“لوموند” الفرنسية: مصرف لبنان المركزي دولة مبهمة داخل الدولة! والتدقيق الجنائي أساس الإنقاذ الاقتصادي

بعنوان “مصرف لبنان المركزي، دولة مبهمة داخل الدولة، لا يمكن المساس بها” نشرت صحيفة ال “لوموند” الفرنسية تقريرًا كتبه الصحافي بنيامين بارت وذكر فيه المصرف المركزي، المشتبه في قيامه بتدبير هندسة مالية استفادت منها النخبة في دولة الأرز، يسعى الان إلى التهرب من التدقيق في حساباته وممارساته”.

ويؤكد التقرير، على أنّ “المانحين الدوليين للبنان يطالبون بالتدقيق الجنائي، وأنّ رئيس الجمهورية ميشال عون يجعل الأمر شأناً شخصياً، وتواصل حكومة حسان دياب، التي أطلقت المشروع في آذار، دعمه رغم استقالتها”.

ويرى بارت أنّ التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، هو الأساس في الإنقاذ الاقتصادي للبلد” لكنه يعتبر أنّ “الموضوع الأكثر خطورة هو أن التدقيق لن ينجح”.

ويذكر التقرير، أنّه “مثل فرنسا، ترفض الدول الغربية والعربية، التي استمرت في إنقاذ لبنان على مدى السنوات العشرين الماضية، إخراج دفتر الشيكات الخاص بها إلى أن توقع البلاد اتفاقية مع صندوق النقد الدولي ( IMF)، ويتطلب هذا الأخير، الذي تفاوضت الحكومة معه دون جدوى في الربيع، سلسلة من الإصلاحات، بما في ذلك تدقيق مصرف لبنان”.

ويذكر التقرير انه “لتمويل عجز الموازنة والحفاظ على تكافؤ الليرة اللبنانية مع الدولار، لجأ مصرف لبنان إلى ممارسات غير تقليدية وصفت بـ “الهندسة المالية”، وهو نظام مصمم لامتصاص الودائع بالدولار من البنوك التجارية، بسعر فائدة مرتفع للغاية ، والذي أطلق عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه مخطط “بونزيه””.

كما كتب بارت، أنّه “قبل التعجيل بإنهيار القطاع المصرفي، جعلت هذه الترتيبات ثروات مساهمي البنوك، ومن بينهم العديد من السياسيين، “ميد بنك ” ومالكه الأساسي سعد الحريري، كان أحد المستفيدين الرئيسيين في عام 2016 وحده، ربَّحت هندسة مصرف لبنان للمؤسسات المالية اللبنانية 5 مليارات دولار، وفقًا لصندوق النقد الدولي، أي ما يعادل 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، دون أي تعويض للدولة”.

واماط التقرير اللثام عما كان كشفه تقرير أجرته شركتا “إي واي” و”ديلويت” في عام 2018، وحصلت “لوموند” على نسخة منه، عن “إشكالية أخرى” ألا وهي أنّ المدققين غير مخولين بإجراء جرد لمخزون مصرف لبنان من الذهب، بقيمة 10 تريليونات جنيه إسترليني في كانون الاول عام 2018 (5.5 مليار يورو)، وبأنّ هناك زيادة مشبوهة في أصولها، في حدود 6 مليارات دولار، بناءً على ممارسات محاسبية مشكوك فيها”.

وقال “إنّ أحد أهم عقبات التدقيق هو رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عرقل ترشيح أول شركة تدقيق، وهي شركة كرول الأميركية، من خلال الإيحاء بأنها مرتبطة بإسرائيل”.

وثاني عقبة أمام التدقيق الجنائي، وفق تقرير ال “لوموند” “هي الرئيس سعد الحريري، نظرًا لقربه من سلامة”.

وجاء المقال بحرفيته بالشكل الاتي :

“إن التدقيق الجنائي لمصرف لبنان، وهو عنصر أساسي في الإنقاذ الاقتصادي للبلد، قد لا يرى ضوء النهار.

وألقى مجلس الوزراء المكلف من قبل وزارة المالية اللبنانية للقيام بهذه المهمة يوم الجمعة 20 تشرين الثاني الشركة الأميركية ألفاريز ومارسال، بعد أن رفض مصرف لبنان الكشف عن حساباته، بحجة السرية المصرفية. حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الذي يتعذر عزله، في منصبه منذ سبعة وعشرين عاماً، يقاوم بقوة هذه العملية التي تهدف إلى تسليط الضوء على إفلاس القطاع المصرفي في البلاد، الذي تقدر خسائره بنحو 68 مليار دولار.

