فيلتمان – دوكان .. القاسم المشترك

 
بقلم ألعَميد مُنذر ألأيوبي*
 
بعد إحالته الى التقاعد لم يكن أمرآ مُستغربآ لدى ألإدارة ألأميركية إستدعاء ألسفير السابق في لبنان جيفري فيلتمان Jeffrey Feltman المخضرم في ألشأن اللبناني للمثول أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا و ألإرهاب الدولي المتفرعة من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي بغية ألإدلاء بِنظرته و شهادته حول ألوضع ألحالي في هذا البلد و ما يشهده من إنتفاضة شعبية مضى عليها أكثر من 35 يومآ إحتجاجآ على ألأوضاع المعيشية و الفساد ألمستشري في دوائر الدولة و وقاحة بعض المسؤولين في هدر المال العام إضافة إلى السياسة الضريبية و المالية المتبعة ؛ لكن ألأهم هو ألإهتمام ألأميركي و بألتالي ألإنغماس في دراسة تأثيرات و إنعكاسات ما يجري على المصالح الاميركية ألجيو إستراتيجية ، كذلك أداء حزب الله في ألتركيبة اللبنانية و مشاركته في الحكومة المستقيلة و دوره ألإقليمي ألمترافق مع قدراته المتعاظمة ألمهددة للحليف الأساسي إسرائيل ..
 
يُستَشف من شهادة السفير فيلتمان عبارات عدة منها ما هو مُعلن و واضح و أخرى ذات مدلولات عميقة ألأبعاد ؛ و إذ أكد بداية أنه يتكلم من وجهة نظر شخصية وَصَف لبنان “أنه بلد محبط محتاج و معقد”.. متسائلآً «ماذا بعد بالنسبة الى لبنان؟».. إستطرادآ أشار مُنَبِهآ أن تقليص النفوذ الاميركي فيه سيفسح المجال أمام ألتواجد و ألتمدد للقطب ألروسي ، إنفلاش ألنفوذ الصيني الاقتصادي ، تكريس ألدور الإيراني في المنطقة من خلال حزب الله ، موجهآ كلامه الى الدولة اللبنانية و ألحزب في آن معآ : “الصواريخ لا تدافع عن لبنان بل تضعه في خطر الحرب – على اللبنانيين اختيار المسار بين الفقر الدائم و بين ألإزدهار ” ..
توازيآ ، جاء تقييمه لدور ألجيش اللبناني يصب في خانة تعزيز قدراته بهدف مثلث ألأبعاد مكافحة ألإرهاب ، ألحفاظ على الاستقرار و مواجهة حزب الله في الداخل ، كذلك ألدفع بإتجاه إلغاء قرار الكونغرس وقف المساعدات العسكرية الاميركية ألهزيلة له “150 مليون دولار سنويآ” قائلآ : «سمعة القوات المسلحة اللبنانية التي تمكنت إلى حد بعيد من الابتعاد عن السياسة تحسنت ، قام الجيش اللبناني بحماية المتظاهرين في بيروت ضد بلطجية حزب الله و أمل» .. و من منطلق فهمه لأداء السلطة اللبنانية أللامسؤول متمثلآ أقله في عدم انعقاد مجلس الوزراء بصورة طارئة لمعالجة أو تلبية مطالب المحتجين ألعادلة و ألمحقة كذلك عدم اجتماع مجلس الدفاع الإعلى لتأمين الغطاء السياسي للجيش أثنى على دور القيادة التي (( جازفت من دون أي توجيه سياسي متماسك – أو غطاء – من القيادة السياسية في ظل تهديدات مستترة من حزب الله لإزالة الاحتجاجات))..
 
في موجز رؤيته للوضع ألاقتصادي ألمتردي برز بديهيآ إنعدام ألثقه بألمسؤولين و نزاهتهم و قدرتهم على المعالجة إذ اعتبر أن «أزمة مالية تلوح في الأفق و لبنان يترنح منذ فترة طويلة على شفا كارثة مالية و يمكن لخصخصة أصول الدولة “الاتصالات و الكهرباء” أن يُنتج إيرادات كذلك تحسين الخدمات على المدى الطويل لكن النجاح في جذب المستثمرين الغربيين و دول مجلس التعاون الخليجي سيظل بعيد المنال من دون تغييرات كبيرة»..!
 
