بشارة عصفورة


“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

 

لم يفتر دويّ القصف ولم يهدأ منذ الثّاني عشر من تموز 2006. – “عصفورة ؟! “تساءلت الصّبيّة بدهشة، ثمّ أصاخت سمعها نحو النّافذة المفتوحة على النّار!! وقالت في نفسها: ” هل يمكن ؟ وسط دويّ القصف ، ومع هدير الطّائرات المنتهكة سماء بلدتنا مركبا.. هل بقي مكان ما لتأمّل جمال الطّبيعة والاستماع لألحانها؟”.

تأكّدت الصّبيّة الجميلة من أنّ ما سمعته للتّوّ حقيقة كاملة! وأنّ ثمّة عصفورة لم تكترث لكلّ مشاهد الرّعب من حولها، بل إنّها ربّما عادت حالاً من جولتها في آفاق الحقد الّتي عربدت فيها طائرات العدوان الهمجيّ، ونفثت ماشاء لها حقدها الأسود. مع كلّ هذا.. فالعصفورة عادت وأناخت أحلامها على غصن قريب، وبدأت تقاوم الذّعر بالغناء!! – ” ما أروعك من عصفورة!”.. همست ابتسامتها وهي تراقب العصفورة تتقافز على الغصن القريب، “سبحان الله “.. تردد الصّبيّة من جديد، وشفاهها تلهج بذكر الله استعدادا لأداء فريضة الظّهر، يقاطعها نداء: -” غزالة ..تعالي واسمعي يا أختي ..الله ينصر الشّباب ليردّوا على مجازر الصّهاينة ..لقد بدأت صواريخنا تنهال على حيفا.. “! هتفت غزالة بحماس : “الله ينصرن ويثبت أقدامن”. تراود غزالة برجي أفكار شتّى، وتزداد حتّى تغرق في خواطرها : ” ترى أين هم المجاهدون الآن؟ بماذا يشعرون وهم مع الموت على خطّ واحد؟ في أيّ لحظة سيهوي القصف على منزلنا أيضا ؟ ما الّذي يمكن أن نشعر به ونحن نواجه الموت؟ كيف تخرج الرّوح من البدن؟”. تنهض مسلّمة الأمر لمدبّر الأمر، وتقيم صلاة الظّهر، تحطّ العصفورة على سجّادة الصّلاة أمامها! تهتف غزالة بدهشة: – ” هل تريدين أن تشاركينا تعقيب الصّلاة والتّسبيح؟ ” تلتفت غزالة إلى شكل العصفورة المميز، فتقول: -” ياسبحانَ الله! فعلا لم أرَ مثل هذا الطّائر في حياتي! لا يزال هنا منذ دقائق وهو يتردّد بين النّافذة وفضاء الغرفة، وها هو يحوم حولي.. أتراه يحمل رسالة معينة إحساس غريب ينتابني؟؟ يا الله! “.. تبدأ الفتاة بأداء فريضة العصر، والعصفورة لا تزال تحوم وتزقزق بطريقة غريبة.. -” لعلّها علامة تشير إلى شيء ما.. لعلّه طائر رحمة يريد إخباري بشيء ما! نعم هو كذلك!”. شعرت بالدّم يتدفّق في عروق وجهها وساعديها، واعتمل الإحساس داخلها..وفهمت الرّسالة!! بسرعة أخبرت عائلتها بضرورة الخروج من المنزل، على الأقل إلى منزل آخر.. بلى، هذا ماقالته لها العصفورة بلغتها الخاصّة!! – ” مابك؟ أتريدين منّا أن نغادر بيتنا لمجرّد زقزقة عصفورة؟ ربّما هي شاردة، جائعة أو خائفة..أهذا وقت شاعريّتك؟”. لم تبال غزالة بكلّ تعليقات أهل المنزل، بل أصرّت على جمع الأغراض اللاّزمة في الحال.. وأذعنت الأسرة لإحساسها الغريب، وخرج الجميع من الدّار.. دقائق واشتدّت همجيّة القصف العشوائي وأصيب منزل آل برجي إصابات مريعة …. توالت الأيام بعد ذلك..وأخذت معها دقائقها المتخمة بالعذابات تاركة منها لغزالة، وقفة خلف نافذتها ذات لون مختلف.. عادت تراقب التّلال والسّهول وتأنس بمشاهد الطّبيعة، بحفيف أوراقها وزقزقة عصافيرها الآمنة بعد انتصار المقاومة وأهلها في الوعد الصّادق، وبعد انكفاء جنود الاحتلال حاملين ذهولهم بعدما رأوا وما سمعوا.. ولا تزال الصّبيّة ترسل مع كلّ عصفور تراه تحيّة لذلك الطّائر البشير ولأبطال النّصر والجمال والسّلام الحقيقي…

—————