غزوة لافروف..!

بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*
 
ألحقيبة ألديبلوماسية ألتي يتأبطها وزير ألخارجية ألروسي سيرغي لافروف تحتوي ورقة واحدة هي فهرس ألملفات و ألقضايا ألمتشابكة على صعيد دول ألعالم و ما يتصل منها بألمصالح ألإستراتيجية و ألجيوسياسية ألتي تهم روسيا ألإتحادية و أمنها ألقومي ،، أما ألملفات ألتفصيلية فتكاد لا تتسع لها عدة حقائب سفر أشبه بمكتب متنقل ؛ ألرجل في حلٍ و ترحال دائمين يستظل أسفاره منظومة ألملاحة “غلوناس” Gle’Nas ألتي تضم كوكبة كاملة مؤلفة من 24 “ساتلآ” Satellite في ألمدار ، مما يتيح تغطية عالمية كاملة و دقيقة لِ “دبيب ألنمل في ألصحراء”، تدار من مركز عمليات قوات ألفضاء ألروسية و هي شبيهة مثيلتها ألأميركية “نظام ألتموضع ألعالمي” GPS ..
ألوزير لافروف في نشاط دائم طائرته ألروسية ألمدنية طراز Irkut MC-21 تحلق من ألقطب ألشمالي حيث آثار أقدام ألجنود ألروس مرورآ بخط ألإستواء Equator إلى ألقطب ألجنوبي حيث صوامع صواريخ ألغواصات تفتح آليآ و على مدار ألكوكب سالكة طرق جوية محددة واضعآ نصب عينيه أهداف بلاده ألعليا و هي فوق كل إعتبار ..
من هذا ألمنطلق سيكون لافروف يوم ألثلاثاء ألقادم على مدرج مطار Washington Dulles IA في واشنطن للقاء وزير ألخارجية ألأميركية مايك بومبيو ؛ يأتي هذا أللقاء بعد 24 ساعة أو يزيد قليلآ على إنتهاء مؤتمر حلف شمال ألأطلسي NATO ألذي عقد في ألعاصمة ألبريطانية لندن يوم ألإثنين ألماضي كذلك إثر إنتهاء إجتماع وزراء خارجية ألدول ألأعضاء في منظمة ألأمن و ألتعاون في أوروبا OSCE يوم أمس ، مما يعني تبادلآ معمقآ لوجهات ألنظر في نقاش مستفيض لِنتائج و مقررات كلا ألمؤتمرين ألعلنية منها و ألسرية ، كما سيتم ألبحث في ألمسائل ألخلافية ألتي تهم كلاهما تحديدآ (سوريا – فنزويلا – أوكرانيا – إيران و برنامجها ألنووي و حرية ألملاحة في ألخليج ألفارسي – شبه ألجزيرة ألكورية و برامجها ألصاروخية ألنووية – أفغانستان و تنظيم طالبان ألمتشدد ألعائد إلى ألسلطة، إلخ ..) ، إضافة إلى إمكانية تجديد معاهدة ألحد من ألتسلح START3 و معاهدة ألحد من ألصواريخ ألمتوسطة ألمدى INF-T و دفع ألصين للإنضمام إلى هاتين ألمعاهدتين ..!
 
في سياق متصل ، رغم أن ألزيارة ألأخيرة للوزير ألروسي إلى واشنطن كانت خلال عام 2017 إلا أن ألعديد من أللقاءات بينه و نظيره ألأميركي كانت تتم على هامش مؤتمرات مختلفة و في عواصم متعددة ، أما آخرها في شهر أيلول ألماضي فكان على هامش إنعقاد ألجمعية ألعامة للأمم ألمتحدة ، هذه أللقاءات ألجانبية تكفلت بألحفاظ على علاقات ديبلوماسية مقبولة بين ألدولتين ذات حرارة متوسطة و إن لم تخلو في بعض ألأحيان من إنتقادات علنية إذ أن تغريدات ألرئيس ترامب كفيلة بذلك ..
 
بألمقابل ، لطالما أعلن ألرئيس ترامب إلتزامه تحسين ألعلاقات مع روسيا و فق ما دأب على ألتصريح مرارآ ألوزير بومبيو ، و خلال زيارته ألآخيرة منتجع سوتشي ألرئاسي على ألبحر إلإسود شهر أيار ألماضي أدلى بما مضمونه : “أنا هنا اليوم لأن الرئيس ترامب متمسك بتحسين العلاقات بين البلدين و هذا أمر ضروري يصب في مصلحة العالم” ..!! هذه ألنوايا ألحسنة ألمعلنة لطالما إصطدمت بإجراءات و قوانين صادرة عن ألكونغرس تؤكد ألتناقض ألواضح بين سياسة ألرئيس ألأميركي و إستراتيجيات ألدولة ألعميقة مثال : ألعقوبات ألمفروضة على روسيا ، قانون دعم ألحرية في أوكرانيا ، وثيقة تعزيز الديموقراطية في روسيا من خلال ألعمل مع ألمنظمات ألغير حكومية NGO’s ألتي رصد لها مبلغ 20 $ مليون سنويآ ألأمر الذي إحتجت عليه موسكو بشدة و إعتبرته تدخلآ سافرآ في شؤونها ألداخلية ، إلخ … 
 
بألتزامن ، أختُصِرَت ألرُدود ألروسية بماأشار إليه وزير الخارجية لافروف : “أن التوتر بين روسيا و الولايات المتحدة يؤثر بشكل سلبي على الوضع في العالم وهذا الأمر يجب إصلاحه” و ذلك في إستيعاب عقلاني لقوانين ألكونغرس ألمجحفة و ألمستنكرة مع تفهم و تشجيع لسياسة ألرئيس دونالد ترامب ألمنفتحة على ألكرملين ..!
 
توازيآ ، مما لا شك فيه أن ألإستقرار ألإستراتيجي سواء على مستوى ألأقاليم أو على ألصعيد ألعالمي ككل هو محور إجتماع “لافروف – بومبيو” مع ثوابت إحترام مصالح دولهما و مناطق نفوذهما ضمن هوامش لعبة ألشطرنج (إسقاط ألبيادق و ألإبقاء على ألقلعة) ..! محللون سياسيون كثر و مراقبون يؤكدون أن ألبيت ألأبيض و دوائر واشنطن باتت مقتنعة بألنديَّة في علاقاتها مع موسكو إذ أن زمن ألآحادية إنتهى ..!
 
خِتامَآ ، بإنتظار ما سيتسرب عن أجواء أللقاء و ما سيعلن من مقررات فإن أوراق ألملفات في “غزوة” ألوزير لافروف إلى واشنطن ستزداد حَتمَآ و بألإتجاه ألإيجابي على ما يرتجى ، إذ أن ألتواقيع بألحبر
ذو أللون ألأخضر أفضل من تشطيب ألأسطر  و بعض ألعبارات بألأحمر ؛ أما ألطوابع فَيُسَدَد ثمنها من دول مناطق ألنفوذ و ألسيطرة و إلى أجلٍ غير مُسمى.
————
بيروت في 08.12.2019
*باحث في ألشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.