غَزو أوكرانيا …Invasion Of Ukraine

بقلم ألعميد مُنْذِر ألأيوبي*

دَقيقَتان لِمُكالمة هَاتفية بين ألقائد ألعام للقوات ألبَحرية ألروسية ألأدميرال فلاديمير كورولوف Vladimir Korolyov و قائد أسطول ألبحر ألأسود ألأميرال ألكسندر فيتكو Alexander Vitko كانَتا كافيتان لِصُدور أمر ألعمليات من غرفة ألتَحَكُم و ألسَيطَرة في الطراد ألصاروخي “موسكو” حيث مَقر قائد ألأسطول مع رئاسة أركانه و ألراسي في قاعدة مرفأ نوفوروسيسك Novorossysk الواقعة جنوبي شرقي مضيق “كيرتش” Kerch Strait ألإستراتيجي لإحتجاز ثلاث سفن حربية أوكرانية : بيرديانسك Berdyansk – نيكوبول Nikopol – ياني كابو Yani Kapu و سَوقِهم مَخفورين إلى قاعدة سيفوستبول Sevastopol ألروسية مع أطقُمِهم لِإنتهاكهم ألحدود ألروسية و خرقهم ألمياه ألإقليمية في بحر آزوف Azov الذي يحتوي ثروات غازية و سَمَكية ضخمة …
يُعتَبَر مَضيق “كيرتش” ألبحري عقدة عُبور تَربُط بحر آزوف Azov Sea بالبحر ألأسود Black Sea وهو ألمِعبَر ألوحيد للناقلات الروسية و سُفُن ألصيد و نقل ألركاب باتجاه البحر الأسود و بالتالي بحري إيجه و ألمتوسط Aegean & Mediterranean Sea ،، كما يُشكل ألمَضيق بالنسبة لروسيا ألإتحادية موقع إستراتيجي هام مُرتبط بألأمن ألقومي ألروسي يُمنَع أللَعِب على مَسرَحِه ،، و ما تَدشين ألرئيس بوتين ألجسر العملاق بين ضِفتي ألمَضيق “ألأراضي الروسية وشبه جزيرة ألقرم” البالغ طوله ٢٠ كلم تقريبآ في أيار ألماضي سوى رسالة جيوسياسية حازمة إلى أوكرانيا و ألناتو معآ ..
في نفس ألسياق وَصَف ألرئيس الروسي بوتين الحادث بـ”اللعب الهادف إلى تَصعيد حِدة التوتر في العلاقات مع روسيا و عمل إستفزازي دَبَرته سُلُطات كييف Kiev ” و ذلك في مؤشِر واضح لما يُمكن أن تتطور إليه ألأمور مع أوكرانيا Ukraine و إنعكاسات ذلك على ألأمن ألعالمي …

لا شَك أن ألمَشهد ألأوروبي العَام مُتَوتر ،، و بغض ألنَظَر عن ألأسباب ألسياسية و ألإقتصادية و ألعسكرية للصِراع ،، فلا يُمكن تَجاهُل تأجيج أعمال ألعُنف و ألتخريب في تظاهرات باريس ألمطلبية أول من أمس و التي تشير إلى أيادٍ مُخابراتية خفية تُحرك مُثيري ألشغب و ألغوغاء في رَدٍ “تكتيٍ” غير مُباشر على إقتراح ألرئيس ألفرنسي ماكرون إنشاء ألجيش ألأوروبي ألموحد ،، من جِهةٍ أخرى فإن رَفع منسوب ألتصعيد ألعسكري بين روسيا ألإتحادية و أوكرانيا و سواها من ألدول ألأوروبية إنما يأتي أيضَآ كَرَدٍ “إستراتيجي” غير مُباشر على إقتراح ماكرون بُغيَة دَفع ألدول ألأوروبية إلى تعزيز أمنها عمن خلال حلف شمال ألأطلسي NATO ،، كما يَصُب حَشد ألقوى ألعسكرية في ألدول ألمجاورة لروسيا مثل بولندا و ألنروج وغيرها ضمن هذا ألهدف و لو تحت ستار ألتدريبات …!
على صَعيدٍ آخر ،، يبدو أن قَرار خَرق ألسُفن ألعسكرية ألأوكرانية للمياه ألإقليمية ألروسية غير بعيد عن ألرئيس ألأوكراني “بيترو بوروشينكو” Petro Poroshenko ألذي إستَسهَل مُخطئآ إستخدام بحر آزوف كحلبة صراع و هو يُفتش عن معركة يجذب بها إهتمام مواطنيه و تأييدهم مع إقتراب مَوعد ألإنتخابات ألرئاسية ،، حيثُ من ألمُتوقع أن يُواجه خسارة مؤلمة نتيجة فَشله في تحقيق مَطالب ألشعب ألأوكرانيي و مُعالجة ألأوضاع ألإقتصادية و ألمعيشية ألمُتردية و مكافحة ألفساد ألمُستشري …

