حين يحكم “القبضايات”

 


بقلم : توفيق شومان*
كان رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق ، تقي الدين الصلح ، يردد دائما : ” الحوار السياسي والبناء المشترك من صنع العقل وليس من صنع العضلات “.
وثمة مقولة شهيرة لوزير الخارجية اللبنانية الأسبق سليم تقلا ، يقول فيها : ” ليس المطلوب من السياسيين أن يتحدثوا مثل القبضايات “.
الحملات الإعلامية والسياسية المقززة التي تتبادلها غالبية الطبقة السياسية اللبنانية ، تنطوي على انحطاط غير مسبوق في الخطاب السياسي وأدبياته.
غابت السياسة فحضر عنترة العبسي وأبو زيد الهلالي .
تلك مصيبتنا في لبنان وهي قسمان :
خطاب الرذيلة “المتعنتر ” الذي لايعرف عيبا ولا حياء ، ” والفساد الذي وصل إلى حد السفور والفجور في مؤسسات الدولة.
ولكن … من أين يمكن البدء بمكافحة الخطاب الرذيل والفساد الفاجر؟
من باب الأخلاق أولا ومن باب إخراج السياسة من قلة الأخلاق .
هذه قصة من قصص الحكيم الصيني كونفوشيوس ومأثوراته :
ـ قيل لكونفوشيوس : ” ثمة أناس يغضبون للحق ، فيشتمون من هم ليسوا على حق فقال : ومتى كانت الشتيمة لغة الرجال الصالحين ” ؟.
هي صورة من صور الصين القديمة يظهر فيها لبنان الحديث .
كأن كونفوشيوس في القرن الخامس قبل الميلاد كان يتحدث عن لبنان في القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد.
طبقة سياسية امتهنت خطاب الشتيمة
ما المنتظر منها غير ما قاله الشاعر :
بالملح نداوي ما دب الفسادُ به / فكيف إذا بالملح دب الفسادُ ؟.
عُرف عن الشاعر العراقي أحمد مطر ، مزجه بين دهشة الشعر والدمعة والسخرية ، فشعره مفرط باستدعاء السخرية حتى الإستبكاء ، و” لافتات ” أحمد مطر تتوغل في وصف أصناف الحكام وأنماط حكمهم وقواعد ممارستهم السياسية ويقول في لافتة من ” لافتاته ” :
بالتمادي
يصبح اللص في أوروبا
مديرا للنوادي
وفي أمريكا
زعيما للعصابات وأوكار الفساد
وفي أوطاني
التي من شرعها قطع الأيادي
يصير اللص
زعيما في البلاد.
ما يقوله أحمد مطر، يقوله السياسيون اللبنانيون عن السياسيين اللبنانيين ، وأية مراجعة لأغلب الخطابات والمواقف السياسية ، ستفضي حصيلتها إلى عظائم الإتهامات وأهوال التجريمات ، فمن ذا الذي يفتح أبواب فرج الإصلاح ومن ذاك الذي يغلق أبواب الفساد ؟.
تلك هي المسألة بقضها وقضيضها.
في البيان الوزاري لحكومة رياض الصلح عام 1946، قال رياض الصلح :
” إن مرحلة الكفاح في سبيل إنشاء الدولة انتهت ، وقد بدأ دور الكفاح في سبيل إنشاء الوطن “.
لو كان رياض الصلح حيا ، كان قال وسأل :
نحن بنينا دولة وحاولنا أن نبني وطنا
أنتم ماذا فعلتم ؟
لم تتركوا للدولة أثرا
لم تعرفوا إلى الوطن أثرا .
يبقى سؤال أخير : كيف يبني ” القبضايات ” دولة ؟
” القبضايات ” يتزعمون أحياء وأزقة
وأما الدولة فتحتاح إلى عقول الرجال وليس إلى ” عضلات القبضايات .”
ذاك ما قاله تقي الدين الصلح ، وذاك ما قاله سليم تقلا .
كلمة أخيرة :
قال أحدهم :
كلما سمعتُ أصواتا عالية تتحدث بإسم الشعب ، خفتُ أكثرعلى الشعب .
…………………………………………………….