“في قلبي أنثى عبرية” لخولة حمدي رواية غنية بالتأملات .. وبالوجع

 

بقلم : ميار برجاوي*

يوم قرأتُ إهداء الرواية التي أشارت فيها الكاتبة د. خولة حمدي إلى أبطال روايتها بوصفهم غيّروا حياتها، جزمت بأنّ قراءة هذا الكتاب لا بدّ وأن تحمل أحداثًا/ أفكارًا تغيّر أو توضّح بدورها أمورًا عندي.
وبالفعل جاءت الأفكار على شاكلة توضيحات حول مجتمع اليهود والإسلام، ومعلومات لم أكن أعرفها عن الديانات والديانة الإسلاميّة ضمنها، وتوسّعًا في عرض الإعجاز العلمي بالقرآن بأسلوب روائي سلس ومُقنع ومُدعّم بالإشكاليات والسجالات المنطقيّة.
الرواية المأخوذة عن قصّة حقيقيّة، تتنقّل أحداثها بين تونس ولبنان عامّة، وتسرد قصّة حُبٍّ استثنائية نشأت بين فتاة يهودية عربيّة وشاب مسلم مقاوم، انتهت بإشهار ندى إسلامها عن قناعة وليس لمجرّد الانجراف خلف مشاعر تحرّكت تجاه البطل أحمد، وهذا ما تعزّزه الحبكة المتمثّلة باختفائه لسنوات، وخوض البطلة صراعات مُضنية مع عائلتها ومجتمعها الذي يعتنق قسما منه تباعا الإسلام في سياق مطوّل ومُعقّد الشرح.
“حين توصّلتُ إلى اليقين وأعلنت اقتناعي بالإسلام، ظننتُ أنّني وصلت إلى خط النهاية. أنّني عبرت الاختبار بنجاح. كنت أجهل أنني لم أقطع سوى أميال قليلة من رحلة الألف ميل. كان عليّ أن أعبر بعدها أميالا لأثبت على ديني ولا أرتد أمام كل المعوقات. تحصين قلبي بالمعرفة الحقّة ثم أنشرها”، في هذه الرسالة التي وجهّتها البطلة رسائل للمسلم قبل غيره بأنّ الإسلام مسؤولية وسلوكيات مستمرّة وهو مطالب بتحصين دينه وتنزيهه من كلّ  شائبة بالمعرفة.
نقاط كثيرة في الرواية لا متسع لذكرها، لكن من بين أبرز ما استوقفني الموضوعية والواقعية في عرض وجهات النظر تجاه الإسلام وخاصّة تقديم الحجاب ووسم الدين بالإرهاب جرّاء العمليات الإرهابية التي ارتُكبت باسمه، ووسمنا بالتخلّف والتأخّر عن بقيّة الأمم، ودخول ندى في قراءات للتثبت قبل اعتناقها الإسلام.
وحين وُجَّه إليها اللوم الإتهامي: “هل تريدين إقناعنا بأنّ الإسلام دين سلام ومحبّة؟ ألم تقم الفتوحات الإسلامية منذ القدم على سفك الدماء” الاسلام كان دينا دمويًّا منذ بداياته ولا يزال” تدعّم ردّها النافي بالحجج وترفض تعميم انتهاكات بعض الجماعات المحدودة فيما الإسلام يستنكرها والمسلمون الحقيقيون يتبرأون منها.
من بين أكثر الشخصيات المؤثرة، ريما، الفتاة اليتيمة التي تستشهد في عمر مبكر وتنال ما كانت تطمح إليه بفعل الاجتياح الصهيوني للبنان، فتجعلك تتنهّد كثيرا لفقدان شخصيتها رغم روحها التي بقيت تحوم حول الأحداث حتى آخر أنفاس الرواية.
أكتفي بالتوقّف عند مقولتين من جملة مقولات غنيّة سحبتني نحو عوالم من التأمّل؛ الأولى: “الفطرة السليمة تبقى حاضرة”، فرحتُ أتساءل عن واقع فطرتنا الإنسانية كبشر ومدى حضورها اليوم وضرورة حضورها في زمن الأنانيات”، والثانية توصيفها: “مثل الزمن الخالي… كأنّ شيئًا لم يكن”، فتخيّلت لو إنّنا بوسعنا إخلاء زماننا من كل ما ومن أرهقنا وأوجعنا؟ هل هذا يرضينا بدوره أم كنّا لنتذمّر ونفضّل المتاعب على الفراغ؟
في المُحصّلة هي رواية جميلة، وبتتابع وتشابك خطوطها ستتنهّد معها كثيرا لوجع يسكن أحداثها، تنهيدة أسى ووجع، وتنهيدة رضا وصبر، لتخيّم في الختام نهاية سعيدة.

—————-

*كاتبة وإعلامية لبنانية