وقالت وزيرة العدل ماري كلود نجم: إنها صفعة في وجه الدولة اللبنانية، تطور مصرف لبنان إلى دولة داخل دولة ترفض الخضوع للمساءلة. هذا الأمر يرسل إشارة سيئة للغاية، وهي أن مؤسسة لديها ما تخفيه.”

ومع ذلك، يضيف التقرير، فإن القول بأن هناك حالة طوارئ أمر بخس. أدت أزمة السيولة، التي اندلعت في أواخر صيف 2019، إلى انهيار العملة الوطنية وارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية. ارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر من 30 في المئة في عام 2019 إلى 55 في المئة اليوم.

ومثل فرنسا، ترفض الدول الغربية والعربية، التي استمرت في إنقاذ لبنان على مدار العشرين عاماً الماضية، إخراج دفاتر الشيكات الخاصة بها إلى أن توقع البلاد اتفاقية مع صندوق النقد الدولي. ويتطلب هذا الأخير، الذي تفاوضت معه الحكومة من دون جدوى في الربيع، سلسلة من الإصلاحات، بما في ذلك مراجعة حسابات مصرف لبنان.
ينقسم هذا إلى ثلاثة أجزاء: جزء محاسبي بحت، يعهد إلى شركة KPMG، والذي يهدف إلى معرفة الميزانية العمومية لمصرف لبنان بدقة؛ قسم “الامتثال” المنسوب إلى شركة أوليفر وايمان للتحقق من أن ممارسات المؤسسة النقدية لا تحيد عن معايير البنوك المركزية؛ وحساب التدقيق الجنائي للكشف عن الاختلاس المحتمل.
بدأت هذه الإجراءات من قبل حكومة حسان دياب في نهاية آذار. كانت ترد على غضب الشوارع، وألقوا باللائمة في الأزمة على الأوليغارشية السياسية المالية. وبذلك، أظهر حسان دياب، الوافد الجديد على الساحة السياسية والذي حل مكان سعد الحريري، شجاعة سياسية.
ولتمويل عجز الموازنة والحفاظ على تكافؤ الليرة اللبنانية مع الدولار، لجأ مصرف لبنان إلى ممارسات غير تقليدية وصفت بـ”الهندسة المالية”. نظام مصمم لامتصاص الودائع بالدولار من البنوك التجارية، بسعر فائدة مرتفع للغاية، أطلق عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه “مخطط بونزي”.
قبل التعجيل بانهيار القطاع المصرفي، قامت هذه الترتيبات بثروات مساهمي البنوك، ومن بينهم العديد من السياسيين. في عام 2016 وحده، ربحت “هندسة” مصرف لبنان للمؤسسات المالية اللبنانية 5 مليارات دولار، وفقاً لصندوق النقد الدولي. ما يعادل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، من دون أي تعويض للدولة.
كشف تقرير تدقيق “كلاسيكي”، أجرته شركتا EY و Deloitte في عام 2018، وحصلت Le Monde على نسخة منه، عن عناصر إشكالية أخرى. ويشير المدققون إلى أنهم غير مخولين بإجراء جردة لمخزون مصرف لبنان من الذهب، بقيمة 5.5 مليار يورو في كانون الأول 2018. يشير التقرير أيضاً إلى زيادة مشبوهة في أصولها، في حدود 6 مليارات دولار، بناءً على ممارسات محاسبية مشكوك فيها.
يشك منتقدو رياض سلامة في أن هذه المناطق الرمادية ليست سوى الجزء الناشئ من نظام أكبر، بعد أن أفادت النخبة اللبنانية. يعتبر مصرف لبنان، في أذهانهم، الصندوق الأسود للنظام السياسي المفترس الذي جعل لبنان حزيناً للغاية. “لقد تسلل مصرف لبنان إلى جميع الدوائر الاقتصادية في البلاد واستفادت الطبقة السياسية منه كثيرًا”، كما يقول الخبير الاقتصادي توفيق كاسبار.

ويرد رياض سلامة خطياً على أسئلة لو موند: “مصرف لبنان أنجز مهمته وعمل لمصلحة لبنان. العجز المزدوج الذي أدى إلى ضعف أو عجز في الميزانية أو عجز في الحساب الجاري ليس ضمن اختصاصها.”