ضمن نفس ألسياق ؛ و في تطرقه الى موضوع الحراك او الثورة الشعبية اعتبر ان هذه الاحتجاجات محطة مفصلية تفوق في أهميتها حركة 14 آذار 2005 غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري و الانسحاب العسكري السوري من لبنان ، و في غمز من قناة الثنائي الشيعي (حركة أمل – حزب الله) المُسيطِر و ألمؤَيَد من بيئته ابرز الدور الإيجابي اللافت مراهنآ عليه و ألمتمثل في انضمام مواطنين من الطائفة الشيعية الى الحراك ، مُختتمآ أنه بألرغم من رؤيته أن الاحتجاجات لا تتعلق بالولايات المتحدة لكن نتائجها ستؤثر على المصالح الأميركية إيجابآ أو سلبآ ..!أ
 
أما ألخطورة في إختصاره ألواقع اللبناني ألحقيقي و رؤيته له فتكمن في عبارة واحدة : “لبنان مساحة للتنافس الاستراتيجي ألعالمي”..! مما يعني دون تمثل ألمسؤولين بِ “بألنعام تدفن رؤوسها في رمال ألنكران و ألعدم” أن الصراع سيبقى محتدمآ على الساحة اللبنانية بين المحورين المعلومين لعدة حوافز و أسباب منها : كبح جماح التمدد الروسي و الصيني و ألإيراني في الإقليم ؛ المقاومة و حزب الله و ترسانته ألصاروخية التي تشكل تهديدآ وجوديآ للكيان الصهيوني و إمكانية ألسعي لتطبيق البند ألسابع من القرار 1701 ؛ ألمخزونات النفطية الضخمة المكتشفة في المياه اللبنانية و ترسيم ألحدود ألبحرية
و ألبرية معآ ، ضرورة ألتَموضع الاستراتيجي العسكري الاميركي في شرق و جنوب المتوسط حفظآ لمصالح الولايات المتحدة إلخ…. ألأمر ألذي يعني بألإستنتاج إعلانآواضحآ عن مستوى التدخل في ألإقليم و الازمة اللبنانية الحالية بألتالي دخولها أيضآ دائرة التجاذبات ألإقليمية و الدولية ..!
 
توازيآ ، لافتآ كان ألرئيس الاميركي دونالد ترامب في عدم لجوئه إلى أسلوب التغريد ألمُحَبَب و ألمُعتَمد لديه موجهآ برقية رسمية ألى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للتهنئة بمناسبة عيد الاستقلال تحمل في عباراتها البروتوكولية و إن المعتادة “دعم استقرار لبنان و الاستعداد للتعاون مع حكومة جديدة تستجيب لحاجات اللبنانيين و تؤمن الاستقرار و الازدهار” ..
 
إزاء ما تقدم ، و في غمرة ما يعيشه لبنان من فراغ هل ستتمكن ألدَولَة اللبنانية ألخروج من النفق المظلم و ألبدء بلملمة آلشارع و ألسير قُدُمآ لتحقيق ما يصبو اليه المواطنين من مكافحة الفساد 
و هدر المال العام ، إستعادة الأموال المنهوبة ، ترشيق مؤسسات الدولة و تحسين الظروف المعيشية ألقاسية و ذلك عبر تشكيل حكومة إنقاذية انتقالية ثم اجراء انتخابات نيابية مبكرة بألتزامن مع وضع قانون انتخابي جديد .؟
لا يبدو أن حال ألمراوحة ستنتهي قريبآ و هذا ما لا يمكن للمواطنين تحمله ؛ في ألداخِل الكل ما زال يحاول ألتمسك بمكتسباته في ظل متغيرات تبدأ أقلها بصعوبة الحفاظ على ألستاتيكو السياسي و لا تنتهي بكون لبنان مساحة للتوازنات ألهشَة المرتبطة بمؤثرات الإقليم و هو القاسم ألمُشترك بين أفرقاء ألصِراع ..؟؟ أما تعليق موفد الرئيس الفرنسي ألسفير بيار دوكان Pierre Dukan خلال زيارته الأخيرة بيروت الشهر الماضي : ( لبنان بلد غير قابل للإصلاح ) فدليل مؤسف على ما آل إليه ألحال و ما يمكن أن يَبقى عليه ..!
 
بيروت في 23.11.2019