سوريا “رملٌ وموت”…

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي*

” لا أُريد ألبَقاء في سُوريا إلى ألأبَد ،، إنَها رَملٌ و مَوت “… عِبارة نَطَقَ بِها ألرئيس ألأميركي دونالد ترامب ألأسبوع ألماضي ، مُكَرِرآ و مُؤكِدَآ عَزمَه على سَحْبِ قواتِه ألعَسكريَة مِن سوريا ..!

يَعتَبِر ألرئيس ترامب أنَ لا مَصلَحَة لِبلاده بأن تَتواجد و تُقاتِل في سوريا و أفغانستان طالَما يوجَد قِوى إقليمية حَليفَة تَستَطيع ألقيام بِنَفس ألمُهمة و ألدَور ،، و على هَذِه ألقَناعة سَتَنسَحِب القوات ألأميركية و إن جَرى “تَبْطِيء إنسْحابها” بِهدَف إمتِصاص غَضَب مُعارِضي ألقَرار مِن أعْضاء ألكونغرس و مَسؤولي ألإدارة كَذلِك من ألحُلَفاء “إسرائيل ، ألأوروبيين ، ألأكراد ، دول ألخليج ..”

بألمُقابِل ،، يَعتَبِر ألرَئيس ألروسي فلاديمير بوتين أنَ سُقوط ألإتحاد ألسوفياتي في ألقَرن ألماضي كانَ أكبَر كارِثَة جيو إستراتيجية في ألعَالَم ..
مِن هذا ألمُنْطَلَق حَدَد ديناميَات Dynamics ألمُناورة و ألتَوازن على الساحَة السورية و ألتي تُديرُها و تُنَفذُها ألقيادة ألعسكرية ألروسية و دَوائِر ألخارجية بِكَفاءة بِصِفَتها ألقُوَة ألمُديرَة Managing Power وَ ذَلِكَ وِفقَآ لما يلي :
حَافَظَت روسيا على بَقاء ألدَولَة ألسورية و إستمراريَتَها و صُمودَها .. و هي تَرعَى ألوجود ألإيراني و حزب الله في ألمَيدان ألسوري كَحَليفَينِ أساسيينِ مع الحِفاظ على هامِش بِعُمق 80 Km بَعيدَآ عَن خَط ألفَصل على جَبهَة ألجولان مع ألعدو ألإسرائيلي ..
من جهةٍ أخرى ،، أبقَت خَط ألتواصُل مَفتوحَآ مع إسرائيل خاصةً بعد أن رَسَمت لها قواعِد إشتباك جَوية مُحددة لا يُمكِن أن تَتَجاوزها بوجود مَظَلَة صواريخ S-300 و S-400 وَ ذَلِكَ إثْرَ حادِث إسقاط طائرة Ilyushin Il-28 ألملقبة Beagle “كَلب ألصَيد” لدى حلف شمال ألأطلسي NATO ..

عَلَى ألصَعيد ألتُركي تَمَكَنت من أستيعاب ألسلطان ألعُثماني و إستمالَتِه فهي خشبة ألخَلاص ، تُحَدد لَه “مَنطِقَة ألسَماح” Allowing Area ألتي يُمكنه دُخولَها عَسكَريآ “مُراعاةً لِمَصالِحِه و حِفظآ لِماء وَجهه”، وَ حَجم و نِطاق مَسرَح ألعَمَليات لِقواتِه ،، (عَمَليَة دِرع ألفُرات) مَثلآ ،، كَما أنَها تَترُك لَهُ حُريَة ألإشتِباك ألعَسكَري ألغَير مُباشر مع حَليفَته واشنطن عَبرَ ضَرب ألقِوى ألكُردية ألحَليفَة لهذه ألأخيرة أيضَآ ..
في سِياقٍ مُتَصِل ،، سَهَلَت ألخُروج ألأميركي مِن سوريا و أمَنَت ألمَخرَج ألمُلائم للرئيس ترامب في تَنْفيذ قَرار سَحب قُواتِه و بالتالي إعتِرافِه بِألنُفوذ و ألتَواجد ألشَرعي لِلقوات ألروسية في سوريا بِصِفَتها ألضَامِن للأَمن ألإقليمي ..
بِألتَزامُن ،، دَفَعَت ألقوى ألعَسكَريَة ألكُردية “وَحَدات حِماية ألشَعب و قوات سوريا ألديمقراطية” لِلعَودَة إلى حُضن ألدَولَة ألسوريَة تَلافيآ لِضَربات ألمِطرَقَة ألتركية ،، مع ألإشارة إلى أنَ ألأكراد و َبِتَحريضٍ و دَعمٍ عَسكريٍ مُباشَر مِن ألقوات ألأميركيَة أنشَأوا في بِداية ألحَرب ألسورية ما سُمِيَ “منطقة ألإدارة ألكُردية” في ألشَمال و ألشَمال ألشَرقي – مُحافَظات ألحَسَكة و دَير ألزور و ألرَقَة – و هذه ألمَناطِق سَوفَ تَعود تحت ألعَلَم ألسوري كَدَولَة مَركٍزيَة موَحَدَة ..

