محمد مصدق …الرجل الذي فتح الطريق امام استرداد الشعوب لثرواتها الوطنية وتأميمها

 

“اخبار الدنيا” – دانيا يوسف

هو أحد رجالات إيران البارزين خلال العصر الحديث. واجه الأطماع الإمبريالية في إيران، فأمم ثروتها النفطية. إنّه رئيس وزراء إيران الدكتور محمد مصدق.

ولد محمد مصدق في طهران عام ألف وثماني مئة واثنين وثمانين في أسرة ثرية مقربة من الأسرة القاجارية الملكية التي كانت تحكم إيران. تلقّى مصدق تعليمه في ايران، قبل أن يسافر الى أوروبا لدراسة القانون وحصل على شهادة الدكتوراه.

كانت إيران قد بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر تشهد حراكاً سياسياً لإصلاح مؤسسات الحكم فيها، والحد من النزعة الاستبدادية لحكّامها، وهو حراك أنتج في إيران ما عرف بالثورة الدستورية، التي انتجت نظاماً ملكياً دستورياً، فشهدت عام ألف وتسع مئة وستة انتخاب أول برلمان إيراني. وقد انخرط محمّد مصدّق في الحياة السياسية عبر هذه الانتخابات، فانتخب نائباً عن أصفهان وهو في الرابعة والعشرين من عمره. وخلال السنوات اللاحقة تسلم عدداً من المناصب الإدارية والوزارية.

ازداد ضعف الأسرة القاجارية، لتبرز وسط ذلك شخصية رضا خان قائد الحرس الملكي، الذي غدا لاحقاً وزيراً للدفاع ثم رئيساً للوزراء. عام ألف وتسع مئة وخمسة وعشرين أنهى البرلمان الإيراني من خلال تشريع خاص عهد القاجار، وعين رضا خان شاهاً جديداً، ليبدأ به حكم أسرة ﭘـهلوي. عارض محمد مصدّق هذا الأمر لمخالفته الدستور الإيراني، وهو ما أسس لعلاقة متوترة بين مصدّق وأسرة ﭘـهلوي.
وخلال الحرب العالمية الثانية مال الشاه رضا خان إلى دول المحور، فقام البريطانيّون والسوفيات بتنحيته والمجيء بولده محمد.

عام ألف وتسع مئة وأربعة أربعين شهدت إيران انتخابات برلمانية جديدة فاز فيها مصدق، ليكون مع مجموعة من زملائه كتلة الجبهة الوطنية البرلمانية التي هدفت إلى إرساء الديمقراطية وانهاء النفوذ الاجنبي في السياسة الإيرانية، وتأميم النفط الإيراني المستثمر من قبل شركة النفط الأنجلو-إيرانية.

في نيسان عام ألف وتسع مئة وواحد وخمسين صادق الشاه محمد رضا بهلوي على انتخاب البرلمان الإيراني لمصدق رئيساً للوزراء، حيث نال تسعة وسبعين صوتا مقابل معارضة اثني عشر فقط. وفور تسلّمه منصبه سنّت حكومته مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية،كتخصيص رواتب للعاطلين من العمل، وإلزام أصحاب المصانع بدفع مساعدات للعمال المرضى والمصابين، وتخصيص نسبة من أموال إيجارت الأراضي لتمويل مشاريع خدماتية عامة.

في أيار من العام نفسه أصدر محمّد مصدّق مرسوم تأميم النفط الإيراني، وألغى امتياز شركة النفط الأنجلو-إيرانية الذي كان يفترض أن ينتهي عام ألف وتسع مئة وثلاثة وتسعين وصادر أصول أموالها. أيّد الشعب الإيراني قرار التأميم الذي نشر جواً من العزة لم يحظ بها الايرانيون منذ زمن بعيد واضحى مصدّق رمزا وطنياً كبيرا.
أغضب قرار التأميم الحكومة البريطانية. ولجأت إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي متهمة مصدّق بانتهاك حقوقها النفطية. دافع مصدّق عن حقوق بلاده وشعبه في محكمة العدل الدولية، مؤكدًا أن بريطانيا دولة إمبريالية تسرق حقوق الإيرانيين. وفي النهاية فشلت بريطانيا بالحصول على حكم لمصلحتها.

