شديد الوقع تشرين .. له ارفعوا العلم

بقلم العميد منذر الاوبي*

مستظلآ جسرآ اشيد وصلة شريان رئيسي منذ عقدين او ثلاث حل مشكلة ازدحام مروري دون طائل، اسمنت الاعمدة متآكل الاطراف اما تفسخات السقف فتزاوجت مع انسلاخ قطع وحصى تناوبت على فعل عري حديد صدأ، لوحة سوريالية ترسم ظلال الشك على ثبات بناء وصدق تلزيم..!
مفترشا بساطآ كرتونيآ ممزق الحواف مطبعآ ماركات اعلانات لزمن طوي باحثة عن زبائن تشجع الشراء مع وفرة العروض لتوفر القدرات قبل استلاب مقيت جرمي الصفات للمدخرات..
واضعآ رأسه على مخدة من حجر خفان تمنع الارق والقلق يغط عليها في شخير غميق غير متقطع؛ خلاف رؤوس اينعت اعتادت وثير الوسائد متناسية الضمائر والاخيرة ما دلت سوى على خيبة او حضور لا ندم.. واجبة الاستتار لا يحل محلها ظاهر خادع، ناسبة لعيوب الصنع عوارض لياليها كوخز في الوجه والراس والجبين كما ورراء الاذن، شعور بتدفق شديد للدم في الراس مع دوخه ودوار، ضغط في الاذنين نتاج انهاك وتعب من متع الخ…!
محتفظآ عند تلاقي كعب الاعمدة وسطح الرصيف بجملة اشياء واغراض، بقايا اجهزة مرمية قنانٍ واوعية بلاستيكية مجرحة الثنايا، قطع قماش باهتة اللون منسلة الخيوط.. جاعلآ افق السمع صم الجدار مديرآ ظهره للمارة بعد ان ادار الدهر له ظهر المِجَن متكور الجسد طلب دفء منشود.. صحن متسخ وسط الطريق يرمي فيه العابرون بعض نكل لم تعد تصلح الا بديل قضبان التلحيم، الارزة المسكوكة عليها كاد يضمحل بروزها فعل تلامس مزمن لاصابع شح عطاؤها..

سيارات الاجرة عربات محطمة لخيل غير مطهمة، لم يعد غذاؤها الاحفوري متوفرآ لندرة او ارتفاع ثمن.. جانبت الاساسات والدعائم بعضها احتل الارصفة.. صراخ السائقين يطغى على اصوات باعة العربات المتجولة.. في الزوايا المعتمة تشتم رائحة مقرفة لابخرة آثار بول السائقين كما براز القطط، اما الجرذان فملعبها بين اطارات السيارات المتوقفة وفتحات مسبعات المجارير الفائضة على اعتياد انسداد..

ملامح فن “الجرافيتي” Gravity Art سطا على الحيطان وابواب المحلات وواجهات المصارف، بعيد عن الهام موسيقى “الهيب هوب” Hip-Hop النيويوركية زمن الستينيات..! فن بادٍ في رسومات تغمغم الهام كفر بواقع مزري وغضب دفين.. خربشات شعارات واسماء تعبير حر رسمته عبوات رش رذاذ الطلاء الاسود Spray، تقطع الاحرف حينا وبهتانها احيانا دل على استهلاك السائل حتى الثمالة..!! شحوار فحمي رسمه دخان حطب واوراق جرائد اشعلت للتدفئة على عجل؛ لا مساحات فارغة اختلطت المدونات رسمآ فوق رسم لتتالي انصال الظلم فوق ظلم ظلام دون كهرباء والناس ضحايا ..!
شديد الوقع هطيل المطر ليل هذي الاماكن؛ لامس فيض مياه الطريق كعب رجليه دون ان يعبأ، صار الوحل على تكيف كريم تشققات ليباس الجلد وتقصف الاظافر..
اتى الفجر مع آذان الصبح لاهثآ خلف فقراء يتسابقون على رغيف خبز عُجٍن بقليل الخمير، يخرج من بيت النار خجولآ فاقد النكهة غير مخبوز بما يكفي.. فقراء تشفق على بؤساء؛ رغيفان او ثلاث خبز يومه يتبرع بها بعض عابرين مع عبارة صنو صلاة “صبحناك”..!

شديد الوقع تشرين، رمادية سماؤه، ان جف ضرعه انحنى الشجر المبارك “الزيتون” لومآ، صارت حبته ضئيلة الحجم شحيحة الزيت.. بقي اللون ذهبي الخضرة بخوري الرائحة كوراني الاصل، في قلة الانتاج تساوٍ مع قدرة عيش اهل البلد، ولا عتب فالطبيعة قرار لحزن لا قِرار له..
شديد الوقع تشرين في نهاياته ذكرى استقلال وطن، لطالما هَلَّ غاض الطرف غصبآ لا آتٍ بفعله.. في فساد ساكني قصوره رديفة مرابع باريسية ومسؤولي دوائره إغتصاب عدل نكس بواجب أنقص قَدْرَه.. ان تطرفت شمسه دنا شفير مغيب وهو دائم.. ارجواني الافق على ميل نزف دموي نتاج مغالاة سياسية وطائفية ومذهبية او فكرية على ارتهان ايديولوجيا لا سمو مباديء وعلو دستور..!

شديد الوقع تشرين، له “ارفعوا العلم” عبارة امر وفعل صرخة بحجم الشرف تسمع على صبح جيش لامست جباه جنوده نور الشمس تحبو على جدران ثكنات علت وغَلَت بالتضحيات.. انهم خصب الارض وبذارها المقدسة.. سادة السماء والماء والهواء.. هم الامل وبهم روعة الصبر وجبر الخاطر.. بائِسُ الجسر دون تسمية على محياه بسمة تجهد للظهور..! غرس عصا العلم بجانب صحن الصدقات، فرح لحظة او استئناس بقماش من نسج وفاء.. من يعتقد ان الشعب اللبناني فقد الرجاء عليه ان يستيقظ ويعتذر من الشهداء…!

بيروت في 22.11.2021