لبنان.. خشبة النجاة فرنسية ومجاديفها سعودية ايرانية .!

 

 

 

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

في التراجع عن قرار ما نوع من الموضوعية او الواقعية، هو ليس فرض ارغام لكن العناد او التشبث من سمات او خصال الفشل اغلب الاحيان لا سيما في العمل السياسي.. هذا ما يحدث الفرق بين صاحب قرار وآخر سيما في التعامل مع او معالجة القضايا العامة كما الرؤى السياسية والاستراتيجية؛ ومما لا شك فيه ان الواقعية السياسية سواء في الاقدام “ايجابآ” ام التراجع “سلبآ” تعكس حجم التطور والعمق في الوعي السياسي سواء من حيث الاداء التكتي ام في الفكر الاستراتيجي؛ كما تكشف تاليآ حجم التميز في العقلانية قيميآ وبشريآ بناءً على ثلاثة حقائق النكوص بمعنى التراجع، الثبات او التريث، الاقدام بالقدرة ..!

في المنطق السياسي العام، أٰ وفق منهجية ام دونها قد تكون المبادرات نتيجة لأزمة سياسية او انطلاقآ من مصلحة آنية موضوعية او رؤية قومية بعيدة المدى، لكنها تتراوح بين الالتزام بروح التضامن الانساني الحق وبين الاطماع والتبعية كما السيطرة و الاستيلاء على موارد الدول وثرواتها.. اضافة الى توطيد النفوذ الجيو سياسي والاستراتيجي..! لكن الاغلب الاعم فهو غلبة السياسة المجردة عن الانساني لا سيما في ظل النزاعات او الصراعات والمواجهات العسكرية سواء بصورة مباشره او عبر الوكلاء الاقليميين من دول وميليشيات مسلحة؛ بالتوازي مع ادوات اخرى للإخضاع كفرض الحصار او العقوبات الاقتصادية والمالية..

 

في نفس السياق الرؤيوي للوضع السياسي اللبناني والواقع المعاش لا سيما بعد انفجار الرابع من آب، كانت زيارَتَي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، في الاولى فعل ايمان ومحبة وتضامن انساني وفي الثانية قرار لملمة الاشلاء السياسية للبلد المنهار ومحاولة فرض تشكيل حكومة انقاذية اصلاحية مستقلة سواء بالترغيب ام الترهيب، حرصآ على حياة الكيان الوليد المبتكر منذ مئة عام على يد الطبيب الفرنسي بالولادة والعقل السياسي بالرعاية ضمن الحفاظ وصون المصالح الاستراتيجية..
لا خيال في السياسة ولا اضغاث احلام.. بدت الخطوة السياسية لسيد الاليزيه مدروسة من قبل فرنسيي معاصري الاوضاع اللبنانية و معاشري سياسييها ردحآ؛ فاستقر الرأي على “الاقدام والاصرار” من قبل الخلية المعنية في صلبها السفير الفرنسي السابق في لبنان مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية DGSE حاليآ برنارد ايميه ووزير الخارجية جان إيف لودريان. بالمقابل كان افرقاء الساسة اللبنانيين المتحالفين والمتخاصمين، السياديين والممانعين يحاولون سبر آفاق القدرة الفرنسية على فعل الفرض، وسرعان ما اتى قرار العقوبات الاميركية بحق الوزير جبران باسيل بعد كل من الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس ليؤكد صورية الغطاء الاميركي للمبادرة الفرنسية لا بل فرملتها؛ ورغم قناعة متوفرة لموضوعية قرار القيادة الفرنسية بالتحاور مع حزب الله فإن هذا الامر لم يشفع كما لم يدفع للسير في المبادرة الفرنسية؛ مما سمح لزعماء القبائل والاحزاب والعشائر عربآ واهاجم على تناقض المصالح وتنوع الولاءات وبالتزاوج الحرام مع بعض الطغمة المالية بالالتفاف حولها والمناورة بها بخبث اسقاط بنودها على مدى 11 شهرآ، نجحوا خلالها في دفع البلد الى المربع الاول.. وتعود “حليمة لعادتها القديمة”..!
بالمقابل كان الصبر سمة الاليزيه وميزة الماتينيون مع واقعية مرنة لتنفيذ خطوات التراجع التكتي الموضوعي والقبول بتواضع ما تحقق “حكومة العزم والامل” وذلك بعد مقاربة ناجحة للتواصل الاميركي – الايراني الغير مباشر حول البرنامج النووي المبطن بنسيج الامن الاقليمي وبالتقاطع مع لحظة بدء حياكة تسوية اقليمية ذات اطراف متعددة الحواف ..!

من جهة اخرى؛ خلافآ لكثير من الدول لطالما دأبت السياسة الفرنسية على محاولة تلافي الانفصال في ادائها عن القيم الانسانية بمقدار، وذلك على خلفية تاريخية لمنطلقات الثورة الفرنسية “الحرية والعدالة والمساواة”..! سياسة ترتكز على ثوابت الضمير والعلائق الإنسانية في منطق التطور الإيجابي والتزام القيم السامية المتوازية مع موضوعية ايجابية في التوازن والموازنة بين المصالح القومية الاستراتيجية والثوابت الانسانية القيمية ..!
مما تقدم بدا العقل السياسي للرئيس ماكرون في مرونة تعاطيه مع الازمة اللبنانية غير عابىء لا بل متجاوز شخصانية تراكمية الرصيد الانتخابي مرجحآ مصلحة فرنسا ولبنان في آن.. واذا كان موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية مؤكد وهو على بعد “رمية حجر” كما يقال، فإن توقيت اجراء نظيرتها اللبنانية قد تصبح خارج البعد الزمني على فوهة ثقب اسود في فضاء العدم وسط اجرام اقليمية خالية من عناصر الحياة..!

من جهة اخرى؛ تأتي زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الى باريس للقاء الرئيس ماكرون انطلاقآ من ضرورات شرعية موجبة اولها لطف وفاء وشكر في مسعى تاليف الحكومة، كذلك اطلاعه على خطة التعافي مع طلب التسريع في تأمين المتطلبات المالية الانقاذية وحض المجتمع الدولي والاوروبي تحديدآ على مد يد العون، كذلك طلب الوساطة لفتح ابواب الخليج العربي والمملكة تحديدآ، اضافة الى تبني سلوك دولي داعم ومثبت لمسلك وموعد الانتخابات النيابية..

خِتامَآ؛ الطلبات فيها من الآمال الكثير ومن المرتجى ما هو غير مستحيل، في تحقيق المتوفر الاساسي الخروج من الهوة عبر تسلق عثير مثير خالٍ من حبال امان تلافي المنزلقات.. لم يعد لدى غالبية الشعب اللبناني 80% قدرة الصمود ولا لاساسات الوطن صلابة مواجهة عاتيات الاقليم الاعصارية القُمع..! تاليآ فإن القطران الاميركي سيسمح لخشبة الانقاذ الفرنسية بالتماسك مما يفرض التمسك بها لتلافي الغرق المحتم، كما من حسن الصدف ان يكون احد طرفيها مغمس بالزعفران الايراني والاخر ذو طعمة الرطب السعودي الناضج اللين عل وعسى يلوح شاطيء النجاة ان بقي حَيٌ يُرزَق ..!

بيروت في 24.09.2021