هَذِه ألدينَاميات صَبَت في ألإستراتيجية ألجيو سياسية ألتي أعتَمٍدَها ألرئيس ألروسي بوتين ألقائِمَة عَلى ضَمانِ ألتَواجُد ألعَسكَري ألروسي في ألمِياه ألدافِئَة ألمُتَوَسطيَة ، ألسَيطَرَة ألروسية عَلى ألإقليم -ألمَدى ألحَيَوي- الَذي يُعتَبَر جِزءآ لا يَتَجَزأ من أوراسيا ، تأمين مَصالِح روسيا ألإقتصادية و ألتِجارية و أخيرَآ تثبيت مُعادَلَة ثُلاثية ألأقطاب “أميركا ، روسيا ، ألصين” في قيادَة ألكَوكَب و إسقاط نِظام ألإحاديَة ألقُطبية ..

من جِهَةٍ ثانيَة و في إطار سياسَة ألتَخَبُط ألمَدروس “ألترامبية” ألمُثيرَة لِلغُبار و ألنِقاش بَين “مَن مَع و مَن ضِد”،، مَن يَستَقيل و يَرحَل و مَن يَبقَى و يَلتزم ، ألتي يَعتَمِدُها ألرئيس ترامب ،، وَصَلَ مُستَشار ألأمن ألقَومي ألأميركي جون بولتون إلى إسرائيل يَوْمَ أمس ضِمنَ جَولَته على بَعض دول ألمنطقة ألمَعنيَة بِألشَأن ألسوري و بِمُحارَبة تَنظيم ألدَولَة ألإسلامية بِهَدَف تَوزيع “رَسائل ألتَطمين” عَلى ألحُلَفاء و هي مُسكِنات مِن نَوع ( تَبْطِيء ألإنسِحاب ) مُفرَدَة جَديدَة في ألقاموس العسكري ..!! و أثر لِقاءِهِ رئيس وزراء ألعَدو نتنياهو صَرَح ألمُستشار بولتون أنَ “واشنطن لا تَرغَب بأي تَحَرُك عَسكَري تُركي في سوريا بدون التَنسيق مَعها”..
لَم يَكُن مُفاجِئَآ رَد ألفِعل ألتُركي ألسَريع ،، إذ عَبَرَ ألرئيس أردوغان بِلَهجَةٍ قاسيَة عَن رَفضِه مَا أدلى بِه مُستشار الأمن القومي الأمريكي بِشَأن حِمايَة الأكراد في سوريا قائلآ : “رُغْمَ الاتفاق الواضِح مع الرئيس دونالد ترامب إلا أنَ عَناصِر في الإدارة الأمريكية تَقول أمورآ مُختَلِفة”،، مؤكِدَآ عَدَم إستعدادِه لِتَقديم أيَة تنازُلات أو تَطمينات بِخُصوص سَلامَة ألأكراد و ألوَحَدات ألكُرديَة ألتي يَعتَبِرُها مُنَظَمات إرهابيَة ..
لَكِنَ ألمُفاجيء هوَ رَفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لِقاء بولتون ألذي غادرَ تركيا “بِخُفَي حَنين”مُكتَفيآ بِلِقاءٍ يٍتيم عُقِد أليَوم ألثلاثاء مع المُتَحدِث بِإسم الرئاسة ألتُركية و ألمُساعِد لِلشؤون السياسية إبراهيم قالن ..

