طرابلس تحترق … ! هنا تسقط الكلمات

 

بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*

واقع خطير تعيشه مدينة طرابلس و الجوار ، هي اولآ مدينة “كوسموبوليتية” Cosmopolitan بتنوع وتناغم ثقافاتها وشرائحها الاجتماعية، استراتيجية ثانيآ وفقآ للموقع الجغرافي والدور الاقتصادي، مدينة تاريخية ثالثآ، عريقة حضارية، جذورها موغلة في الثقافة والفنون والاجتماع منذ قرون.

في توصيفها سموحة الروح على تنوع الاديان والمذاهب، قادرة على تميز في احتواء الاحزاب والتيارات السياسية على تفاعل سلس مع اختلاف. رؤوفة بالفقير، حنونة على الجوار السوري هي طرابلس الشام، أيوبية في العفو والعنفوان، مملوكية المساجد والآثار، صليبية القلعة، قبلة العلم وموئل العلماء، بحرها مدد، أسواقها ذهب، في اسوارها ابواب الانفتاح باب التبانة والحديد الخ.. في خاناتها ومقاهيها تستقى قواعد علم الاجتماع، لاعيادها تقاليد الدين السمح ونور قداسة الفادي، قبلة الثقافة، مضمار العروبة الناصرية الحقة والوطنية ألشهابية الصافية في آن …

هذه مقدمة تلخص مواصفات المعشوقة طرابلس لا بد من ادراجها تذكيرآ لمن فاتته المعرفة او خانته الذاكرة ..!

منذ يوم الاثنين الفائت، وإثر قرار المجلس الاعلى للدفاع بتمديد الاقفال العام، ساد الوجوم زوايا الاحياء الفقيرة حيث يتجمع شبان الحي بكرة واصيلآ على كأس شاي اسود او شفة قهوة المصبات؛ قسم كبير منهم كان يتوقع انتهاء الاقفال العام القسري ليسعى في مناكبها عل وعسى يؤمن قوت يومه الضئيل .. لم ينتظر رواد الازقة والزوايا حلول الفجر لشراء ارغفة الخبز، وبين الخباز والناس هنالك قصص تروى كعلاقة بيت النار بالمعجن، اما الخميرة فبركة الفقراء لِ “الخبز الحاف”-الدوناتس والكرواسان- لم تعبر هذه الاماكن، الكعك بحليب او كعكة السماق الشبك فللعصرونية .. القصاب، الخضرجي وبائع السوس هم آلأحن لا يُرد عندهم سائل او محروم ..! واذا كان الحجر الصحي امر الزامي فالتزامن مع الحجر التجويعي إبتلاء واللقاح قاتل ..!

 


لطالما كانت المدينة “صندوق الدُنيا او الفرجة” Carnival Show فحولت علبة بريد، لكل فاجر مُريد فيما يرغب او يريد، السياسة عاهرة والرسائل متفجرة، “المولوتوف” حدها الادنى ..! كثر من رعاتها في إعاقة اخلاقية لا خلقية والتعميم أليم .. انقلبت ألآية باتت الرسائل تصدر منها وعنها، الحالية صفحاتها حبر فقر كُتِب.. “ألحق ألحق أقول لكم” هي رغيف خبز غلف اليوم بإرهاب وغمس بدماء ..!
“عا للي جرى من مراسيلك”..! في الليل الثقيل..! بين كر وفر، اشعال اطارات وقطع طرقات، تعددت اشكال الاحتجاجات وتنوعت المواجهات في اسلحتها حجارة وعصي و”المولوتوف” خيانة.

ردت القوى الامنية بالمسيل للدموع والمطاطي مرغمة، سقط شهداء وعشرات الجرحى من الناس وحماتهم. ثم كان التمادي في رمي القنابل واطلاق الرصاص الحي.. فوضى ما بعدها فوضى، هرج ومرج، إرتجال خشية إملاق، تفلتت الامور وساد الوجوم لما شاهده اهل المدينة الصامدين الصابرين المحتسبين على مضض، إلى أن روعتهم ألسنة النار تلتهم مبنى البلدية بهالتيه التراثية والثقافية ..!

