ماجدولین: رسائل حب مخبأة تحت ظلال الزیزفون…

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

إن مررت يوما تحت ظلال الزيزفون، فلا ّ بد لك أن َ تنظر حولك، ّ لربما تجد ماجدولين جالسةً على إحدى المقاعد القريبة.. أو لربما ستلمح طيف ّ “ستيفن” أعظم موسيقيي ألمانيا!
وستنظر بتمعن بحثا عن منزل بطابقين ّ يشع من إحدى غرفه اللون الأزرق تلك الغرفة التي حلمت بها ماجدولين ، أو لعلك تحاول جاهدا الإصغاء لما حولك محاولا التقاط إحدى مقطوعات “ستيفن” المبهرة.
سيحدث هذا إن سبق لك أن قرأت رواية ماجدولين التي كتبها المنفلوطي اعتمادا
لرواية تحت ظلال الزيزفون الصادرة عام 1832 للكاتب الفرنسي “جين بابتيست ألفونس كار” الذي ولد في 24 تشرين الثاني – نوفمبر 1808 في باريس وتوفي في 29 أيلول – سبتمبر 1890 في سان رافاييل حيث قضى سنواته الأخيرة بعيدا
عن الأدب، وانصب اهتمامه على الزراعة. صدرت له عشر مؤلفات إضافة لأعداد المجلة الساخرة (الدبابير) التي أسسها وصدرت خلال عامي 1839 – 1876.
روايةٌ رومانسية صاغها” ألفونس” ٍ بأسلوب كلاسيكي ليسبغ عليها “المنفلوطي” فيما بعد في نسختها العربية أسلوبه الأدبي المميز علها كانت من أجمل الروايات الرومانسية الكلاسيكية.
رسمت أحداث رواية “ماجدولين في جو ّ ريفي حيث البساطة ّ والعفوية وبعيدا عن المدينة وصخبها وضوضاء النّفاق فيها.. حين ْ أشرقت شمس الحب على روحيهما فأنعشت فيهما معنى الحياة بوجهها الأجمل، مضى العشق بهما نحو درب جديد فنجد كيف يصف لنا “المنفلوطي” تلك الهبوب الرقيقة حينما وطأت بخفة قلبيهما.
قضت “ماجدولين” ليلتها راكعةً في معبدها مستغرقةً في صلاتها تدعو الله تعالى أن يعينها على أمرها، وينير لها ظلمة هذه الحياة الجديدة التي بدأت تسير فيها، وقد ّ ألمت بنفسها في تلك الساعة عاطفة غريبة متنوعة الألوان مختلفة الأشكال.
أما “ستيفن” التي كانت نفسه حبيسةً بين جنبيه فقد أشرقت عليها شمس الحب فانتعشت ورفرفت بجناحيها في الفضاء.
لم يكن ما مضى بهما من الحب سريعا بل كان يحبو كما الأطفال حذرا
محاولا الوقوف… فهو ٌ بعيد عن الغش والنفاق وأقرب إلى الصدق والعفوية، وكل ما عصف بماجدولين وستيفن كان بسبب الخلاف حول أسباب السعادة، هل هو المال أم التأقلم مع الظروف المحيطة!
الرواية تحكي عن ّ الحب العذري حين يتم ّ الدفع به في مبارزة خاسرة أمام المال وحياة النّخبة المخملية من المجتمع وتتطرق إلى الخيانة في الحب ّ والصداقة لتستمر في الحديث عن النّدم والمعاتبة المفرطة نتيجة الإحساس بالغدر. إضافة لأحاسيس مختلفة يعيشها شخوص ّ الرواية في فصولها التسعة والتسعين، كما أنها تسلّط الضوء على نمط الحياة والعلاقات الأسرية في ذاك الوقت.
رسائل ماجدولين – الفصل (17 (
من ماجدولين إلى ستيفن:
“ماذا صنعت يا ستيفن ؟ إنك سلبتني الليلة الماضية راحتي وسكوني، فإنّي كلما تذكّرت تلك القبلة التي وصمت بها جبيني، ُ شعرت ّ كأن نارا مشتعلة تتأجج بين أضلعي، ّ وأن صحيفتي التي لم تزل بيضاء حتى ليلة أمس قد أصبحت تضطرب في بياضها النّاصع نقطة سوداء، لأحاول أن أطردها من أمامي فأكون كالأرمد الذي
يحاول أن يطرد الغشاوة السوداء عن عينيه فلا يستطيع.”
الرواية التي تقع في 227 صفحة ّ وقسمت إلى 99 فصلا تحمل في ّ طياتها تشويقا
من نوع خاص حيث اعتمد الكاتب على أسلوب الرسائل كحوار مطول من جانب واحد وفي ذات الوقت سرد لتفاصيل الأحداث التي تدور في ألمانيا في زمن الحرب بالإضافة إلى السرد والحوار المعتادين.
رسائل ستيفن – الفصل (63 (
من ستيفن إلى ماجدولين:
“أتدرين ِ لَم أؤثـر الحياة على الموت يا ماجدولين وقد كان المـوت أروح لي مما أكابده؟ لأني لست على يقين مما بعده، وأخشى إن حل بي أن ينتزع مني ذكرى تلك الأيام الجميلة التي تمتّعت فيها بحبك ِ وعطفك وبحلاوة الأمل فيك، والتي هي كل ما بقي في يدي بعد الذي كان، ولولا ذلك لقتلت نفـسي، ثم اسـتحالت روحي إلى طـائر جميل يطـيف بك ويرفـرف على رأسك حيثما ِ ذهبت، ويتناول الحب من يدك مرة والقبلات من فمك أخرى، فأظفر منك مـيتا بما عـجزت عـنه حـيا!
إنّك سلبـتني سعادتي يا ماجدولين، ولكنّك لم تعـطني شيئا بدلا منها أعيـش به، بل تركتني وشأني كما يـترك المـسافـر رفيقه الجريـح الظامىء في الصـحراء المحرقـة لا ظل فيها ولا ماء، وينجو بنفـسه غـير مـبال ِ بما تصـنع به الأقدار مـن بعده، فما أقساك ّ، وما أبعد الرحمـة عن قلبـك!”
حين قراءتك لهذه ّ الرواية سوف تجد أن المنفلوطي أبدع في صياغتها حيث ّ يشد القارئ بأسلوبه السلس الواضح والمليء بالمعاني والمشاعر الغزيرة والمتناقضة أحيانا، كما أن الكاتب ّ يوضح بأسلوب غير مباشر تفاصيل شخوص الرواية كالشكل أو الأطباع وردود الفعل، ولم َ يتناس الكاتب تفاصيل الزّمان والمكان، بل كان في عدة فصول يشرحها باستفاضة، ذلك ما يضعك بكل وضوح ضمن سيناريو متكامل لحياة الشخوص التي ربما ستعيش مع تفاصيلها بكل جوارحك إن ّ تعمقت في خيالك أثناء قراءتها.
الجدير بالذكر أن مصطفى المنفلوطي الأديب المصري الفذ لم يكن يتقن الفرنسية رغم صياغته لروايات وأعمال أديبة فرنسية عدة باللغة العربية حيث كان يقوم بإعادة صياغة العمل الأدبي باللغة العربية اعتمادا ً على الترجمات التي تصله من أصدقائه لهذه الأعمال. وللمنفلوطي مؤلفات عديدة في الشعر والرواية والمقالة والتي تمتاز جميعها بأسلوبه الأدبي الفريد.


* رئيسة القسم الثقافي في موقع أخبار الدنيا