ما حدث لفلسطين في ال1948 ليس نكبة..إنها جريمة تطهير عرقي من أكبر المآسي الانسانية وأبرزها

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

*مصطلح النكبة:
قد يكون أول استخدام لمصطلح النكبة كان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي قتل وشرّد وصادر أموال البرامكة الذين كانوا وزراء دولة ولهم دور كبير في مجال العلم والأدب والطب، وسميت هذه الحادثة بنكبة البرامكة. ما حدث مع الفلسطينيين في 15 أيار/مايو 1948 وهو التاريخ الذي يتم فيه إحياء النكبة، قد تكون نكبة أكبر من نكبة البرامكة، بل تعتبر واحداً من أكبر المآسي الإنسانية حيث تم قتل وتشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني، أصحاب الأرض، وتم الاستيلاء على أراضيهم ومنازلهم وسرق تاريخهم وتدمير وحرق مدنهم وقراهم. النكبة تمثل مثالاً على جريمة تطهير عرقي ممنهج كما يقول المؤلف والمفكر الإسرائيلي الآن بيبه في كتابه بعنوان: “فلسطين التطهير العرقي” (2007) حيث يشرح أن التطهير العرقي “يعني سياسة محددة جيدا لدى مجموعة معينة من الأشخاص تهدف إلى إزالة منهجية لمجموعة أخرى عن أرض معينة، على أساس ديني، أو عرقي، أو قومي. وتتضمن هذه السياسة العنف، وغالبا ما تكون مرتبطة بعمليات عسكرية، ويتم تنفيذها بكل الوسائل الممكنة، من التمييز إلى الإبادة، وتنطوي على انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي.” وهذا ما حصل في فلسطين في عام 1948 وتم تنفيذه بالضبط من قبل العصابات الصهيونية التي حاولت إلغاء الوجود الفلسطيني من الجغرافيا والتاريخ، من خلال تنفيذ عمليات إرهابية لإخراج الفلسطينيين من أرضهم من خلال خطة ترانسفير لتهجير السكان الأصليين بشكل ممنهج ومخطط لها. ويقول يوسف فايتس، رئيس لجنة الترانسفير الصهيونية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي في مذكراته: “الترانفسير لا يخدم هدفاً واحداً فحسب – تقليل عدد السكان العرب – بل يخدم أيضاً غرضاً ثانياً لا يقل أهمية عن الأول، وهو إخلاء الأرض التي يزرعها العرب حالياً وتحريرها من أجل الاستيطان اليهودي. الحل الوحيد هو ترحيل العرب من هنا إلى الدول المجاورة. يجب ألاّ نترك حتى قرية واحدة أو عشيرة واحدة.”

* هل تم تهجير الفلسطينيين من بيوتهم خلال حرب 1948 أم أنهم تركوها بإرادتهم؟
تمّ قتل وتهجير الفلسطينيين في مدنهم وقراهم بالسلاح والقوة وبالتهديد، فلسطينيين عزل أمام عصابات صهيونية مدربة ومسلحة ولديها أوامر واضحة، إخلاء الأرض من السكان. البعض ترك بيته إلى مدينة أخرى إيماناً منهم بأن الجيوش العربية العتيدة ستحل المسألة خلال أيام وسيعود كل شيء إلى ما كان. البعض الآخر قرر البقاء وتم قتلهم في بيوتهم وتدمير قراهم ودفنهم في قبور جماعية. لم يتوقع أحد، لا أحد في العالم يمكن أن يتوقع أن بلده وبيته وعالمه وتاريخه وحتى اسم بلده وموقعها على الخريطة كله سيختفي خلال أشهر. ولكن كانت الأمور واضحة بالنسبة للطرف الآخر، الطرف الدخيل، فقد وضع دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي والذي هاجر من بولندا إلى فلسطين، خطة مفصلة في 10 آذار/مارس 1948 تتضمن أوامر صريحة لوحدات الهاغانا، منظمة عسكرية صهيونية، باستخدام كل الأدوات والأساليب للقضاء على الوجود الفلسطيني بما في ذلك: إثارة الرعب، قصف القرى، حرق المنازل وزرع الألغام لمنع السكان من العودة لبيوتهم.

* المجازر الصهيونية
مجزرة قرية دير ياسين في 9 نيسان 1948، قامت العصابات الصهيونية بجمع السكان في مكان واحد وقتلوهم بدم بارد، تم اغتصاب عدد من النساء وبتر اعضائهن ومن ثمّ قُتلن، ومن ثم تدمير القرية وإزالتها من على الخريطة وهي واحدة من 581 قرية فلسطينية تم تدميرها. وتشير الوثائق التاريخية التي كشفت في فيلم وثائقي بعنوان “ولد في دير ياسين” للمخرجة الإسرائيلية نيتا شوشاني، التي كرست السنوات القليلة الماضية لتحقيق تاريخي شامل لمجزرة دير ياسين ومدى بشاعة ما حدث في هذه القرية. وفي شهادة مباشرة، يقول يهوشوا زيتلر قائد منظمة (ليحي) الصهيونية في القدس في ذلك الوقت الذي قاد المجزرة قبل أسابيع من وفاته عام 2009:” لن أقول لكم أننا كنا هناك مع قفازات من الحرير، كنا نذهب الى منزل بعد منزل، نضع المتفجرات في البيوت ونراهم يهربون، انفجار وراء انفجار وفي غضون بضع ساعات، اختفت نصف القرية.” كما قال زيتلر أن بعض جنوده قاموا بإحراق الموتى بعد احتلال القرية: “جمعوا القتلى على شكل كومة وقاموا بإحراقهم.”