ألصراع ألروسي ألأوكراني إنتهى ميدانيآ في شهر آذار ٢٠١٤ بْضَم شبه جزيرة ألقُرُم إلى ألإتحاد ألروسي ،، و حادثة ألزوارق في مضيق كيرتش لن تَستَدرج ألرئيس ألروسي بوتين إلى حَرب أو مواجهة و لو محدودة ،، خلافآ لما يُروج أو يَسعى إليه “يوروشينكو” ألذي أعلن مؤخرآ حالة ألطواريء و ألأحكام ألعرفية في عشر مقاطعات أوكرانية إستعدادآ للمواجهة ألمُقبِلة كما يَزعَم ،، مُتهمآ بوتين بالتحضير لِغزو بلاده و ضَمها للإتحاد ألروسي ..! مُطالبآ قيادة الحلف ألأطلسي بالدعم ألعسكري و ألبَحري أللازم ..

من جهة أخرى ،، إعتَبَرت ألقيادة العسكرية ألروسية ألعملية مُجَرد تَحَرشٍ تم معالجته بإحتجاز ألزوارق الثلاث و إنتهى ،، كما أظهرت عدم أِهتمامها أو رغبتها رفع مُستوى ألمواجهة في منطقة ألدونباس Donbass Region ألتي إنضَوَت تحت سُلطَة حكومة ألكرملين ،، و بالتحليل ألإستراتيجي لا مَصلحة حاليآ لموسكو في ألتصعيد ألعسكري على ألجبهة ألأوكرانية طالما أن ألإهتراء في مفاصل ألدولة في أوَجِه و ألنزاع ألأهلي كَفيلٌ رُبَما بِأسقِاطها من ألداخل ..
بِالمُقابل و في إجراءٍ عسكري وقائي سُجِلَ نَشر أربع كتائب من صواريخ Triumph S-400 في شبه جزيرة ألقرم على بعد حوالي العشرين كيلومترآ من ألحدود مع أوكرانيا ،، إضافة إلى منظومة رادار “نيبو أم يو” Nebo-UM Radar System ألمتطورة ،، هذه ألقوة ألصاروخية تَعتبر أوكرانيا ضمن بنك أهدافها فقوات ألناتو منتشرة على أراضيها في خرقٍ صارخٍ لِإتفاقية Minesk 2 .. كما يَشمل جدول ألأهداف نقاط و قواعد حلف ألناتو ألمُتمركزة في أوروبا لا سيما ألقاعدة ألعسكرية ألجديدة “فورت ترامب” Fort Trump ألتي بوشر بناؤها مؤخرآ في بولندا ..
بالتزامن عُقِد في بروكسل إجتماع طاريء للجنة أوكرانيا في الناتو صَدَرَ في نهايته بيانٌ إعتبر ألمستجدات ألروسية-ألأوكرانية خَطرة في تداعياتها،، كما دعا موسكو إلى ألإفراج عن السفن الثلاث و بحارتها أل ٢٤ مُشددآ على دعم وحدة أوكرانيا و سلامة أراضيها ..
مِن الوجهة ألسياسية كما ألعسكرية سَقَطَ إمتحان ألقوة على حَلَبة بحر آزوف أيآ يكن مَصدره و من يَقف خلفه أو سَعى إليه و أتى ألرد ألعسكري ألروسي ألمُباشر كافيآ لِتأكيد سيادة روسيا على هذه ألمنطقة و إظهار جَدية مواقفها ،، و هذا ما دفع باريس و برلين للتوسط و ألتهدئة خشية إحتدام ألمواجهة ..

( لا تُجَرِبونا ) Не пытайся нас. عِبارة تُلَخِص إختِبار ألمواجهة ألبحرية بين روسيا ألإتحادية وأوكرانيا ،، فَخطط ألغزو جاهزة ليس بسبب خلية جينية تُحَفز بوتين إلى ألحرب و إنما نتيجة نَزعة تاريخية إلى ألأمبراطورية ألقيصرية ..!

*كاتب وباحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية.