“كريست تشرش” والاسلاموفوبيا – نيوزيلندا…

بقلم: العميد منذر ألأيوبي*

 

أن يكون اسم ألمدينة بألعربية “كنيسة ألمسيح”-عليه ألسلام- حيث وقع ألهجوم ألارهابي على ألمُصَلين ألمُسلمين في مَسجدي شارعي “دينز” Deinz و “لينوود” Linwood تساؤلٌ يَرِدُ في ألبالِ و ألخاطر ..؟؟ يُثير ألغرابة ربما ، أهوَ مَحضُ صُدفةٍ ، أم خطة جهنمية .؟؟ ألأمر يَستحق و يَدفَعُنا نَحو تَفسيرين تَحليليَن مِحوَريَين :

•ألتفسير ألأول مُرتبط بإدراكٍ مُنحَرِفٍ لدى ألجَاني و إعتقادٍ ثابت لديه بتوافر حيثياتٍ تتعلق بألزمان

و ألمكان تناسب أو تتلائم مع فكرة تنفيذ جريمته على ألنحو ألأمثل وفق ما خَطَطَ له بما يرتضيه أو يُرضيه ،، مثلآ : “سهولة ألوصول إلى ألمَسجدَين، ألمدة ألزمنية لوصول ألشرطة، عدد ألمُصلين ألمتوفر للقتل، إمكانية ألفرار …” إلخ.

•ألتفسير ألثاني “يعتَقِد بِه كُثُر” يَنحو بإتجاهٍ روحانيٍ على رؤيويةٍ إيمانيةٍ في مضمونها أن هذا ألشيطان ألساكِن في لاوعي ألقاتل “برينتون تارنت” Brinton Tarent قد إختار أن تكون هذه ألمدينة ChristChurch مسرح ألمذبحة لرمزية إسمها ذو ألصفة ألدينية ألمقدسة ، أمعانآ في زَرع أحقاد طائفية عبر فعلٍ جُرميٍ هوليودي مُرَوع بعدد ألقتلى (50) و ألجرحى (48) يَنتج عته رد فعلٍ إرهابي مُماثل يَجُرُ سلسلة من ألدموع و ألدماء لا تنتهي إلى أبَد ألآبدين ..

 

و ربما نجد تفسيرات أخرى ُتكتشف لاحقآ في سياق ألتحقيقات و من إعترافات ألجاني و شركاءه ذات علاقة بألسلوك ألجرمي و علم ألنفس ألجنائي Criminal psychology ، إلا أنها لا شك بعيدة عن نظريات فلاسفة ألإغريق كَ “أرسطو و أفلاطون و غيرهم”، ألذين أعتبروا المجرمين مخلوقات ذوي نفوس فاسدة أساسها عيوب خلقية وجسدية .!. لن نغوص أكثر في علم ألنفس ألجنائي و ألقانوني

إذ ليس مجاله ألآن ، لكن بألإمكان ألإشارة إلى كتابين هامين لمن يرغب ألتعمق :

ألأول “ألجريمة و ألشَخصية” لِ Hans Eysenck و ألثاني لِ Hans Toch “علم النفس الجنائي والقانوني” ..

نعود إلى ألهجوم ألإرهابي ،، ماذا حدث في نيوزيلندا .؟؟

على مساحة جغرافيّة تقدر بِ 270,534 كم² ، يقطن 9 مليون نسمةً تعود أصول أغلبهم إلى مُهاجرين ينتمون إلى أثنياتٍ و طوائفَ من بلدان شتى “1.4% منهم مُسلِمون” .. مجموعة جزر لا حدود برية لها حتمآ تقع في الجهة الجنوبية ألغربيّة من المحيط الهادئ جنوبي شرقي “أوستراليا”،، تضربها بإستمرار ألأعاصير و ألرياح ألجنوبية ألشديدة و ألمدمرة ، إلا أنها في هذه ألمرة أصابها إعصار من نوع آخر ، إجتاز حدود دولٍ و قاراتٍ و عبر ألمحيط ألهاديء ليُزَلزِل كيان مجتمع مسالم و دولة متحضرة آمنة ، إعصارُ إرهابٍ لا حدود له و لا طائفة أو جنسية ،، فقط إرهابٌ عنصري أيدولوجي حينآ و ديني طائفي متطرف معظم ألأحيان مَبنيٌ على شراهة في ألقتل و وحشية غرائزية بهيمية بعيدة عن ألمفاهيم ألإنسانية …

 

من جهة أخرى ، ما عوض فداحة ألجريمة إلى حدٍ ما و إمتص غضبآ و حقدآ قد ينمو دفينآ حافزآ لعنف و قتل لاحقٍ متبادل في دوامة تطرف أعمى قد يستوطن هذا ألبَلَد ألجميل New Zealand كان ألسلوك ألحضاري للدولة في أداءها و تفاعلها مع ألحدث راقيآ و مثالآ يُحتَذى ، كما أتى ألحزن تضامنيآ مشتركآ في ألمجتمع ألنيوزيلندي بصورة عامة و أبناء ألطائفتين ألمسيحية و ألمحمدية بصورة خاصة …

 

