كاليجولا…!

بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*

انفجر الامبراطور الروماني “كاليغولا” Caligula يومآ ضاحكاً في مجلسه امام وزراءه و مجلس الشيوخ لم يفهم أحَد من حوله سبباً لنوبة الضحك فلما استفهمه شيخان قريبان من مجلسه واجفين أجابهما : “أضحك لفكرة أنني بإيماءة واحدة أستطيع أن أرى رأسيكما يتدحرجان أمامي”..!
هو أشهر طاغية في التاريخ الانساني منذ توليه الحكم عام 37 م نموذجآ للشر و جنون العظمة و القسوة الى درجة ارتكابه ما لا يتصوره اهل روما بحقهم ، كان يعتبر عن قناعة و اعتزاز ان القاعدة الذهبية لسياسته : “حمل البؤس الى الرعية و دمارها”؛ فرض السرقة العلنية في روما لكنها اقتصرت عليه فقط و بعض اشرافها الاثرياء المقربين في حين فرض على المعارضين منهم حرمان ورثتهم من الميراث و كتابة وصيتهم بأن تؤول أملاكهم الى خزانة روما بعد وفاتهم وبالطبع خزائنه اذ انه كان يعتبر نفسه روما ؛ كما كان يأمر بقتل بعض الاثرياء عند الاقتضاء وفق ترتيبهم عَلى لائحته كي ينقل سريعا إرثهم دون الحاجة لانتظار الأمر الالهي مبررآ ذلك بعبارة شهيرة جدآ ؛ أما أنا فأسرق بصراحة”..!
عام 1920 عَلى الشاطيء الشرقي للمتوسط المقابل للسواحل الايطالية تأسس وطن تناوب عليه حكام ورؤساء منهم الاشراف و منهم مِن اصناف الاسفاف بعضهم تهور و آخرين خانوا او غدروا لكن الاغلبية مِما نهبوا أثروا عَلى لا شبع او حياء؛ أما ألشريحة ألأوليغارشية و طغمة الطبقة السياسية المنتفعة ضيوف البلاط الدائمين الذين يوصفوا نفاقآ “مِن اهل البيت” فمارست ابشع انواع العهر السياسي في سبيل احتفاظها بإمتيازاتها و مصالحها الاقتصادية ؛ و بمرور المائة عام الاولى تفشت حالات التردي الاخلاقي تلاعب بمشاعر الناس و احوالهم و معيشتهم هؤلاء الذين لَم يصدقوا أن براثن “أولي الامر منهم” ممن اختاروهم إنتخابآ او استتباعآ معتادآ عَلى مر عُقود ناهيك بياقات متسخة لهامات إقتصاد المال والاعمال ستفترس اموالهم و مدخراتهم عَلى النسق “ألكاليغولي” في نهب منظم مقونن فلم يتركوا لهم سِوى ألألم و سقط المتاع ..!
في البحث عن الحقيقة ..؟ لَم يكتفوا .! تباهوا باعطاء دروس في ادارة المرافيء و علوم الكيمياء عبر معادلة تزاوج “الامونيوم” مع فكرة القتل الرحيم Merciful Murder ؛ تاهوا في مشهدية الوان فطر الانفجار المريع أبيضآ رماديآ ثم أحمرآ فصبغت المدينة بألنجيع ألقاني معطرآ عقيقيآ طاهرآ ؛ ثُم بَدأت ألتنظيرات المغالطات في إرتباك براغماتي Pragmatique ميتافيزيقي مفاهمي درجوا عليه بحثآ دؤوبآ عن خلاص عروشهم تلك المستبطنة حشواتها “لا نهائية الوجود” لكن ألجريمة الجلل أسقطت كل تبرير أو إدعاء إنكمشت عقولهم القاصرة عن توبة سلوكية مع تسليم بالعقوبة الدنيوية أما ألإلهية منها فهم عتها ساهون ، إذ لا مصالحة مضادة عن الخطيئة في معاييرهم باتَت غرائزهم البيولوجية تحفز بدهاء جيني Genetic بَيني متضاد مع الواقع الدموي مترابط مع المعتقد المبرر (فلسفة النكران) نكران الكارثة و نكران المعروف أما نكران الذات في سبيل اهل البلد فغير مدرج في قواميسهم ..!
إستطرادآ ختاميآ بعد إختناق الكلمات بين اليد و الصفحة و شلل القلم ..! أتقن المفكر الفرنسي “ألبير كامو” Albert Camus في نصوص مسرحيته التي تحمل اسم الطاغية Caligula توصيف “تراجيديا” فترة حكمه و “عصيانه الشيطاني ضد القدر” ممسكآ بتلابيب الوصف و العصر كما لَم يخطر بباله ان روما قد تقمصت مأساتها بيروت بعد قرون ..! جنون السلطة و اخلاق العبيد ، استبداد مقنع بديمقراطية توافقية ملتزمة طوائفية نرجسية مقتنصة ألآلام و ألآمال و ألأموال و الحقوق الانسانية لأهل البلد في لحظة دراماتيكية دفنت المئات تحت الركام ادمت جروح ألآلاف و أدمعت عيون سكان الكوكب ؛ لا مضاهاة ممكنة سِوى لمِن أحرق روما “نيرون”..!

بعد كل ما حصل ؛ عادوا الى وجبتهم الصباحية لتقاسم جبنة الحكومة و في عبارة تكشف حجم الانحطاط والعفن الذي اصاب الاخلاق السياسية لتلك النخبة التي لَطالَما كانت تميز في التشريع والحكم بين ما يخصها و ما يخص الشعب قال قائل من النبلاء دون خجل او وجل “ألإمبراطورية الرومانية هي نحن .. فإذا فقدنا ماء وجوهنا تفقد الامبراطورية رأسها ، وألآن دعونا نتوجه لتناول طعام ألإفطار .. فهذا سيكون لصالح الامبراطورية” ..!

———————
بيروت المنكوبة في 15.08.2020