرُ الرعبَ في قلوبِ الصغارِ، والعجائز.. وتثيرُ القرَفَ في بعض النفوس.. والحقدَ في بعضِها.. والقنوطَ في بعضها الآخر.. روحُكَ الناصعة ُ، النقية، الراقية.. هي وحدها التي كانت تعيدُ الصفاءَ لتلكَ النفوس المضطربة.. ترسلُ النورَ من عليائها.. فتهزمُ ظلامَ المكان والزمان.. تروّعُ القراصنةَ، وتبعثرُهم..
هاهو شعاعُ الحقيقة ِ يعمّ أرجاءَ الوطن..
هاهي الطهارة ُ ترسمُ العزيمة َ، والرحمة.. والقلقُ الطاغي، يحثّ النفوسَ الطيبة َ على العمل.. العملِ المجبولِ بالمحبة..
إنها عملية ُ المخاض ِ المؤلمة..
هاهو رأسُ الوليد ِ يطلّ، عابرا ً ذلك البرزخَ العميق.. ويندفعُ بقوّة ٍ، وحيوية ٍ. وحبّ ٍ، ونشاط.. نحو الحرية الحقيقية.. حرية الحبّ، والنقاء، والنوايا الصافية.. ليعمّ الخيرُ على وطننا الأغلى.. بكلّ أطيافِه الرائعة ِ، الناصِعة.. نواة ً لحياة ٍ إنسانية ٍ خالدة..
المطرُ يهطلُ، يا بُنيّ..
تعلّمنا من تراثنا، أنّ الحرارة َ الشديدة جدا ً، تبشّرُ بمطر ٍ غزيرٍ وخصوبة ٍ يانعة..
فعلى روحكَ السلام يا بني الشهيد…


*كاتبة وشاعرة سورية