إستِطرادَآ ، تابَعَ ألجَيش آلتُركي دَعمَهُ تَنظيم هيئة تَحرير ألشام “جَبهَة ألنُصرَة سابِقَآ” بُغْيَة تَمكينِها مِن ألسَيطَرة على مَدينَة إدلِب ، رُغْمَ أن واشنطن تَعتَبِرُها مُنَظَمَة إرهابيَة ، بألتوازي واصَلَ أردوغان هُجومَه على أداء و تَصريحَات مْستشار ألأمن ألقومي مُعلِنآ في كَلِمَةٍ لَه أمس الثلاثاء أمام الكِتلة البَرلمانيَة لِحزب العَدالة والتَنمية الحاكِم في البَرلمان التركي “أننا أكمَلنا استِعداداتنا العَسكرية و نَحنُ مُصَمِمون على إتِخاذ خُطوات بِشأن وَحَدات حِماية الشَعب ، سَوفَ نَتَحَرك قَريبآ لِلقَضاء عَلى الجَماعات الإرهابيَة في سوريا” ذَلِكَ عَلى حَدِ تَعبيرِه ..

بألرُغْمَ مِن تَآكُل ألدَور ألأميركي مِنَ ألبَديهي إعتِبار أردوغان ألرئيس ترامب مَرجَعيَة ألقَرار ألسياسي ألأميركي و عَلى هَذا ألأساس تَمَكَن مِن قَنْص بولتون على وَقعِ تَصريحاتِه مِما سَيدفَع ترامب لِلثَبات على مَوقِفِه و ما أتُفِقَ عَليه بَينَهُما حَولَ ألأكراد خِلال مُكالَمَتِهما ألهاتِفيَة ألأخيرة تاليَآ ..

في حَمأة مَا يَجري ،، أتَت زيارَة ألرئيس ألسوداني عمر ألبشير إلى سوريا مُؤَخَرآ مُؤشِرَآ بالِغ ألدَلالة على ألوَضع ألسوري و إنتِصار ألدولة و بداية نِهاية ألأزمة ، كَما إستُكمِلَ ألمَشهَد بِعَودَة و إفتِتاح سَفارة دَولة ألإمارات ألعربية ألمُتحدة في دمشق مِما سَيُرَتِب تَاليَآ عَودَة سوريا إلى عُضويَتها ألمُعَلَقة في جامعة ألدول ألعربية و هذا قَرارٌ مُنتَظَرٌ صُدورَهُ أليَوم ألأربِعاء خِلال إجتماع مَجلِس ألمَندوبين ..

سوريا “رَملٌ وَ مَوت” بِنَظَر ألرئيس ترامب “عَن غَير إقتناع” ،، بِألرُغم من عَدَد ألضَحايا و ألجَرحى و ألمُعَوَقين إضافَةً إلى حَجمِ ألدمار ألهائل ألذي أصابَ حَواضِرها و بُناها ألفوقيةِ وَ ألتَحتيَة فَهِيَ أليَوم دَخَلَت مَرحَلة بِدايَة نِهاية ألحَرب ،، لِذَلَك و بَعيدَآ عَن “صِراع ألرَغَبات” و دُونَ كَيديَة أو عُنصُريَة يَجِب ألبِدء بِتَبديد ألضَباب أللبناني-ألسوري و بِالتالي ألدَفع بإتجاه مُعالَجَة دِبلوماسية و حُكوميَة مَسؤولة هادِفَة لِإنهاء مَلَف عَودَة ألنازِحين ألسوريين بألتَنسيق مَع ألأمَم ألمُتَحِدة و ألمُنٍظٍمات ألدَوليَة و ضِمنَ إطار ألمُبادَرَة ألروسية ، هَذا ألأمر يَجِب أن يَكون ألبَند ألأوَل عَلى جَدوَل ألحُكومَة ألجَديدَة فِعلآ لا قَولآ ،، فَمَصلَحَة لُبنان ألْوَطَن وَ ألكَيان فَوقَ كُلِ إعتِبار ..

*عميد،كاتب و باحث.