قصة ظهور الكعب العالي وتطور انتقاله من الرجال الى النساء

الدنيا نيوز- دانيا يوسف

يرتبط في أذهاننا أن ارتداء الأحذية ذات الكعب العالي خاص فقط بالنساء، لكن في حقيقة الأمر بدأ ذلك منذ بداية القرن السابع عشر فقط. أما قبل ذلك، وعلى مدى سبعة قرون سابقة، كان ارتداء الأحذية ذات الكعب العالي مقصورا على الرجال حصرا!
فكيف كانت البداية؟ ومتى بدأ ظهور الأحذية ذات الكعب العالي في أوروبا؟ وكيف انتشرت في جميع أرجائها؟ ثم كيف حدث أن انتقل ارتداء تلك الأحذية العالية إلى النساء؟ هذا ما نتناوله في السطور التالية، التي نتتبع فيها تاريخ ظهور الكعب العالي ومراحل تطوره.
البداية في بلاد فارس
قد يبدو من المفاجئ أن تعرف أن الكعب العالي قد جرى تصميمه في الأصل ليرتديه الرجال، قبل فترة طويلة من ارتدائه من النساء. يرجع تاريخ ظهور الكعب العالي إلى القرن التاسع الميلادي في بلاد فارس، حيث كان يرتدي المحاربون الذين يمتطون الخيول أحذية ذات كعب عالٍ من أجل الحفاظ على ثبات أقدامهم في مكانها في سرج الأحصنة. ويعرض متحف “باتا” للأحذية في مدينة تورونتو الكندية بعضا من أحذية ركوب الخيل، ذات الكعب العالي الخاصة بالفرسان الفارسيين آنذاك.
أما عن الكيفية التي انتقلت بها فكرة الأحذية الفارسية إلى أوروبا، فقد كانت على يد مجموعة من الدبلوماسيين الفارسيين الذين يركبون الخيل. حدث ذلك في عام 1599، عندما وصل وفد دبلوماسي فارسي إلى فرنسا بحثا عن حلفاء في حربهم ضد الإمبراطورية العثمانية.
بدأ الوفد رحلته في موسكو، وانتهى بهم المطاف في لشبونة، وأينما ذهب كانت أعين الأوروبيين على أرجلهم، وأخذوا يلاحظون على وجه التحديد كعوبهم المرتفعة، التي كانت ابتكارا تقنيا في ذلك الوقت، حافظ على سلامة أرجل الفرسان، وأبقى على ثباتها في السرج.
الأحذية ذات الكعوب الحمراء.. رمز الأرستقراطية ودائرة الملك المقربة
بعد أن رأى الأوروبيون الفرسان الفارسيين يرتدون الكعب العالي، أخذت الفكرة تنتشر في أرجاء أوروبا. وصار الكعب العالي يتمتع بشعبية كبيرة بين الرجال خاصةً من الطبقة العليا؛ إذ كان يُنظر له باعتباره رمز الذكورة خاصة أنه يجعل الرجال يبدون أطول مما كانوا عليه خلال تلك الأيام.
وخلال فترة حكم لويس الرابع عشر الذي حكم فرنسا بين الفترة من عام 1643 إلى 1715، كان هناك افتتان لدى الأوروبيين بكل ما هو فارسي، وقد كان طول الملك لويس الرابع عشر الذي يُعد أطول حاكم ملكي في أوروبا حينها، أقصر من متوسط طول الرجال في فرنسا في ذلك الوقت؛ إذ كان يبلغ طوله 162 سم في حين كان يبلغ متوسط طول الرجال الفرنسيين حينها 165 سم.
لذلك عمد لويس إلى جعل نفسه يبدو أطول فأضاف كعبا يبلغ طوله 10 سم إلى أحذيته، التي كانت تُزين في كثير من الأحيان بمشاهد مُفصلة من ساحات القتال تُنقش عليها. ومع مرور الوقت، ازداد شعوره بالحاجة إلى التمييز أكثر فأصبح يُضاف إلى جميع أحذيته كعوب حمراء، وقرر أن الطبقات العليا في المجتمع وحدها التي يمكنها ارتداء كعوب حمراء مماثلة لتلك الخاصة بالملك.
ويظهر لويس الرابع عشر ملك فرنسا في بورتريه يعود إلى عام 1701، وهو في كامل أناقته، بشعره الطويل، وزيِّه الملكي المنقوش بدقة وفخامة، ويظهر فيه أيضا يرتدي زوجا من الأحذية ذات الكعب العالي مطلية باللون الأحمر.
وقد كان أبناء الطبقة العليا الذين يراهم الملك مناسبين لارتداء أحذية مشابهة له، هم فقط من يمكن لهم ارتداؤها. وبعبارة أخرى، كان من الممكن إلقاء نظرة على قدم الشخص؛ كي تعرف على الفور ما إذا كان من الدائرة المُقربّة للملك، وأصبح ارتداء الكعب العالي سمة تُميز ذكور الطبقات الأرستقراطية.
كيف انتقل ارتداء الكعب العالي إلى النساء؟
في الوقت الذي كان يستشري فيه الهوس بكل ما هو فارسي في القارة الأوروبية، اتجهت النساء الأوروبيات إلى تقليد الأنماط الذكورية بما في ذلك ارتداء الكعب العالي سعيا لتأكيد حقوقهن في المساواة بالرجال.