“تاهت المراسيل بين النهار والليل”..! اين نقاط الحراسة والتمركزات الامنية على النقاط الحساسة ..؟ اين رجال الاطفاء والدفاع المدني ..؟ ماتت الثواني والقلوب تحترق باحتراق القلب النابض. بين عملية إطفاء خجولة متأخرة وحراسة امنية معدومة كان ألإرهاب قد نال من أحد معالم طرابلس التاريخية ..!

“يا جرحي آه، يا حبي آه”..! فراغٌ، إستهتار، جهل والضمير الغائب مفعول به مفقود.. من عسس الثوار أُحرِقَت ثورة الجياع بالتوازي مع احتراق مبنى البلدية، تحولت الامور ووقائع الميدان إلى تصفية حسابات سياسية مع تسديد فواتير مستحقة، لم يعد التحرك تحصيل حقوق أو مطالب معيشية و حياتية، والشوارع شواهد ..!
“تجري السنين وإحنا جرح السنين”..! في إناء الليل واطراف النهار تسللت اجهزة مخابرات اقليمية يفترض انها معتلمة مسبقآ معروفة الاهداف والنوايا، تدفع شهريآ لعملائها محددة “ساعة الصفر” والصفر رمز “اللا شيء”..! إنه ألإرهاب مدفوعآ في حده الادنى يضرب المدينة، يقتل ماضيها ويقضي على حاضرها ويؤكد اليأس من مستقبلها..!

“ما حد قال عنا خبر يفرحنا”..! ألم تقرأون بعد خيوط المؤامرة..؟ ماذا اعددتم للمواجهة..؟
المدينة دون تبصير الفناجين نقطة الفصل في المواجهة الدائمة على خط الكيد الداخلي لتحديد نمط و مرجعية التكليف و التأليف و المواصفات؛ كما انها الخط الرمادي للمشهد الاقليمي بمعنى “تسخين الميدان” قبل مفاوضات التبريد والاتفاق فيما لو حصل أو الهدنة بالحد الادنى ..!

إستطرادآ؛ من الواضح الجلي ان الامور على الارض تتدحرج سريعآ بالتزامن مع نوعية الملفات المطروحة وحجمها الحقيقي وثقلها النوعي .. بالتالي إن التحليل القَطعي الاستنتاج، وتقاطع المعلومات المتوفرة ضمن اطار الحاجة لتوطيد الامن وحفظ النظام المترافق مع امن وقائي كفوء، يفرض انعقاد المجلس الاعلى للدفاع واعلان حالة الطواريء في المدينة او منطقة عسكرية، يتسلم فيها الجيش مهام الامن فتصبح القوى الامنية المختلفة بتصرفه؛ غرفة عمليات واحدة تدير مسرح العمليات تنسق التموضعات العسكرية و خطط سير الدوريات الراجلة و المتنقلة، مع تحديد الاهداف المعتلمة للمداهمات و ملاحقة المخلين بالامن وفقآ للقوانين المرعية الاجراء في حالات الطواريء..

“متغربين إحنا، متغربين”..! و المدينة تدفع من لحمها الحي ثمن القاطنين الجدد من النازحين السوريين، كما تسدد على ساحتها الخصبة فاتورة اسقاط منظومة الفساد المقاومة لعملية التدقيق الجنائي و المحاسبة في السطو على اموال الناس و شبهات جرائم تبييض الاموال، عملية إلهاء مدروسة مكتملة العناصر لإحتمالية قاربت ربما التحقق في ملاحقة رؤوس المصارف مع المركزي على شبهات ادرجها القضاء السويسري في ملفاته ذو الصدقية العالية..!

أما في الاستدراك المفترض المتوجب..! فمن يستخدم القنابل اليدوية RGD-5 و يجروء على رميها بوجه القوى الامنية لن يتوانى عن استخدام القذائف الصاروخية RPG-7 .. إذن العملية لم تنتهِ و امر العمليات لمهمة “القتال التأخيري” التخريبي و الالهائي عن المستجدات القضائية و السياسية و الاقليمية المدفوع الثمن مسبقآ ما زال في بنوده الاولى..! فحذار من استمراره ..!

ختامآ .. طرابلس هنا تسقط الكلمات .. الفيحاء ضاق خناقها .. ألأرجل حافية و الفؤاد مكلوم تسيل منه جراحه ..! ترى، أ صحيح.؟ “ما فضلش غير دمعة مرسومة ب المناديل”..!!

طرابلس في 29.01.2021