 


دير ياسين هي فقط واحدة من مجازر أخرى، في مجزرة الطنطورة، والتي كانت شاهدة على قتل العديد من الرجال من سكان القرية، واستنادا إلى رواية أحد الناجين فقد صرح بأنه دفن 230 جثة من أبناء قريته بأمر من القوات اليهودية التي حفرت قبورا جماعية لدفن الجثث، أما مجزرة الدوايمة، فقد قتل فيها أكثر من 250 فلسطيني وألقيت جثثهم في آبار المياه. كما تم قتل الكثير من الفلسطينيين الذين حاولوا الرجوع الى قراهم ومدنهم خلال وبعد الحرب لمنع أي إمكانية للعودة. يقول الكاتب والروائي الفلسطيني إميل حبيبي في كتابه سراج الغولة: النص/ الوصية: “أعلن دافيد بن غوريون في أول كنيست شاركتُ في عضويتها -الكنيست الثانية في العام 1952-عن دهشته من استمرار اللاجئين الفلسطينيين في اجتياز الحدود محاولين العودة إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم وحقولهم “مع أننا نطلق الرصاص عليهم ونقتلهم،” فوجدتني أقاطعه باللغة العبرية لأول مرة في حياتي في الكنيست، أجبته مندهشاً أنا أيضاً: ألا تعرف معنى حب الوطن.” طريقة التعامل مع الذين بقوا في بيوتهم كانت إجرامية أيضاً، فبعد استسلام أهالي مدينتي اللد والرملة مثلاً بشرط أن لا يتم طرد السكان، قامت القوات الصهيونية بتجميع عدد كبير من الرجال والشيوخ والأطفال من الذكور في مسجد دهمش، وأغلقت عليهم الأبواب وألقت عليهم القنابل من النوافذ ثم دخل الجنود وأجهزوا على الجرحى، وقدرت بعض الروايات عدد الذين قتلوا في المسجد الى أكثر من 400 في حين تشير روايات أخرى أن العدد أكبر من ذلك بكثير.

* دور الجيوش العربية
قررت الحكومة البريطانية إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في 15 أيار/مايو 1948 وهو ما شجع المجلس اليهودي الصهيوني في تل أبيب لإعلان قيام دولة إسرائيل. هذا الإعلان هو ما تسبب ببدء الحرب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة (استجابا للضغوط الشعبية فلم تكن الحكومات مَعنية بدخول الحرب). اجتمعت الجيوش العربية من مصر -المملكة المصرية بذلك الوقت- الأردن، المملكة العراقية وسوريا ولبنان والسعودية وقررت الدفاع عن فلسطين أمام الهجمات الصهيونية. انتهت الحرب بعد أقل من عام (11 شهر) بخسارة الجيوش العربية مجتمعة وأصبح أكثر من 77٪ من فلسطين بيد العصابات الصهيونية. أما الأرض المتبقية فقد قسمت الى قسمين هما: الضفة الغربية والتي قد وضعت تحت الحكم الأردني وقطاع غزة التي وضع تحت الإدارة المصرية. خلال أشهر فقط اختفت فلسطين كإسم وكبلد، وتاريخ وشعب.
يرى مراقبون أن الدور العربي كان ضعيفا بالأساس، “فالبلاد العربية كانت إما مستقلة حديثًا، أو لا تزال تحت بعض أشكال النفوذ الاستعماري، والجيوش العربية كانت قليلة التدريب والخبرة، فضلا عن عدم وجود العتاد الكافي، ولم تخض أي منها حربا حقيقية قبل ذلك. الأمر كان مجرد محاولة، فالجيش الصهيوني في تلك الفترة كان عتاده 68 ألف مقابل 24 ألف عربي، بالإضافة إلى كونه أكثر تدريباً وتنظيماً وتسليحاً. بعد شهر من بدء القتال انسحبت الجيوش العربية فجأة، كالجيش العراقي، والجيش الأردني الذي انسحب بأمر من الملك عبد الله، أما الجيش المصري فتم تزويده بأسلحة فاسدة، وحوصر في الفالوجة، حيث كان متمركزا في قرية عراق المنشية، وصمد فيها حتى شباط/فبراير 1949. انتهت المعارك بعد أن هدد مجلس الأمن بفرض عقوبات على الجوانب المتقاتلة. قَبل العرب الهدنة التي كانت اعترافا بالهزيمة. في 7 آذار/مارس 1949 وصى مجلس الأمن بقبول إسرائيل عضوا كاملا في الأمم المتحدة وفي 11 أيار/مايو 1949 أقرت الجمعية العامة هذه التوصية. من تلك اللحظة، بدأ العمل على مَحي فلسطين من العالم، حيث تم تحويل المدن والقرى الفلسطينية التي لم يتم تدميرها إلى قرى يهودية، كما تم تبديل أسماؤها العربية إلى أسماء عبرية، وتم نشر اللغة العبرية في جميع المناطق التي تم احتلالها.