لا أجد لزومآ في ألتطرق إلى وصف تفاصيل ألجريمة كألأسلحة و نوعيتها و ما دُوِنَ عليها ، ألقنابل ألتي زُرِعَت ، ألسيارة ألمستخدمة ، ألبَث الفيديوي ألحَي ، ألموسيقى ألمتلازمة …إلخ .. إذ تداولتها وسائل ألإعلام و التواصل ألإجتماعي بإسهاب .. لكن جملة مؤشرات تطرح علامات إستفهام لا بد من ألإشارة إليها ،، عادةً ما يلجأ ألإرهابي إلى قتل نفسه بعد إنتهاء عمليته أو ألإشتباك مع قوات ألأمن حتى الرمق ألأخير لكن “برينتون” 28 عامآ إكتفى بتسليم نفسه للشرطة دون تردد ،، فهل هنالك من مُحَرِض قَدَم له ضمانات ألحكم ألمخفف ..؟ أو تأمين ألفرار لاحقآ ..؟؟ أفراد أسرته نفوا عنه أية ميول إيديولوجية أو دينية متطرفة و وَصَفوه بألولد أللطيف ألطيب و ألهاديء ، فهل هنالك مَن طَوَعَهُ تَرغيبآ أو تَرهيبَآ ؟؟… أظهَرَت حركة سفره زيارته تركيا مرتين و إسرائيل مرة واحدة حيث مكث فيها تسعة ايام خلال عام 2016 كما زار بلغاريا عام 2017 ،، فهل هذه ألزيارات مُرتبطة بِجريمته ؟؟…

 

و من ضمن أللَغط ألحاصِل حول ألعمل ألإرهابي و خلفياته ،، بدأت خيوط نظرية ألمؤامرة تُنسَج  و تتداول كمعلومات لم تتأكد في ملخصها : أن مُنفذ الهجوم يبلغ من ألعُمر 42 عامآ ، ذو اصول يهودية نزحت عائلته من فلسطين عقب حرب عام 1948 إلى بريطانيا ثم الى نيوزلندا و منها إلى “أوستراليا” حيث مقر إقامتهم ألحاليَة كما تردد “برينتون” إلى إسرائيل خلال ألعامين ألماضيين و هو عضو في محفل “كانبيرا” ألماسوني إضافة إلى أن تَصنيفَهُ في قوائم ألشرطة ألأوسترالية: (يميني مُتطرف – عنيف) كما تَرَدد أن ألأسلحة و ألذخيرة ألمستعملة في ألجريمة إسرائيلية ألصُنع…

في سياقٍ مُتَصِل تمكنت ألشرطة ألنيوزيلندية من توقيف أربعة أشخاص بعد ألجريمة بساعات يعتنقون آراء دينية و عنصرية متطرفة لا سيما بحق ألمهاجرين ،، و قد تبين أن أسماءهم غير مُدرَجة على قوائم المراقبة”، و أعلن مفوض الشرطة في نيوزيلندا Michael Bush أنه تقرر رفع درجة ألتهديد ألأمني لأعلى مستوى .. كما أدانَت رئيسة وزراء نيوزيلندا Jacinda Ardern الهجوم على المسجدين معتبرة أنه عمل إرهابي تم الإعداد له مُسبقاً داعيةً إلى أخذ الحذر عند الذهاب إلى ألمساجد ، قائلةً: هذا يوم أسود تعيشه نيوزيلندا الكثير من الأشخاص المتضررين مما حصل اليوم سيكونون من اللاجئين و المهاجرين ،، إن نيوزيلندا هي موطنهم».. مؤكدةً أن هذ ألجريمة ألإرهابية فعلٌ غير مبرر وغير مسبوق..”.  

بألتوازي ،، كان ألخبر ألفاجعة مؤلمآ للجميع ،، مُستَنْكرآ و مُدانَآ مِن معظم زعماء ألعَالَم و على رأسهم قداسة ألحبر ألأعظم ،، كما إزدحمت وسائل ألتَواصُل ألإجتماعي بألتعليقات ألتضامنية و عبارات ألعزاء و صور ألضحايا ..

 

إستطرادآ ما زال ألإسلاموفوبيا Islamophobia “ألخوف ألمَرَضي من ألإسلام” مَصفوفة أيديولوجية مُختَلقَة و “شَماعة” تُعلق عليها كل موبقات ألفكر ألأرهابي و ألإسلامي ألمتطرف و ألمصطنع ألمتوائم مع فلسفة أو نظرية صدام ألحضارات Clash Of Civilizations ألتي نادى بها Samuel P. Huntington مما يدفع بألتطرف و ألكراهية إلى مرتبة غير مسبوقة باتت تهدد ألحضارة ألإنسانية و ألأمن ألإجتماعي للشعوب ألمستهدفة و بألتالي ألدول و ألكيانات ، و ما ألجريمة ألإرهابية ألمروعة في مدينة “كريست تشرش” سوى نموذج متكرر عن ألنتائج ..

 

خِتامآ ،، و دون رَمي ألإتهامات جِزافآ على ألغزبِ و سلوكياته ألخاطئة بِحق أللاجئين و ألمسلمين تَحديدآ ، لا بد من تصحيح ألصورة ألنَمَطية ألمأخوذة عن ألإسلام و ما أرتُكِب بإسمه زورآ من مجازر وَفَرت للصهيونية أدوات و مضبطة ألإتهام لِإظهارِهِ دين إثمٍ و عدوان لا دينَ مَحبة و رَحمة ، و ذلك عبر حِوار مُستدام بين ألثقافات و ألأديان يُعاين مسألة تنامي الخوف من الإسلام ، مع مراجعة نقدية شاملة بغية تحديد ألمسؤوليات و طرق ألعلاج أللازمة قبل أن “يَسبُق ألسَيف ألعَذَل” ،، و عليه سُطِر ..

 

*عميد، كاتِب و باحِث.