وفيما يتعلق بالتدقيق العدلي، أكد سلامة لـ “لو موند” أن “مصرف لبنان تعاون مع ألفاريز ومارسال”. مسار الإجراءات يثير الشك. عبر وسطاء داخل المؤسسة اللبنانية، ضاعف الحاكم العقبات.

ويقول التقرير :رئيس مجلس النواب، نبيه بري، هزم ترشيح أول شركة تدقيق، وهي شركة Kroll الأميركية، من خلال الإيحاء بأنه مرتبط بالكيان الصهيوني. شائعة لا أساس لها من الصحة، والتي لم تقلق حتى حزب الله.

ويعارض أيضاً سعد الحريري، التدقيق الجنائي. موقف منطقي نظرًا لتورطه في Bankmed وقربه من سلامة، الذي كان لفترة طويلة مدير أموال والده، رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، الذي اغتيل عام 2005.” ويقترح توفيق كاسبار قائلاً: “الرسالة الضمنية التي قالها رياض سلامة الى الطبقة الحاكمة، إنها: إذا غرقت، تغرق أيضًا. الكارثة اللبنانية هي نتيجة عقود من سوء الإدارة والفساد بقيادة النخبة الأوليغارشية.

وجاء في المقال: على الرغم من الضغوط، فإن حكومة دياب صمدت. في تموز، اختار مرشحاً جديداً، ألفاريز ومارسال. في بداية شهر أيلول، أرسلت هذه الحكومة إلى مصرف لبنان قائمة بـ129 طلباً. كان رد المؤسسة أقرب إلى اعتراض. رفضت تلبية 58 في المئة من طلبات الشركة الأميركية، سواء كانت مالية (تقديم مستندات محاسبية) أو إدارية (تقديم قائمة موظفي مصرف لبنان منذ عام 2015) أو حتى لوجستية (توفير مكتب لمراجعي الحسابات). وقال محلل مالي لبناني طلب عدم الكشف عن هويته: “أدركت ألفاريز ومارسال أن الأمر سيكون جحيماً، ولهذا السبب استسلمت.” في رده على “لو موند”، يبرر رياض سلامة موقفه بالمادة 151 من قانون النقد والائتمان التي “تحظر على البنك المركزي الكشف عن حسابات الآخرين المفتوحة لديه”. كما قال أنه طلب من وزير المالية تفويضاً كتابياً لتسليم الحسابات السيادية وأن هذا لم يصله أبداً.

وقال آلان بيفاني، المدير العام السابق لوزارة المالية اللبنانية والذي أغلق باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي احتجاجاً على عرقلة القطاع المصرفي: “تعود حسابات السيادة إلى الدولة وهي الدولة التي فوضت ألفاريز ومارسال. قرر المجلس الاستشاري الأعلى لوزارة العدل أن حجة السرية المصرفية التي استخدمها مصرف لبنان غير مقبولة”.
منذ أيام قليلة، قال الوفد المرافق لرياض سلامة إن تدقيق مصرف لبنان سيُجرى من قبل بنك فرنسا. فكرة اقترحها الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يرقى إلى التقليل من أهمية التدقيق الجنائي. لكن وفقاً لمعلومات لوموند، لا ينوي بنك فرنسا تنفيذ هذه العملية. إنها ملتزمة فقط بتقديم المساعدة التقنية، بصفتها “طرف ثالث موثوق به”.
وراء هذا التقارب، تخشى الأوساط الإصلاحية اللبنانية من ترتيب خلف الكواليس بين مانحي لبنان ورئيس مصرف لبنان. “صفقة” من شأنها أن تدفن التدقيق الجنائي، الذي يعتبر مسيسًا للغاية، مقابل المكونين الآخرين للمراجعة. وقال مصدر داخل الحكومة: “لقد غطى المجتمع الدولي طبقتنا السياسية على مدى ثلاثين عاماً. هل يمكن أن تعرض عليه الإفلات من العقاب مقابل تعهد بسيط بتغيير ممارساته؟”

وختمت الصحيفة مقالها بالقول: “يوم الجمعة 27 تشرين الثاني، في خلال جلسة استثنائية لمجلس النواب، تنافس أعضاء البرلمان في التصريحات لصالح تدقيق الجنائي. تعبئة رسمية بحتة، بدون مشاركة ملموسة، تهدف إلى منحهم الدور الجيد في مواجهة الرأي العام. كان بإمكان المسؤولين المنتخبين التصويت لصالح نص ملزم ولكنهم لم يفعلوا ذلك. لا يلمس أحد مصرف لبنان، صندوق باندورا للنظام اللبناني”.