لا توهموننا بمحاسبة الصغار للتغطية على الفاسدين الكبار

بروفسور إيلي الزير *

لن نصدِّقكم ولن نؤمن بحربكم المزعومة على الفساد، الا عندما نلمس واقعاً بأن الحرب على الفساد قد باشرتم بها فعلاً، وذلك لن يتحقق عملياً الا من خلال الزج برؤوس الفاسدين الكبار .

والفاسدون الكبار يا سادة، ليسوا أولئك الموظفين الذين توهموننا بأنهم عناوين الفساد لتضييع عنوانه الحقيقي والصريح ، حتى وإن كان اولئك الموظفين من “صغار الكسبة” مرتشون حقاً في كل الدوائر والمصالح والوزارات على رؤوس الأشهاد، حيث باتت الرشوة للأسف جزءاً لصيقاً بروتينيات الادارة اللبنانية، ومرادفاً ليومياتنا في كل الدوائر والوزارات، وهذا أمر غير خاف على أحد، لا من الصغار ولا من الكبار، ولا سيما على أولئك السياسيين الذين يتذاكون علينا اليوم ويحاولون إيهامنا بأنهم جردوا حملة على الفساد من خلال محاسبة الجزء الاصغر من هذه الفئة من الموظفين الذين يرتشون بمبالغ “بسيطة” لتسهيل بعض المعاملات و”تيسيرها” على الطريقة اللبنانية التي باتت معلومة. 

مع ذلك فإن إظهار هؤلاء الموظفين الفاسدين ممن يُشتَرَونَ بأبخس الاثمان والدفع بهم الى واجهة الضفة الاخرى في الحرب على الفساد وتصويرهم بأنهم الفاسدين دون سواهم، بهدف التعمية على كبار الفاسدين وتهريبهم من الواجهة، وهم أولئك الذين ابتلعوا مع أموالنا كل آمالنا، ومستقبل اولادنا وإيماننا بقيامة الوطن، مع عشرات مليارات الدولارات، فإن هذا لن ينطلي على أحد من اللبنانيين، ولا حتى من المراقبين من الخارج، لأن الكل يعلم بأن كبار اللصوص هم من كبار القوم، هم من أكلوا أموال خزينتنا بعد ان إئتمنناهم عليها وحتى على دمائنا وعلى أعمارنا وأعمار اولادنا وامانيهم.

الكل يعلم صراحة بأن هؤلاء الذين يرسمون لبعضهم “الخطوط الحمر” على طريقة ال”pass” هم الذين يجب أن يؤتى بهم فوراً الى قاعات المحاكم، والقاعدة التي يجب ان تسري على جميع اللبنانيين رؤساء ومرؤوسين هي ان كل من يضع خطاً أحمر على أي استدعاء قضائي لأي كان ، يجب ان يتحول فوراً الى متهم ونصف مدان سلفاً، وتصبح الأولوية لإحضاره فوراً ومثوله امام القاضي ليجيب بصريح العبارة عن الاسباب الخفية لإعطائه الحصانة لمتهم… هذا ما بات واجباً فعلاً ويجب احضار كل شخص يمنح حصانة ويرفض مثول شخص اخر امام القضاء كائناً من كان زعيماً سياسياً او روحياً او زمنياً او غيره.

عند ذلك، وبعد محاكمة الزعيم الذي وضع خطاً احمر على مرؤوسه بتهمة الشراكة الواضحة والمعلنة فيما اسند اليه من تهم بالفساد، نكون خطونا الخطوات الاولى التي تجعلنا نصدِّق انكم تخوضون حرباً على الفساد، وتلتزمون قواعدها الفعلية، ولا تخوضون حرباً وهمية لإيهامنا واقتراف المزيد.


*أختصاصي في السمعيات