قمة جنيف …اللقاء الاول بين مُتَهَمَين!

 

بِقَلَم العميد مُنذِر ألأيوبي*

جو بايدن: (بوتين قاتل، وسيدفع ثمن اعماله).. فلاديمير بوتين: (القاتل هو من يصف ألآخر بذلك). عبارتان كفلتا الدخول في ازمة ديبلوماسية بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا؛ وذلك على خلفية اتهام


عبارات سيد البيت الابيض اتت بعد بضعة اشهر على تسلمه سلطاته الدستورية، وذلك خلال مقابلة متلفزة على قناة ABC News. لم يتأخر رد الكرملين ولم يخفِ غضبه، اذ استدعت موسكو على الفور السفير الروسي في واشنطن “اناتولي انطونوف” -للتشاور وفق اللغة الديبلوماسية- فيما بدت العلاقات بين العاصمتين قيد تدهور بدأ بالتدحرج منذ كانون الثاني الماضي عندما كشف عن مكالمة هاتفية بين الرئيسين لم تخلو من لهجة حادة، حذر خلالها بايدن الرئيس بوتين من رد محتمل في حال ثبوت تدخل موسكو في الانتخابات التي اوصلت الاول الى المكتب البيضاوي. في هذه الاثناء كان William Burns رئيس وكالة المخابرات الاميركية C.I.A يسلم تقريره عن تدخل موسكو في انتخابات 2020 الرئاسية لُخص بالعبارة التالية: “أشرف الرئيس بوتين على جهود كاسحة بهدف التأثير سلبآ على الحملة الانتخابية ل بايدن وتشويهها”.

من جهة اخرى، كان الخلاف الصامت بين الخصمين عميقآ إذ ان كلاهما يحملان صفة العناد، ومما زاد من تفاقم العلاقات المضطربة اصلآ صدور لائحة بالعقوبات المفروضة على روسيا. لكن بداية تصحيح المسار المتوتر والمتأزم قد يكون يوم 16 حزيران القادم، بعد ان اعلنت مصادر البيت الابيض وكذلك الكرملين عن لقاء اول مرتقب بين الرئيسين في مدينة جنيف السويسرية، وذلك على هامش اجتماعات رؤساء مجموعة الدول الصناعية السبع “اميركا، كندا، المانيا، بريطانيا، فرنسا، ايطاليا، اليابان” وحلف شمال الاطلسي.

تاليآ؛ ما هي الأولويات لدى عاصمتي القطبين.؟ وهل هذه الاولويات متطابقة سواء من حيث الشكل ام لجهة النتائج المرتقبة لكل ملف على حدة.؟ في عقل الرئيس Biden الهدف الاساسي والضمني الدائم والثابت هو استعادة موقع دولته العظمى قطبآ اوحد لا شريك معها، لكن بروز روسيا قطبآ ثانيآ وشريكآ في حكم او ادارة الكوكب بات امرآ مفروغآ منه الى حد ما؛ فالقضايا والازمات لا تعد ولا تحصى، وكليهما معنيين بها ان لم نقل منغمسين فيها مباشرة او بصورة غير مباشرة؛ اذ ان الاهداف والرؤى الاستراتيجية فوق كل اعتبار، وتحقيق او اقله ضبط التغيرات الجيوسياسية في مناطق النفوذ المعتلمة ، وفقآ لمصالحهما ضمن الهوامش المتاحة والخطوط المرسومة يحتل الاولوية.

إستطرادآ؛ لطالما كانت العلاقات الثنائية بين واشنطن وموسكو أيآ كان رئيس الولايات المتحدة الاميركية (ضمنآ الحالي الجديد Joe Biden) تتأرجح بين التوتر والهدوء الحذر، فهما في حالة دائمة Staticum من “صمت ما قبل العاصفة”، عدوين على خلفية تاريخية وايديولوجية ثابتة تكاد تلامس صواريخهما النووية العابرة والجوالة رغم استحالة فتح صوامعها بعضها بعضآ. وكذا خصمين لدودين حينآ آخر متربصين متنافسين على الهيمنة السياسية والعسكرية كما السيطرة على موارد الكوكب، وذلك وفق الظروف والامكانات والتحالفات وحجم ونوعية الازمات الى كثير من اسباب أُخَر ..!
لكن الرئيس الاميركي السابق Donald Trump في فرادته او تميزه عن غيره من سبق وربما ألآتي وبما يتمتع به من علامات الثقة الزائدة بالنفس القائمة على الشعور الذاتي بالقوة الفائقة والاستخفاف بالآخر تقارب الغرور، منح العلاقات الثنائية مع رؤساء الدول اعداءً كانوا ام حلفاء بُعدآ جديدآ، أخذ حيزآ كبيرآ وكاد يكون العامل الاساس، تمثل بفرض رؤيته الشخصية وذلك في هدر جهود او تجاهل لدراسات دوائر التخطيط والتحليل وتقارير وكالة الاستخبارات الاميركية C.I.A ووزارة الدفاع Pentagon، متخذآ قرارات منفردة ملزمة على المستويين الاستراتيجي والتكتي أٰ إيجابية كانت ام سلبية. وهذا ما انطبق على علاقته مع Moscow الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وPyongyang الكوري الشمالي Kim Jong Un على سبيل المثال لا الحصر..!