ووفقا لما تقوله إليزابيث سيملهاك ممثلة متحف باتا للأحذية ومؤلفة كتاب “Heights of Fashion”، اتجهت النساء في تلك الفترة إلى قص شعرهن، وإضافة الكتافات إلى ملابسهن، وتدخين الغليون، وارتداء القبعات الذكورية، إلى جانب ارتداء أحذية الكعب العالي تماما كما يفعل الرجال وذلك في محاولة لتبني الأنماط الذكورية في ملابسهم.
وبحلول القرن السابع عشر، أصبحت النساء ترتدين الكعب العالي، وصار هناك نوعان من الكعب أحدهما سميك خاص بالذكور، والآخر نحيل خاص بالنساء، وأخذت الصيحة الجديدة في عالم الأزياء تنتقل تدريجيا إلى الطبقات المتوسطة وعامة الشعب، بعد أن كانت رمزا خاصا بالنخبة.
وسواء كان من الممكن تفسير انتقال ارتداء الكعب العالي من الرجال إلى النساء على أنه مجرد جنون استشرى بصيحة الموضة الجديدة، أو أنه جهد واع من المرأة إلى تبني الأزياء الذكورية المناسبة وتحقيق المساواة؛ فقد انتهى الأمر في نهاية المطاف إلى ابتعاد الرجال عن ارتداء الكعب تماما.
حدث ذلك في القرن الثامن عشر، حين عزف الرجال عن ارتداء أحذية الكعب العالي لكونه غير عملي، وأخذت ملابس الذكور تتحول من أزياء مُتفردة ذات ألوان حيَة، إلى أزياء موحدة نسبيا ذات ألوان داكنة. وتخلى الرجال عن ارتداء الكعوب العالية للنساء، الحدث الذي يُطلق عليه خبراء الموضة “التنازل الذكوري العظيم”.
اختفاء الكعب العالي عقب الثورة الفرنسية وعودته لاحقا
بعد تخلي الرجال عن ارتداء الكعب العالي، توقفت النساء أيضا عن ارتدائه عقب اندلاع الثورة الفرنسية في عام 1789 التي أطاحت بالملكية الفرنسية؛ وأخرجت الطبقة الأرستقراطية وأساليب معيشتها الطائشة، ومظاهرها السطحية التي تتسم بالمغالاة في الملبس والزينة، من دائرة الانبهار والرواج.
ابتعدت النساء عن ارتداء الكعب العالي الذي اعتبر رمزا من رموز اللاعقلانية والسطحية والمغالاة الأرستقراطية، وبذلك اختفى عن ساحات الأزياء لفترة طويلة.
ومع اختراع الكاميرا، عاد الكعب العالي يخطف الأنظار من جديد في منتصف القرن التاسع عشر، بعد أكثر من قرن من الغياب؛ وذلك بعد نشر مصوري الإباحية الفرنسيين صور فتيات، يرتدين الكعب العالي في أوضاع مثيرة.
وبمرور الوقت خرجت تلك الأحذية ذات الكعب العالي النحيل من الصور، وأخذت في الانتشار وصارت ترتديها النساء في الشوارع، والمكاتب، والمنازل، وبات مصممو الأحذية يعكفون على صناعة أشكال متعددة منها، ومحاولة جعلها أكثر عملية وراحة في الارتداء.

________