عادات وتقاليد للتعازي والتهاني على وسائل التواصل الاجتماعي باتت عرفاً

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

في ظل العالم الرقيم الذي نعيش فيه، والتطور التقني الهائل الذي يسابق الزمن، تأخذ مواقع التواصل الاجتماعي -كغيرها من التقنيات الأخرى- في التوسع بصورةٍ متزايدةٍ في تطوير الأدوات والتطبيقات المُتاحَة للمستخدمين للتفاعل مع بعضهم بعضًا عبر الإنترنت، ولكن عندما يرتبط الأمر ببروتوكولات التعامل الافتراضية مع الفجائع؛ فنستطيع القول إنها لا تزال في طور التحديث، ولكن ذلك لا ينكر حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي قد باتت اليوم فضاءً اجتماعيًا لتناول أنواع المواضيع المختلفة بما فيها المتعلقة بالوفاة والفقدان والحِداد؛ سواء أكان مستخدم تلك المواقع جزءًا من ممارسات الحِداد أو متفاعلًا مع حِداد أشخاصٍ آخرين، وقد وضع ذلك ضغطًا هائلًا على المستخدمين عن الطريقة الملائمة للتفاعل مع منشورات الحزن والحِداد، وذلك بسبب الافتقار إلى وجود تقاليدَ ثابتةٍ للتعزية افتراضيًا.
هذا ووجدت إحدى الدراسات أن أكثر ما يحفز معظم الناس على اختيار مواقع التواصل الاجتماعي أداةً للتعبير عن حزنهم هو تأثيرها الإيجابي أو الحيادي لما توفِّره من تواصلٍ غير مباشرٍ مع آخرين، فضلًا عن الحافز الذي يتشكَّل لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بعد الخسارة بفضل الدعم ومعالجة المعلومات والترابط الاجتماعي؛ إذ يرغب العديد من مستخدمي (Facebook) في تلقِّي الدعم من آخرين وكذلك تقديم الدعم بدورهم، وقد قال أحد المستخدمين: “كان أمرًا شافيًا بحقٍّ أن أحوِّل أفكاري ومشاعري إلى كلماتٍ قبل أن أتلقى تعليقاتٍ فوريةً ومباشرةً من شبكةٍ من الداعمين”، ولذا يشعر المستخدم بالترابط الاجتماعي، كما لو كان لديه مجتمعه الخاص من الأشخاص الذين يدعمونه ويدعمهم، فلا يشعر بالوحدة أبدًا.
ووجدت الدراسة نفسها بأن منصة (Facebook) تترك أثرًا عميقًا في نفوس الأشخاص المفجوعين؛ إذ وجد الأشخاص الذين يستخدمونها أداةً للتأقلم مع الحزن بأن الدعم قد شكَّل تجربةً إيجابيةً بصورةٍ لا تُصدَّق؛ ذلك لأنه كان من المريح أن يعرفوا بأن الآخرين حزينون لخسارتهم، وقد قال أولئك المستخدمون إنهم يؤمِّلون مساعدة الآخرين في رحلة حزنهم بينما يساعدون أنفسهم؛ ولذا نعود مرةً أخرى إلى أهمية الإحساس بالترابط الاجتماعي الذي يفتح أعيننا على أننا لسنا وحدنا في هذه التجربة، وأن الآخرين يمرُّون بالعملية نفسها بالضبط.
وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها مساحاتٍ افتراضيةً للحِداد:
يمكن وصف وسائل التواصل الاجتماعي بأنها بيئاتٌ مبنيِّةٌ على فكرة التفاعل الاجتماعي ومشاركة التأثير، ولأنها تركز بقوةٍ على التفاعل والعاطفة، تشكِّل منصات وسائل التواصل الاجتماعي مساحاتٍ اجتماعيةً يسهل الوصول إليها للمشاركة والمناقشة والتفاوض بشأن المعلومات المتعلقة بالموت والحزن والخسارة والحِداد، ونظرًا لخصوصية محيط وسائل التواصل الاجتماعي وخصائصه التقنية وقواعده السائدة، يمكن أن تختلف ممارسات الحِداد التي تحدث في وسائل التواصل الاجتماعي في بعض النواحي عن طقوس الحِداد التقليدية، ولذا وجد كثيرٌ من الأشخاص في تلك المواقع فضاءً لمشاركة ذكرياتهم والتعبير عن حزنهم لوفاة شخصٍ مقرَّبٍ من أفراد الأسرة أو صديقٍ أو حتى شخصٍ غريبٍ بصورةٍ لا يكونون فيها مضطرين إلى ممارسة طقوس التعزية التقليدية التي قد تشعرهم بعدم الراحة.
ممارسات الحِداد في وسائل التواصل الاجتماعي:
يُعرَّف الحِداد – Mourning على أنه: “مظهرٌ من مظاهر الحزن العام والمقبول والمُعتمَد اجتماعيًا”، في حين تُعرَّف (الممارسات ذات الصلة) بأنها “ممارساتٌ اجتماعيةٌ تختلف باختلاف الثقافات والعصور، وتختلف كذلك ضمن إطار الثقافة الواحدة والعصر الواحد”، هذا وتُعدُّ ممارسات الحِداد في وسائل التواصل الاجتماعي ممارساتٍ وسيطة، إذ توفِّر منصات التواصل الاجتماعي مجموعةً من الميزات التقنية التي يتصرف المستخدمون عبرها ويتواصلون مع بعضهم بعضًا، ونظرًا لنعي المستخدمين لأحبائهم المتوفين على بعض المواقع سواءً أكانت مصممةً خصيصًا لهذا الغرض أم لا؛ فتزداد احتمالية مواجهة المستخدمين الآخرين لمحتوًى مرتبطٍ بالحزن والحِداد في أثناء استخدامهم اليومي لتلك الوسائط، وعليه قد يتلقَّون -عن قصدٍ أو بغير قصد- معلوماتٍ عن وفاة شخصٍ ما أو عن ممارسات الحِداد ذات الصلة للشخص المفجوع.
