مستشار الامن القومي الاميركي ومهمة العلاج بالتحليل النفسي.!

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

بين العاصمة الاوكرانية KIEV و “تل ابيب” كان مستشار الامن القومي الاميركي “جايك سوليفان” Jake Sullivan في طائرته “العيادة المتنقلة” يراجع اوراق الملفين الذين يحظيان بعناية الادارة الاميركية، في مهمة من نوع العلاج بالتحليل النفسي” Psychoanalytic therapy المتطابق الى حد بعيد مع التحليل السياسي او العلاج الديبلوماسي، الهادف الى معالجة او تخفيف التشويش العقلي، طمأنة من مخاوف وابعاد عن هواجس، تفاعل منتظم للتغلب على المشكلات بهدف تخفيف السلوكيات المضطربة كما الدوافع والافكار والعواطف المزعجة.. جلستي العلاج تطال شخصيتين ” نفتالي بينيت” رئيس وزراء الكيان الصهيوني والرئيس الاوكراني فلاديمير زيلنسكي  Volodymyr Zelensky ومن منطلق جدارة وتقانة “سوليفان” سيباشر “العلاج الحِواري” Talk Therapy على خلفية دوره البارز مدى سنوات في جولات التفاوض التي اثمرت نوفمبر 2013 عن اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي الايراني ..!

وفي نفس الملف، سُجِلت بصماته غير المتشددة يوم 8 ايار 2018 بتعليق براغماتي على اداء وزير الخارجية مايك بومبيو وقرار الرئيس الاميركي الاسبق دونالد ترامب خروج بلاده من الاتفاق النووي  5+1 بالتوازي مع رفع مستوى العقوبات الاقتصادية بعبارة: “لقد قيدوا أيديهم في الملف الإيراني”..!

في التوقيت؛ تعتبر تل ابيب استنادآ لمعلوماتها الاستخباراتية، ان طهران باتت على العتبة النووية لا بل قدرتها على امتلاك القنبلة النووية، لا سيما بعد نجاحها في انتاج الوقود النووي محليآ. كما تعتبر ايضآ ان عودة الولايات المتحدة الى مفاوضات جنيف ولو بصورة غير مباشرة، قد تسفر عن اتفاقية جديدة بصيغة معدلة وفق درجات تخصيب بنودها لمرور الزمن خطأً استراتيجيآ له تداعياته على الاستقرار في الشرق الاوسط، كما سيعزز قدرات ايران العسكرية ونفوذها ودورها في الاقليم، والاهم تجديده هواجس الخطر الوجودي للكيان بعد استراحة التطبيع مع الدول العربية المؤقتة الزمن والمفعول..! بالتوازي؛ تخشى اسرائيل ان يعيد التاريخ نفسه يوم استسلمت واشنطن لارادة كوريا الشمالية حيازتها السلاح النووي، بعد انسحاب الاخيرة من معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية عام 2003..!

 

في نفس السياق؛ بين الاسرائيلي والاميركي نادرا ما تختلف الاستراتيجيات ولو تناقضت التكتيكات، واذ يعتبر عدد من المحللين العسكريين والاستراتيجيين ان الاتفاق حول البرنامج النووي الايراني اصبح اقل اهمية وفق معادلة “الفناء النووي المتبادل” Mutual Nuclear Annihilation فهو بات غطاء تفاوضيا او بندا ثانيا خلف الاولوية الاهم برنامج الصواريخ الباليستية والدقيقة..! علما ان الجمهورية الاسلامية تمتلك على مستوى الاقليم الشرق اوسطي المنظومة الاكبر من الصواريخ الباليستية المتفاوتة المدى ما بين 45 الى 10.000 Km اضافة الى نُظُم الصواريخ Hoveyzeh و Soumar الجوالة الدقيقة والبعيدة المدى، ما يجعل سواحل ألاسكا ومعظم اوروبا واجزاء من آسيا (ضمنآ فلسطين المحتلة) في مرماها..!
في العلاج المرحلي أشَرَّ المؤتمر الصحافي المشترك “بينيت-سوليفان” الى وضع استراتيجية مشتركة تعبر عن التزام واشنطن التصدي للتهديد الايراني، اضافة الى تحديد مهلة زمنية لانجاز الاتفاق النووي بشروط مشددة حسمآ لاسلوب المماطلة والتسويف المتبع..
ودون ذكر التالي اعلاميآ لصعوبة ضمان نتيجة اي هجوم على ايران ورفض قيادة البنتاغون التورط في حرب مفتوحة معها، فقد ترك للقيادتين العسكريتين الاميركية والاسرائيلية بحث سيناريوهات الضربة العسكرية المحدودة الممكن توجيهها، وحصر ارتداداتها بهدف تدمير منشآتها النووية، في حال فشل الحركة التفاوضية او التوصل الى صيغة اتفاق هش بلا فعالية يسمح لها بالالتفاف على الشروط المدرجة ..!
من جهة اخرى؛ بوصوله الى العاصمة الاوكرانية “كييف” كان الحيز الحيوي الاستراتيجي لروسيا من الجهة الجنوبية الغربية الذي يشمل اوكرانيا وشبه جزيرة القرم والبحر الاسود يزداد توترا. في ظل تحذير روسي من السماح بانضمام اوكرانيا الى حلف شمال الاطلسي تقابله تحذيرات اوروبية- اطلسية من اجتياح عسكري روسي شامل او توسعي لهذه الدولة؛ اتى لقاء مستشار الامن القومي “جيك سوليفان” كل من مدير المكتب الرئاسي الأوكراني أندريه يرماك ووزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، ترجمة لمضمون الاتصال الهاتفي في العاشر من الشهر الحالي بين الرئيسين بايدن ونظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي..
تاليآ، اذا كانت مهمة المستشار سوليفان تهدئة هواجس ومخاوف “كييف” بالحبوب المهدئة ولجم الانزلاق نحو جراحة الحرب المفتوحة؛ الا ان الامر الاهم هو قرار واشنطن الضمني المرمز فرنسيا عدم التجاوب مع طلب اوكرانيا الانضمام الى حلف NATO طالما انها تحظى برعاية ودعم اميركي، تلافيا لاية خطوة استفزازية بحق موسكو.. مع الاشارة الى ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر من هذه الخطوة معتبرا أن اقتراب الحلف من حدود بلاده خط احمر وأمر بالغ الأهمية يهدد الامن القومي لروسيا وشعبها..!
على ما يبدو تبلور التجاوب الاوكراني مع العلاجات لانعدام الخيارات بعد اعلان الرئيس زيلينسكي التزام بلاده الحل السلمي في اقليم الدونباس مع طرحه مقترحات جديدة للعودة الى محادثات السلام المتوقفة..
اخيرا؛ في تعليق يعبر عن الاستقرار المهتز سواء في الاقليم او الشرق الاوروبي، اعتبر “سوليفان” ان لا قرار روسيآ بتأجيج الوضع حول اوكرانيا وذلك استنادا لمعطيات ديبلوماسية ومعلومات استخباراتية؛ بالمقابل وفي اشارة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحمل دلالة شمولية قال: “أننا لا يمكننا التسرب إلى داخل رأس أي زعيم عالمي، فهناك دائما قيود على ما نعرفه أو لا نعرفه”..!

بيروت في 30.12.2021