استنتاجآ على خلفية التحليل المتراكم؛ في محاولة تنسيق الرؤى المزدوجة ستهدف المحادثات بوجه عام الى تحقيق نوع من الاستقرار في العلاقات بين الجانبين، كما سيشمل جدول الاعمال مروحة من القضايا الملحة:
-التعاون في مكافحة جائحة ال COVID-19 مع تعميم اللقاحات على الدول ودعم المختبرات المختصة لتطويرها الى مستوى العلاجات الدائمة..
-الاستقرار النووي عبر التزام معاهدة NEW START إثر تمديدها في شهر فبراير الماضي لمدة 5 سنوات أخرى والمتعلقة بالحد من الاسلحة الهجومية الاستراتيجية، وكذلك منظومة الصواريخ الروسية النووية المتوسطة والقصيرة المدى التي تضع اوروبا او دول حلف شمال الاطلسي تحت مظلتها مع السعي وتنسيق الموقف وفق رغبة واشنطن بانضمام الصين اليها.
-إثارة الرئيس الاميركي لقضية حقوق الانسان في دولة Belarus ونظام حكمها والاداء الاستبدادي لرئيسها Alexander Lukashenko المدعوم من روسيا بما لا يثير غضبها او يخلق ازمة جديدة معها.
-عودة واشنطن الى اتفاقية 5+1 المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني مع فرض مراقبة وقيود جديدة مقابل رفع العقوبات الاميركية عن طهران.
-الملف النووي المزمن مع كوريا الشمالية والحد من تجاربها الصاروخية الباليستية.
-النزاع حول القطب الشمالي حيث تجوب الغواصات النووية الروسية اعماق المحيط المتجمد الشمالي، اضافة الى الخطر البيئي الناتج عن آلاف الاطنان من النفايات النووية في بحر Kara المتفرع من المحيط، والثروة التي يختزنها كميات هائلة من البترول والغاز الطبيعي.
-ملف الاقليم الشرق اوسطي “الحرب السورية بتشعباتها وتقاطعاتها مع ازمات الاقليم؛ الحرب في اليمن؛ حماية الامن الاستراتيجي لاسرائيل وحل الدولتين ومسار التطبيع اللامجدي؛ امن الخليج العربي والممرات البحرية؛ القواعد الاميركية في العراق والنفوذ الايراني.
-الحرب السيبرانية والهجمات الالكترونية Cyber War حيث تُتَهَم موسكو بشنها على البنية التحتية الاميركية والخوادم Server التي تدعم نظم المعلومات، وكذلك ايواء قراصنة الانترنت Hacker الروس الذين يخترقون شبكات المؤسسات الحيوية ويطالبون بفدية مالية، ك استهداف شركة انابيب الغاز Colonial المورد الرئيسي للوقود في ولايات الساحل الشرقي مما ادى الى اقفال خط الانابيب لعدة ايام، وآخرها يوم الاحد الماضي اذ استهدفت الشركة الاكبر لانتاج اللحوم في العالم JBS لهجوم سيبراني ادى لوقف عمليات الانتاج والتعبئة والتصدير .
-قبول روسيا وعلى خلفية العقوبات الاميركية المفروضة على شخصيات وكيانات ان تدفع الدول الاوروبية ثمن الغاز الروسي باليورو بدلا من العملة الاميركية، مما سيشكل ضربة لادارة الرئيس بايدن ويفاقم حجم التوترات.

ختامآ؛، لقاء الرئيس بايدن مع القاتل الرئيس بوتين سيكون على نسق التسوية القضائية المعمول بها في نظام العدالة الاميركي؛ وفي حين تعتبر مصادر اميركية انه لايجوز ان يكون اللقاء مع فلاديمير بوتين بمثابة مكافأة له؛ يحرص الرئيس بايدن على الخروج من المباراة بالتعادل الايجابي بمعنى التمخض عن نتائج تؤدي الى انفراجات في العلاقات الثنائية وحلول لبعض الازمات الاقليمية. بالمقابل فإن الرئيس الروسي يعتبر ان الخلاف والتوتر مع الولايات المتحدة ينبع من نظرية احتواء التطور الاقتصادي والتكنولوجي والتسليحي في روسيا، ومن الملح السعي لايجاد سبيل لتنظيم هذه العلاقات التي هي اليوم في أدنى مستوياتها..

———–

بيروت في 08.06.2021