ولا تعود المشاركة في ممارسات الحداد أو مواجهة المحتوى المرتبط بالحداد بفوائدَ جمَّةٍ فحسب؛ بل قد تفرض أيضًا مجموعةً من التحديات الصعبة على المستخدمين؛ مثل: الاضطرار إلى التعامل مع ظواهرَ قد تبعث على المزيد من القلق والحزن، كإرسال بعض الأشخاص لرسائلَ خاطئةٍ عمدًا بهدف جذب الانتباه، أو قضايا إدارة المعلومات بعد الموت، أو التوترات العاطفية عند العلم بوفاة أحد الأحباء.
تقاليد الحِداد في وسائل التواصل الاجتماعي:
تُعرَّف التقاليد – Norms بأنها: “قواعد التفاعل الاجتماعي – Social Interactions” وتُعرَّف أيضًا بأنها: “قواعدُ ضمنيةٌ أو صريحةٌ توجِّه السلوكياتِ والمواقفَ والمعتقداتِ داخل مجموعةٍ اجتماعيةٍ معينة، وتُعرَف بين أعضاء هذه المجموعة فيما بينهم كونها نتيجةً للتفاعل الاجتماعي، وتصبح مُلزِمةً عبر إنفاذ العقوبات”، أما فيما يتعلق بتقاليد الحِداد خاصةً في وسائل التواصل الاجتماعي فإن الطرائق التي يتعامل بها الناس مع الموت والخسارة في وسائل التواصل الاجتماعي تتأثر بقواعد التكنولوجيا وقواعد التفاعل الاجتماعي، وتختلف قواعد الحِداد المرتبطة بالتفاعل والتكنولوجيا اختلافًا كبيرًا بين المستخدمين، وقد يُنظَر إلى بعض الإجراءات على أنها انتهاكٌ للقواعد من جانب شخصٍ ما وليس شخصًا آخر، ويمكن أن تختلف تلك القواعد بين منصةٍ اجتماعيةٍ وأخرى أيضًا.
قواعد التفاعل مع الحِداد:
يبدو أن القواعد السائدة للتفاعل مع الحِداد والتعامل مع المحتوى المرتبط به تقوم في المقام الأول على عدم تعكير طقوس الحِداد للأشخاص الآخرين وعلى إظهار التعاطف والمشاركة في الاستحضار الجماعي لمآثر الفقيد، وعلى النقيض من مختلف أنواع القواعد الموضوعة من قبل؛ تشير الدراسات إلى أنه على الرغم من أن هذه القواعد موجودةٌ ومُعترَفٌ بها؛ إلا أن المستخدمين لا يلتزمون بها بتلك السلاسة في الوقت الذي يبدو فيه أن المستخدمين يتبعون قواعدَ بسيطةً مثل: عدم النقر على زر “الإعجاب” عندما يصادفون منشورًا متعلقًا بوفاة شخصٍ ما، فتظهر المشكلات عند التعرض إلى الضغط الاجتماعي من أجل المشاركة في الحِداد، أو عندما تتعارض الأعراف والقواعد الاجتماعية مع نوايا المستخدمين العفوية، هذا وتوضِّح الدراسات أن المستخدمين غالبًا ما يكونون أكثر قابليةً لتفادي المحتوى المرتبط بالحِداد على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك؛ فإن بعض القواعد مثل: إلغاء الصداقة مع الشخص المُتوفَّى أو المفجوع؛ فإنها قد تشكِّل تحديًا أمام تجنُّب مثل هذا النوع من المعلومات في الوقت الذي يبدو أن بعض المستخدمين يتصرفون بفاعليةٍ ضد هذه القواعد ويلغون الصداقة مع المُتوفَّى أو المفجوع على الرغم من وخز الضمير الذي قد يشعرون به، فيما يبحث آخرون عن حلولٍ بديلةٍ مثل إخفاء هذه المعلومات من صفحة الأخبار الخاصة بهم أو رفض زيارة صفحة المُتوفَّى، وتُظهر دراسةٌ أخرى أن المفجوعين يتوقعون من المستخدمين المشاركة باستمرارٍ في طقوس الحِداد واختبار الألم العاطفي في الوقت الذي يتوقفون فيه عن فعل ذلك.
وهكذا نجد بأن البروتوكولات المتعلقة بطقوس الحِداد على الإنترنت لا تزال قيدَ التطوير، ولا تزال القواعد الجماعية قيدَ الإنشاء، وبينما يستمر تطوير طقوس الحِداد على الإنترنت؛ سيكون أشبه بعمليةٍ متواصلةٍ من شأنها أن تكشف النقاب عن خطوط الصدع في كلٍّ من البروتوكولات الاجتماعية والتقنية، ونقطة التقاءٍ بين الهويات المتصلة وغير المتصلة بالإنترنت، والمستخدمين الفرديين والطقوس الجماعية والثقافية والتغيير التقني. ومن المُرجَّح أن يظل تشابك العلاقات بين طقوس الحِداد في وسائل التواصل الاجتماعي والحِداد في أماكنَ اجتماعيةٍ أخرى أمرًا مثيرًا للاهتمام، ومع ذلك؛ فإن تفحُّص مثل هذه الروابط بصورةٍ أكثر دقةً وتفصيلًا قد يكون أمرًا جوهريًا في فهم طبيعة الحِداد بوصفه ظاهرةً إنسانيةً عميقةً.

———————

*رئيسة القسم الثقافي في موقع “الدنيا نيوز”