لماذا تهيم عقولنا نصف الوقت .. ونحن مستيقظين؟وهل كل هائم ضائع؟

 

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

صفِّ ذهنك، لا تفكر مطلقاً في أي شيء، خذ الدقيقة التالية أو نحوها في محاولة ذلك، سوف ننتظر، فعلت؟ عظيم، ماذا دار في ذهنك؟مئات الأفكار مجددا برغم المحاولة…

الخبر السار: أنت طبيعي تماماً، تخبط الذهن هو دماغك في الوضع الافتراضي، أي أنه لا يجب عليك تقبل هذا اﻷمر بل أن تعلم عقلك التركيز الكثير من الفوائد.
ثرثرة الدماغ، ليس تعبيرا مجازيا عندما نقول أن هيام العقل هو الوضع الافتراضي للدماغ حيث يطلق على القسم الذي يبدأ بالعمل في اللحظة التي تتوقف فيها عن محاولة التفكير اسم شبكة الوضع الافتراضي أو مجرد الشبكة الافتراضية. حدث اكتشاف هذه الشبكة عن طريق الصدفة: لاحظ علماء الأعصاب في منتصف القرن العشرين أن نشاط الدماغ في مناطق معينة قد ارتفع عندما طُلب من أشخاص أن يسترخوا، على الرغم من أن الراحة أُدرجت بوصفها السيطرة العلمية للتجارب التي تفحص في مناطق أخرى من الدماغ، كان من المفترض أن يكون الدماغ هادئا لكن لسبب ما بدأ بالذبذبة.
لم يحدث شيء حتى سبعينات القرن الماضي عندما بحث شخص ما في هذا النشاط المفاجئ، قام عالم الفيزياء السويدي ديفيد إنغفار David Ingvar بفحص تدفق الدم في الدماغ أثناء الراحة و لاحظ أن هذا الإرتفاع حدث في مناطق محددة، وأبرزها في الفص الجبهي، مركز الذاكرة و التعلم و الإدراك، في أوائل عام 2000 استخدم مجموعة من الباحثين تصويرا أكثر تقدما لتحديد المناطق المسؤولة وتسمية هذه الشبكة في مناطق الدماغ “شبكة الوضع الافتراضي”.
ليس كل هائم ضائع
لقد أظهرت الدراسات أن العقول الهائمة ليست سعيدة كالعقول المركزة، ولكن في أي اتجاه يقود موضع تساؤل، وجدت دراسة أجريت عام 2010 في مجلة العلوم أن العقل الهائم يؤدي إلى مزاج سلبي وليس العكس، و وجدت دراسة عام 2017 أن تخيل المستقبل على وجه التحديد يمكن أن يؤدي إلى أعراض اكتئاب بمرور الوقت، غير أن دراسات أخرى وجدت العكس هو الصحيح: أي المزاج السيئ يؤدي إلى عقل هائم. إذا كان الأول صحيحا، فقد يعني ذلك أن الهيام الذهني يجعلك بائس وإذا كان الأخير صحيحا فهذا يعني أنه مجرد وسيلة للتأقلم عندما تشعر بالاكتئاب.
بالطبع، هناك عيوب أخرى أكثر وضوحا للعقل الهائم، عندما لا تكون مركّزا سيعاني تفكيرك من فهمك للقراءة والذاكرة والتحكم الإدراكي العام، يمكن أن تكون أحلام اليقظة أداة قوية عندما تحتاج إلى التفكير بشكل خلاق، ولكن عندما تحتاج إلى العمل يكون التركيز هو الأفضل.
إذن كيف تشحذ تركيزك؟ وهنا يأتي دور التأمل، و وفقاً لدراسة أجريت عام 2012 كان لدى عالمة الأعصاب ويندي هايسينكامب Wendy Hasenkamp وفريقها أشخاصا يجلسون لدى ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ أثناء قيامهم “تأمل تركيز الانتباه”– وهو النوع الذي تركزون فيه انتباهكم على شيء واحد، مثل الإحساس بالتنفس – و كان عليهم أن يضغطوا على زر في كل مرة يلاحظون فيها أن عقولهم تهيم.
وأظهرت عمليات المسح _ بشكل مؤكد_ أن شبكة الوضع الافتراضي للدماغ تنشط أثناء هيام العقل، لكن عندما لاحظ المتأملون ذلك استغرق الأمر 12 ثانية فقط لإعادة توجيه انتباههم والسماح لشبكة الدماغ التنفيذية بالتركيز على الانتباه، فعل المتأملين ذوي الخبرة اﻷمر بسرعة أكبر.
“هذا يفسر شعورك أنه من الأسهل التخلي عن الأفكار كلما أصبحت أكثر خبرة في التأمل، وبالتالي أكثر قدرة على التركيز”، كما كتبت Hasenkamp في مجلة غرين غوود “تصبح الأفكار أقل تشبث لأن دماغك يعيد ارتباطه ليصبح أفضل في التعرف و التخلي عن الهيام العقلي”، هذا أمر منطقي: يجعلك التأمل تمارس تركيز انتباهك والممارسة تصنع الكمال، في المرة التالية التي يهيم فيها عقلك، أدرك أنه مجرد دماغ افتراضي ثم أعد توجيه انتباهك إلى المهمة الموجودة في متناولك.