لبنان في زمن النكبات

 

بقلم : نمر ابي ديب *

ما بين جدلية التشكيل “رئاسة الوزراء” وحسابات التوقيع “رئاسة الجمهورية” يقف لبنان اليوم بما تبقى من مقوماته الحيوية ومرتكزاته المؤسساتية وحيداً منفرداً على مِنَصَّة الأزمة الوجودية وسط إنعدام كامل للرؤيا الإستراتيجية” وبوادر الحل السياسي الدائم والمؤقَّت، في مشهد أُفرِغَت من خلاله “المبادرات الخارجية” و”المُناشَدات الدولية” من مضمونها الإنقاذي الفاعل والمؤثر في بنية الأزمة اللبنانية، وفقد معها “لبنان” القدرة على مواكبة “التحول الإقليمي” الذي بدأته “المملكة العربية السعودية” في “الملف اليمني” وأيضاً في “علاقاتها الثنائية مع العراق”، والإنفتاح العربي على “سوريا” وما يعنيه هذا الإنفتاح من دخول تدريجي” لدول المنطقة في مرحلة “ربط نزاع ” لا بل إعادة تموضع سياسي وعسكري على أنغام “المُستَجِد الإقليمي والمُنتَظَر الدولي”، المُتَمَثِّل اليوم في “إتفاق الشراكة الإستراتيجية” بين الصين/إيران من جهة، وإعادة تفعيل “الإتفاق النووي بين طهران والولايات المتحدة الأميركية” من جهة ثانية.

أمام هذا التحول طرح “الإنهيار اللبناني” أكثر من علامة إستفهام سياسية وتساؤلات عديدة، عن مصير لبنان في الدرجة الأولى، عن موقعه السياسي، ودوره الإقليمي في المراحل المقبلة. إنطلاقاً من “مسلمات سياسية وحقائق” أبرزها إستثنائية الدور السياسي الذي يُمارِسه الروس في دول المنطقة وتحديداً لبنان، ثانياً مركزية الدور الإيراني في “إستراتيجيات” الدول الكبرى للمراحل المقبلة، سواء على مستوى الشراكة الإستراتيجية مع الصين كما أسماها وزراء خارجية الدولتين، أم على مستوى العودة الحتمية للإتفاق النووي مع طهران، نظراً لغياب البدائل السياسية أميركياً والكلفة العالية التي بات يتطلبها الخيار العسكري في أكبر أزمة إقتصادية عرفها عالمنا الحديث، وهنا يجدر التساؤل عن المسافة الفاصلة سياسياً بين “سقف الإنهيار اللبناني ومتوسط المساحة التي يفترض أن تشمُلَها مقدمة “التسوية المقبلة” حتى لا يتقاسم لبنان في مراحل لاحقة فتات “المصالح الدولية” المُتبقية على “مائدة التسويات” السياسية مع دول “المُلحَق الإقليمي”

بغض النظر عن مفاعيل التحول الإستراتيجي في قراءآت الدول الكبرى الولايات المتحدة الأميركية، الصين، روسيا” وحسابات الربح والخسارة الإقليمية، يعيش “لبنان” اليوم حالة من “التوازن السياسي بين الرئاستين الأولى والثالثة في إدارة التعطيل الحكومي” على قاعدة “حرب البيانات” ودستورية الصلاحيات فقد أجاز الدستور اللبناني للرئاسة الأولى “حق التوقيع وللرئاسة الثالثة حق التشكيل” ضمن مهل دستورية غير “مُحَدَّدَة” أو “مُلزِمَة” في كِلا الحالتين، وهذا كافٍ لشرعنة سياسات التعطيل وحتى التأجيل في بلد “الإجتهادات القانونية والأعراف السياسية”، ما يجري اليوم “مقدمات لبنانية” بصيغة دستورية لتعطيل سياسي مُستمر، كامل ومُمَنهج أحد أبرز عناوينه المرحلية “تشكيل الحكومة” ما يجري اليوم إنزلاقة كبيرة في مسار التفكك الكامل للدولة والمؤسسات، ورِهان “سياسي خاطئ” على “تسويات رئاسية” غير منتجة تفتقر في الحد الأدنى للواقعية السياسية، في مراحل حَرِجَة تخوض فيها ومن خلالها الدول الإقليمية معركة” ربط نزاع أمني وعسكري” تمهيدا “لتموضعات” سياسية مرتقبة على مسار التسويات المقبلة.

إنطلاقاً من ما تقدَّم بات واضحاً للجميع حجم التعقيد المُتنامي في بُنية “الأزمة الداخلية”، بات واضحاً “البعد اللبناني” في بعض جوانب الأزمة السياسية، التي دخلت نتيجة التسويات المُتَعَثِّرَة “رئاسياً” حتى اللحظة مرحلة جديدة من “التفكير الإلغائي”، القائم بالدرجة الأولى على منطق المواجهة العبثية منطق الإستقواء بفرضية إمتلاك القدرة على “قلب الطاولة” أقله سياسياً في هذه المرحلة “الوجودية” دون أن يرتقي البعض من خلال فرضياته إلى حدود “الإيجابة الضمنية” على تساؤلات مُحَدَدة أبرزها “إستقواء اليوم بِمَنْ وعلى مَنْ” في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان والمنطقة.

مما لا شك فيه أن حسابات الربح والخسارة الإقليمية بما فيها الحسابات اللبنانية خاضعة بشكل أو بآخر لمفاعيل المستجد الدولي مع طهران، سواء على مستوى الإتفاق النووي مع إيران أم على مستوى “الشراكة الإستراتيجية مع الصين” ما يؤكد على ولادة مُستَقبلية لتوازن إقليمي جديد تتوفر فيه أعلى معايير الشرعية الدولية للأطراف المنضوية سياسياً وعسكرياً تحت سقف التفاهم، السؤال اليوم أين “لبنان” من هذا التوازن؟ ما هي كلفة فرملة مسببات الإنهيار؟ لإطلاق سراح التشكيل من خلال ضمان التوقيع.

“لبنان” في “زمن النكبة”، “جَبَلَهُ أجْرَد” شَواهِقَهُ قاحلة يَلفُّها غُمام اليوم بسواد التجربة الماضية، “العاصفة التدميرية” كبيرة نتائجها للأسف كارثية، ومفاعيلها العابرة للتوازنات الداخلية مُربِكة ومصيرية، حمى الله لبنان.

———

* كاتب سياسي