لغة الجسد …

 

 

بِقَلَم ألْعَميد مُنْذِر ألأيوبي*

“التَصَدي لِلمُخططات الإنفِصاليَة التي تَهدُف إلى نَسف سيادة سوريا وَ وحدتها الترابية ، وكذلك أمن الدول المجاورة لها”،، – هذا هو ألعنوان ألعريض ألذي أكَد عليه رؤساء كُل مِن روسيا ، تركيا و إيران في ختام القمة الثلاثية ألتي عُقدت ألخميس ألماضي في مدينة “سوتشي” على ألساحل ألشرقي للبحر ألأسود ،، كما تم ألإتفاق أيضآ على مواصلة العمل بغية ألوصول للتسوية السياسية في سوريا ، مع احترام سيادتها و استقلالها و وحدة أراضيها ..

من جِهَةٍ أخرى ،، كان لافتآ و ربما من قَبيل ألمُصادفة تزامن إنعقاد قمة “سوتشي” ألثلاثية مع مؤتمر وارسو الذي “سنتطرق إليه في مقالٍ لاحق” شكلآ و مضمونآ …
أتى بيان ألقمة “Sochi 4” متشددآ لجهة ضرورة إطلاق عمل اللجنة الدستورية في سوريا بألإضافة لتهيئة الظروف الملائمة بغية عودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم ، كذلك حَثَّ ألرؤساء ألثلاثة ألأمم ألمُتحدة و المجتمع الدولي على تقديم ألمزيد من ألمساعدة و ألدعم للشعب السوري دون تفرقة أو تمييز أو تسييس ..

بألتوازي ،، تم ألتأكيد على أهمية الاستمرار في محاربة الإرهاب -“بقيت قرارات هذا ألبند سريةً
غير معلنة”،، إضافةً إلى تكثيف الجهود بغية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في “محافظة إدلب” ،،
و وجوب ألإنسحاب ألتركي من مدينة “منبج” بِألتَزامُن مع تَفعيل اتفاق “أضَنَة” ألأمني ألسري ألموقع بين تركيا و سوريا عام 1998 ،، و ألذي شكّل “نقطة تحول” رئيسية في علاقاتهما ، أثمرت في حينه تعاونآ إستراتيجيآ بَناءً أدى إلى توقيعهما عشرات الاتفاقيات في مختلف المجالات …

في مشهد “سوريالي” surrealism مُتكرر – و قَبيل دخولهم قاعة ألإجتماعات و ألغَوص في تعقيدات ألملف ألسوري ميدانيآ و سياسيآ ،، كانت ألصور ألتذكارية تُلتَقط كالمعتاد للرؤساء ألثلاثة ألإيراني حسن روحاني و ألتركي رجل طيب أردوغان يتوسطهما ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين و هم يتصافحون و في خلفية ألمَنَصة أعلام دولهم .. “ألبيئة وديَة = توظيف جغرافية ألمَكان”..

بِألعَودة إلى عُنوان ألمَقالًة ،، تُعتَبَر “لُغَة الجَسَد” قناة تٍواصُل دونَ ألكلِمات ،، وَ يُمكن بألتالي إستِقاء ألكَثير مِن ألمَعاني مِن خِلال خَلَجات ، إنحناءات ، حَركات و أيماءات ألأشخاص ،، و يُمَثِل ألإتصال غَير اللفظي كألإبصار و ألإحساس ما يقارب 60 % من المَعاني خِلال عَملية التَواصُل بينَ الناس ..

في نفس ألسِياَّق ،، إن أحد مصادر ألمعلومات ألتحليلية ألتي تعتمدها أجهزة ألمخابرات ألمُحتَرِفة هي دراسة و تحليل “لغة ألجسد” لِلرؤساء أو ألشخصيات ألمُدرجة على لائحة ألمتابعة و ذلك بواسطة مختصين ،، بحيث يمكن ألتنبوء أو توقع قراراتهم ، أفعالهم ، سلوكهم ، مصداقية أو صدق كلامهم ، درجة توترهم ، إحتمال مرضهم إلخ ..

سُجِل في هذا ألمجال ما كشفته وثائق سرية مُسَرَبَة من وكالة ألمخابرات ألأميركية CIA عن قيام مشروع “إشارات ألجسد” ألتابع لمجموعة ألأبحاث و ألتقييم في ألبنتاغون ألمختصة بالقضايا الأمنية الاستراتيجية بدراسة ألحركات ألجسدية لِلرئيس ألروسي فلاديمير بوتين إضافَةً إلى ألعديد من قادة ألدول حلفاء كانوا أم أعداء و وضِعَت نتائج هذه ألدراسات و خلاصاتها لِلإستثمار بتصرف دوائر ألقَرار ألأميركي ،، علمآ أنه لا يمكن تأكيد مدى اعتماد صنّاع القرار ألسياسيين و ألعسكريين على نتائجها ..
في مشهدية “سوتشي” ،، بدا في ألصورة ألبروتوكولية ألرئيس بوتين يصافح ألرجلان في نفس ألوقت بحكم وقوفه بينهما مادآ يده أليسرى للرئيس روحاني و أليمنى للرئيس أردوغان ..

من قراءة ألصورة و تحليلها ،، يتبين أن لا غطاء خادع من التوافق ،، و يتطابق ألتحليل مع مُندرجات ألوقائع و ألأحداث و ألمُستجدات على ألمَسرح ألإقليمي و ألسوري على وَجه ألتَحديد !!
إذ جاءت ضِحكة و نَظرة ألرئيس ألإيراني كافيتا ألدَلالة للتعبير عن قَلق مُضمَر ، أما إرجاع ألرأس إلى ألخلف فهو مؤشر صَبر و ثقة بألنفس ..
ألرئيس ألتركي كان ممسكآ بكلتا يديه “بتلابيب”
يد ألرئيس ألروسي كمَن يَتمسك بحبلِ نجاة ، في حين أن عيناه تنطقان قدرآ من ألإسترخاء ألمُصطنع .. ألنظرة ألجليدية ألعَميقَة ألتي لا تُظهر ما خَفيَّ سِمَة عَينَا ألرئيس بوتين ، تواصلٌ بصريٌ ثابت يفرض هيمنة على الآخَرَين ،، أما يداه فكانتا تُصافحان بِحزم كلا ألضَيفين مُعلنتان أن مصالح روسيا ألإستراتيجية فوق كل إعتِبار ..

خِتامآ ،، و إذ شَكك ألزُعماء ألثلاثة في نية واشنطن سَحب قواتها من سوريا ،، أعربوا عن رفضهم القاطِع لمحاولات فرض حقائق جديدة على الأرض تحت غطاء محاربة الإرهاب .. و تقرر عقد اجتماع جديد بِصيغَة “أستانا” أواخر شهر آذار المُقبل ..

ألتَوقيت ضَاغِط ،، و بإنتظارٍ دِراسة “حركات ألجَسد” و فَك ألرُموز ،، نبقى على أمل أن تكون نتائج صورة ألمشهدية ألمقبلة أكثر تفاؤلية ..

*عَميد، كاتِب و بَاحِث .