لبنان… لغز الكلمات المتقاطعة!

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

تسع دول وعدة منظمات دولية شاركت فيما سُمي “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” يوم السبت الماضي 28 الجاري، ومن التسمية كما المشاركين تشتم رائحة الاضحية التي ستقدم وحجم المغانم والاثمان المقبوضة.. كذلك من منطلق ثقل ودور اعضائه على الصعيد الاقليمي ومناخ التبريد السائد فالغاية في وضوحها وضع اطار ومسودة اجندة لبرنامج التغيير الجيوسياسي المستجد والمرتقب في الشرق الاوسط الجديد..!
شارك في المؤتمر الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ورئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح. كذلك وزراء خارجية كل من السعودية وتركيا وإيران، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط والأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي يوسف بن أحمد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية نايف الحجرف وممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص في العراق Jeanine Hennis-Plasschaert…
إستطرادآ، فإن استبعاد سوريا ولبنان وعدم دعوتهما للمشاركة على اختلاف نوع المعاناة والمآسي، يؤكد حجم المتاهة التي يعيشها او يمر بها البلدين الجارين،..! وهذا ما يعود بنا قسرآ او اشتقاقآ بديهيآ الى مرحلة شعار (وحدة المسار والمصير) الذي رفع في “عهد الوصاية” بالمعنى السلبي او “الوجود السوري الشقيق” بالوجه الايجابي..! قد تباهى في حينه و تأييده ثم انقلبوا معتادين معظم ونفس الزمر السياسية الحالية.. “لطالما بكت الثعالب تحت اقدام الرعاة”..
من جهة اخرى، اعطي الاهتمام على الصعيد العراقي السياسي الداخلي لرفع مستوى “الجهد الفعال” بهدف تعزيز مؤسسات الدولة وادائها واولوية النمو الاقتصادي، مع ضمان الاستقرار من خلال التفاهمات وتخفيف التوترات والتشديد على إجراء الانتخابات النيابية القادمة بنزاهة وشفافية تحت الرقابة الدولية ممثلة بالامم المتحدة…!
توازيآ، لا يمكن تجاهل او استبعاد واقع الضرورة للمؤتمر من حيث الزمان والمكان دون التغاضي عن الامتداد الجيوسياسي والاستراتيجي مع “مشروع الشام الجديد” دورآ ومقررات، الذي عقد في العاصمة العراقية ايضآ خلال شهر حزيران الماضي بمشاركة الرئيس المصري والملك الاردني ورئيس الوزراء العراقي؛ فكلاهما لدى الغوص في بنودهما يتنفسان الاوكسيجين نفسه و يصبان في نفس الاهداف المتعلقة بالتعاون الاقتصادي في حقول الطاقة والموارد المائية والكهربائية والزراعية الخ.. والتسويق والنقل اضافة الى الدرع الاهم لكل ما يرسم وهو التعاون والتنسيق الامني والاستخباراتي في مكافحة الارهاب وضرب الملاذات الآمنة والخلايا النائمة اضافة الى مكافحة الجريمة المنظمة على تنوعها “الالكترونية، المخدرات، الاتجار بالبشر.. الخ..”..!
في سياق متصل؛ يمكن استشراف وتلمس سعي بغداد لتتخذ موقع الحياد الايجابي عبر اعتمادها سياسة صفر عداوات، بالتزامن مع محاولة تجديد واستعادة دورها التنسيقي المتوازن في الاقليم كوسيط نزيه مساهم في خفض حدة التوترات ونزع فتيل الازمات .. انها باحتضانها المؤتمر تجدد عباءتها يوم كانت عاصمة العالم القديم والخلافة العباسية من خلال فهم حالات التتابع العسكري والسياسي الايجابية والسلبية لتكون نقطة جمع اساسية في الاقليم سواء للاصدقاء او بين المتخاصمين الالداء.. وفي التميز، المؤتمر هو الاول من نوعه على الصعيد الاقليمي، اتى من منطلق التموضع الجغرافي والمصالح السياسية والاقتصادية المشتركة الجامعة، لا من منطلق عصبية الانتماء اللغوي او الديني او القومي كجامعة الدول العربية او منظمة التعاون الاسلامي الخ.. ومما لا شك فيه ان المؤتمر سيضمن إيجاد مساحة مشتركة للتفاهم وتقليص فجوة الخلاف كما سيكون مشهدآ مرتجى يعكس النوايا الايجابية لدول الاقليم..!