* فلسطين قبل النكبة:
فلسطين قبل النكبة، كانت من أحلى وأهم البلاد في وقتها في مجال النقل والتصدير والإنتاج الزراعي والتعليم والأدب والثقافة. كانت المدن الفلسطينية متطورة في الكثير من المجالات وتتوفر فيها الكثير من الخدمات من مطارات وسكك حديد ومصانع، إضافة إلى وجود أكبر مصفاة نفط في المنطقة (مصفاة حيفا) في ذلك الوقت وأكبر ميناء في المنطقة (ميناء حيفا)، وكانت فلسطين معروفة بصادراتها من الخضار والفواكه وخاصة البرتقال اليافاوي والصابون والتذكارات الدينية للبلدان المجاورة. وللبرتقال اليافاوي نسبة لمدينة يافا قصة حزينة (بالإشارة إلى رواية أرض البرتقال الحزين للروائي الفلسطيني غسان كنفاني) حيث تشير بعض الروايات إلى أن القنصل الأميركي في القدس هنري غيلمان في عام 1886 أرسل تقريراً إلى مساعد وزير خارجيته المستر ج. د. بورتر، أشاد فيه بالجودة العالية لبرتقال يافا، وبطرائق التطعيم المبدعة التي كان يستخدمها المزارع الفلسطيني، واقترح أن يأخذ المزارعون الأميركيون في فلوريدا أساليب زراعة البرتقال الفلسطينية. البرتقال الذي يباع في الأسواق الغربية اليوم باعتباره إسرائيلي هو نتيجة لعمل وتطوير الفلسطينيين على زراعة البرتقال قبل بدء الاستعمار الصهيوني لفلسطين. في يافا، كما غيرها من المدن والقرى الفلسطينية، تم إجبار المزارعين والفلاحين من أصحاب الأرض على الخروج من أراضيهم التي زرعوها بأيديهم وسلمت الحكومة الإسرائيلية أراضيهم إلى المستوطنين اليهود، الذين استأجروا نفس المزارعين الفلسطينيين للعمل في أرضهم كعمال يوميين، بعد أن تم الاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم وأرضهم ولم يعد لديهم أي مصدر رزق.
في مجال الأدب والثقافة والتعليم كان هناك العديد من الجامعات والكليات مثل كلية العربية في القدس والناصرة وكلية النجاح في نابلس، في حين وصل معدل من يستطيعون القراءة والكتابة والمتعلمين من الفلسطينيين عام 1921 الى 45% وهي نسبة كبيرة في ذلك الوقت. الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم كان واحداً من أقدم الاتحادات العربية الكروية، وشارك المنتخب الفلسطيني في تصفيات كأس العالم لكرة القدم عام 1934. كانت فلسطين نشطة ثقافياً أيضاً، من ناحية وجود إذاعات أهمها إذاعة القدس في 1936 ومجلات وصحف، كما انتشرت دور السينما بكل المدن تقريباً، وبدأ ظهور صحافة سينمائية متخصصة مصاحبة منها جريدة “الحقيقة المصورة” في عكا عام 1937، ومجلة “الأشرطة السينمائية” في القدس عام 1937 باللغتين العربية والإنجليزية وغيرها.
نختم بما قاله الروائي الفلسطيني ابراهيم نصر الله:”حين تأتون لسماع الشعر هنا، أو حين تنشر أمهاتكم الغسيل فوق السطوح، حين تشرعون نوافذ غُرفكم في الصباح، وحين تحتضنون بفرح قططكم الأليفة وكلابكم، حين تعودون إلى منازلكم غير مضطرين لأن تركضوا بفزع وحين يحب الفتى فتاته، والفتاة صديقها، حين تعودون متأخرين إلى منازلكم دون أن ينتاب قلوب أمهاتكم أي خوف عليكم وحين تضعون رؤوسكم على مخداتكم وتحلمون أحلامكم دون رصاص، ودون قذائف، ودون أبواب تحطم، وأشياء غالية عليكم تسحق تحت بساطير الجنود، أحب أن أقول لكم: تذكروا أننا آخر شعب على هذه الكرة الأرضية لم يزل واقعا تحت الإحتلال وأحب أن أقول لكم إن قبولكم بهذا أو رفضكم له هو الاختبار الحقيقي لضمائركم.”