حصل صراع على الصلاحيات والنفوذ بين مصدّق والشاه، ما دفع بمصدّق لتقديم استقالته. فعين الشاه أحمد قوّام رئيساً للوزراء، حيث سارع إلى عزمه على انتهاج سياسية نفطية مخالفة لسياسة مصدّق. ما أدى إلى توحّد أغلب القوى السياسية الإيرانية بمختلف توجّهاتها ضده، فعمّت البلاد المظاهرات الاحتجاجية، والإضرابات التي تخللتها أعمال عنف دامية. عندها قرر قادة الجيش الوقوف على الحياد خشية انشقاق الفرق العسكرية. هنا، اضطر الشاه إلى عزل قوّام وتعيين مصدق رئيساً للوزراء مع صلاحيات استثنائية عبر قانون طوارئ.

عمد محمد مصدّق إلى حشد تأييد البرلمان له، فعيّن آية الله أبا القاسم كاشاني المؤيّد له رئيسا للمجلس. ومن خلال التشريعات النيابية بدأ مصدّق سعيه لتقليص صلاحيات الأسرة المالكة، فقلّص ميزانية الشاه الشخصية، وحدّ من تواصله مع الدبلوماسيين الأجانب، حيث أدرك أن الشاه سيعزله من منصبه عند أول فرصة.
ومع تمديد البرلمان لتطبيق قانون الطواري، عمد مصدّق عام ألف وتسع مئة وثلاثة وخمسين إلى إصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي أضعف قوة الطبقة الإقطاعية في إيران. أدّت هذه الإصلاحات إلى تدهور الوضع الداخلي والاقتصادي ، وانهارت العملة الإيرانية مع فشل مصدّق من بيع النفط الإيراني نتيجة خلافه مع البريطانيين. وتدريجيا بدأ مصدّق يفقد حلفاءه، حتى إن بعضهم انقلبوا عليه صاروا من خصومه وأعدائه.

في نهاية عام ألف وتسع مئة واثنين وخمسين ، تقاطعت المصالح البريطانية والأمريكية لإطاحة محمّد مصدّق. ففي تلك الفترة كان نفوذ القوى الشيوعية الإيرانية قد بلغ ذروته من خلال حزب تُودِه الذي كان من أبرز المؤيدين لمصدّق، فرأى الأمريكيوّن أن وجود مصدّق سيؤدي بإيران أن “تتجه بسرعة نحو فلك الشيوعية والسوفيات”.

في آذار عام ألف وتسع مئة وثلاثة وخمسين بدأت وكالة الاستخبارات الأمريكية بالتخطيط لإطاحة مصدق، واطلق على هذه العملية اسم أجاكس، وقضت بإقناع الشاه بإقالة مصدّق، وتشكيل حكومة برئاسة الجنرال زاهدي. وافق الشاه على ذلك، فعزّل مصدق وعين زاهدي، ثم غادر إيران إلى إيطاليا. خلال ذلك قام عملاء الاستخبارات الأمريكية بتهيئة الشارع الموالي للشاه للقيام باضطرابات تؤدي إلى تدخّل الجيش. وهذا ما تحقق في آب عام ألف وتسع مئة وثلاثة وخمسين ، فسادت طهران أعمال عنف وشغب، واتهم مصدّق بتدبيرها، فأوعز الجنرال زاهدي بقصف منزل مصدق تزامناً مع اعتقال واغتيال أعضاء الجبهة الوطنية التي يرأسها. اعتقل مصدّق وحوكم بتهمة الخيانة، وصدر بحقه الحكم بالإعدام، ثم خفّض إلى السجن، ثم أخضع للإقامة الجبرية حتى وفاته عام ألف وتسع مئة وسبعة وستين.

ثمة من يرى أن محمّد مصدّق ارتكب عدداً من الأخطاء الجسيمة التي أسهمت في فشله. وبرغم ذلك فإنّ حركته فتحت الطريق أمام شعوب العالم لاسترداد ثرواتها الوطنية وتأميمها.

كما أن التورّط البريطاني- الأمريكي في دعم الشاه أسهم في تنامي عداء الشعب الإيراني لتبعية الشاه للسياسات الأميركية.