فرنسيآ واوروبيآ؛ يبدو ان مشاركة الرئيس ايمانويل ماكرون في المؤتمر يعكس اصرارآ ورغبةً لدى الاليزيه لاستعادة دورها التاريخي في الشرق، خاصة في هذه المرحلة الحساسة والخطرة الحبلى بالصراعات على النفوذ..! تاليآ؛ لا يخفى ان هذه المشاركة قد ترسم منهجية اكثر فعالية، كما قد تساهم في استخلاص نمط المواجهة للتحديات التي تواجهها فرنسا في لبنان والمحاولات المتكررة لتعطيل حراكها النشط بدءآ من افشال المبادرة الفرنسية للاصلاح وتشكيل حكومة المهمة..!
على اختصار الغوص اكثر في مؤتمر بغداد الاخير وما وضع على طاولة الحلول واعتلم على خرائط النفوذ، ووفقآ لما تبلور لديه من معطيات محلية واقليمية وواقعية، فإن الحاجة او القناعة التي تولدت لدى الرئيس ماكرون باتت في الاقدام على خطوة جريئة وواقعية ك “اهون الشرين” من نوع مؤتمر بغداد -2 بالتنسيق والرعاية الاميركية-الروسية بهدف فبركة حل مجدي لمعالجة المعضلة اللبنانية ..!

ختامآ؛ في حنين قسري الى شبكة الكلمات المتقاطعة الحاجة هائلة اليوم لمثيل مخترعها الموهوب Arthur Wynne عل وعسى ينجح في حل لغز الشبكة اللبنانية بعمق تقاطعاتها وتموضع مكعباتها السوداء والبيضاء..!
الشبكة اللبنانية لا تسعها الصفحات، نظرآ لتفاقم الازمات وتراكم المآسي، وباعتماد الموجزات ايضآ ففي المرادفات المطلوبة أفقيآ: تشكيل الحكومة اللبنانية- الاصلاحات النقدية والاقتصادية- التدقيق الجنائي- استعادة اموال الناس المنهوبة- وقف الفساد والافساد- البطاقة التمويلية- معالجة ازمات الكهرباء، الدواء، الماء والمحروقات- اعلان نتائج التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ومحاسبة المتورطين..
عاموديآ: الانتخابات النيابية والرئاسية- التعديلات الدستورية- الاستراتيجية الدفاعية- التفاعل مع متغيرات الاقليم على النسق العراقي- تحديد هوية لبنان السياسية والكيانية- تصفير الارتهان للخارج- صيغة وقواعد التعاون مع سوريا- ترسيم الحدود البحرية- استخراج الطاقة من المربعات النفطية..!
الشبكة تتسع لكثير من الاعمدة، واذا كان كثر من اطباء يعتبرونها علاجآ لمرض Alzheimer فإنها في نسختها اللبنانية تفرض سطوتها لعبة حياة ومصير..! عسى ان يتم التوصل نهائيآ الى تثبيت لبنان الرسالة بوحدة كيانه على تنوع شرائحه الاجتماعية والدينية والعقائدية بالتزامن مع انقاذ اهل البلد من الانحدار المعيشي والحياتي بكافة اوجهه والا فالكارثة مدوية، الارتطام هائل والألم كبير .. هكذا ستكون الحال وسيقال(( ندم البغاة ولات ساعة مندم … والبغي مرتع مبتغيه وخيم ))..

———————

بيروت في 31.08.2021