سرقة وطن …

 

بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*

وطن يرمى به على قارعة العالم .. لا داعٍ لشرح ما جرى، ما أفتُعِل به وما ارتكب بحقه .. كما لا حاجة لوصف مآسيه وشرح معاناة شعبه وآلامه فكل الدنيا دولآ و شعوبآ و قبائل باتت تعرف تفاصيل الوقائع ، انها قصص تروى الف ليلة و ليلة عن وطن نُكِب و إبتلى .. اما ضرورة المقال فليست لاعتياد الكتابة او ادمان مجالسة الورق و القلم رغم سلاسة إستنشاق أريج الحبر الليلكي على فنجان القهوة الصباحي ..! بل هو التفكر البراغماتي المعتاد في الحال و المآل، ما يلزم أو يفرض تسطير العبارات تترى لا إراديآ “فشة خلق” قد تنسي كوابيس الليل ..

أهل البلد يسألون عن القادم مِن الايام..؟ و عن حكومة المهام..؟ عن التحقيقات في كارثة الانفجار المهول وتدمير نصف المدينة..؟ عن حقوق الشهداء والجرحى..؟ عن عقم ملفات فساد لم تعثر على جاني..؟ عن استعادة الاموال المنهوبة ورفع السرية المصرفية..؟ يبحثون عن اموال تبخرت في المصارف..؟ يَسألون عن الوباء واعداد الضحايا والاصابات وموعد اللقاحات وعن الكثير الكثير ..؟ ويبقى الجواب واحدآ في قوله تعالى “الله يستهزيء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون”..!

في التوجس من طول عمر الازمة الحكومية، يبدو ان ادارة البلد بالحد الادنى ستبقى على عاتق حكومة تصريف الاعمال الى اجل غير مسمى، والخشية من عدمها سيان. اذ طالما ان جزءآ كبيرآ من اطراف الصراع السياسي المحليين باقين في خانة الولاء الارادي المرغوب للخارج والجزء الآخر في حالة الارتهان القسري المفروض، فقد تبقى الامور في حالة النِكاف السلبي الى نهاية العهد الحالي، اللهم ان لم يحدث ما لم يكن بالحسبان ..!
لا احد منهم خارج من مسامير هذا الصليب.. بين من يتصل اولآ بالآخر، أصعود إرادي الى قصر الشعب أو دعوة من ساكنه.؟ فرملت لا بل أسقطت مبادرة الكاردينال بشارة الراعي، دون اي وازع ديني او اخلاقي ودنيوي، تاليآ دون احترام لوصايا نطق بها امام المذبح بشهادة المؤمنين.

كذلك في تناتش معيب ليس وقته بين صلاحيات قيل استعيدت وهي لم تعد تغني او تسمن من جوع ابناء الطائفة، واعلان زعيم الطائفة الاخرى تمسكه بصلاحيات المنصب في حين ان اهل المنتمين اليها يئنون من جوع مخيف فضلوا عليه الموت بالجائحة، “شحتار” اسود يتصاعد في ليل طرابلس البهيم من اطارات تحرق، هواء بارد ثقيل ولا من يبالي..
من جهة أخرى؛ بدا انسداد الافق امام الولوج الى الحلول المالية، المصرفية وبالتالي الاقتصادية أمرآ صعب المنال ان لم نقل بحاجة لمعجزة، وذلك بعد استدعاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى مكتب النائب العام التمييزي غسان عويدات، لاستيضاحه في نقاط محددة تتعلق بتحويل مبالغ مالية بالعملة الخضراء الى مصارف زوريخ، وفق كتاب القضاء السويسري على ما اعلن.

انها ذروة الفضيحة ان صحت فهو الحاكم وهو رئيس هيئة التحقيق الخاصة في آن معآ، كما ان الشبهات حول اداءه في الحاكمية بات أمرآ اكثر من مثير للريبة، في ادنى درجاته الجرمية استغلال منصبه و الاثراء غير المشروع، اما يقين البراءة و عبر  الاثبات فمتروك للقضاء السويسري. و تبقى الايام القادمة حبلى بالاحداث المتوقعة لا بالمفاجآت، على قول المثل الشعبي “لا دخان دون نار”..! تاليآ، يبدو ان الاموال المشبوهة في منبعها المصارف اللبنانية مقدرة بالمليارات على جزم غير مردود بحدود 3 مليار دولار، في حين ان تحويلات الحاكم للمبلغ المعلن 400 مليون دولار امر من السهولة بيان مسلكه مصدرآ و مصبآ. “لا تأت أمراً لا ترجّى تمامه ••• ولا موردا ما لم تجد حسن مصدر” ج.خ.ج..

توازيآ؛ المبادرة الفرنسية انحدر الرهان عليها من قدرة الدفع نحو حل انقاذي شامل بعد انفجار “الامونيوم” الى درجة مصالحات قد يعول عليها بين تيار المستقبل و الحزب التقدمي الاشتراكي من جهة و حزب القوات اللبنانية من اخرى. اما مواجهة العهد بجبهة معارضة دعا الى تأليفها الدكتور سمير جعجع في اهدافها اعادة تكوين السلطتين التنفيذية و التشريعية عبر اجراء انتخابات نيابية مبكرة، فأمر مستحيل التحقيق على حبل تجاذب سياسي محلي مشدود الاطراف في انعكاس لخلفية صراع استراتيجيات على مستوى الاقليم، مما يعني انه اطلاق شعار لا اكثر لمرحلة آنية، قابل للاستثمار في استحقاقات قادمة ..
هذه الاستحقاقات بدءآ بالانتخابات النيابية و البلدية ثم انتخابات رئاسة الجمهورية ستدخل في مجموعها قفص المراوحة، و ستتجاوز توقيتها المحدد الى تمديد طويل الامد يزيد حالة الاهتراء .. مما يعني ان الفراغ سيكون ورقة على طاولة المساومات لا المفاوضات..

في طوباوية المطران الراعي، “ان الدستور وضع للتطبيق لا للسجال، و هو مصدر اتفاق لا خلاف”. لكن لم يسهو عن بال غبطته ان يعلن ان الامور مرهونة بالاشخاص و نزاهتهم و اخلاصهم للوطن كما ابتعادهم عن المصالح الشخصية ربما رفقآ بهم او ترفقآ ..

في سياق متصل؛ لا تزال جائحة COVID-19 مصدر تحدي في نجاح الحلول و المعالجات لحكومة الرئيس حسان دياب، اذ ان اعداد المصابين و الضحايا في ازدياد مضطرد، لم تعد تنفع ملامة او تحميل مسؤوليات، في السمة البارزة للموجة الثالثة دخولها مرحلة الاتجار بارواح الناس عبر استثمار في ادوية و مستلزمات طبية و تأمين اسرة وغرف عناية فائقة. أما ألأوكسيجين فمادة نادرة لكل سائل او محروم، مع ألأسف..! اما اللقاحات فهي مضادة للوباء لا للفساد فستكون علامة فارقة ان احسن ادارتها ..!

استطرادآ في ظل كل هذه التباينات السياسية و المصلحية، والغوغائية الطائفية و المشكلات ان لم نقل الخيانات. كما الظلم و البؤس العميم، لم يعد امرآ منطقيآ لجوء المواطنين او ما تبقى من ميسورين الى شركات التأمين على الحياة، طالما ان سرقة الوطن امر تحقق إذ لا تأمين عليه، لم يعد قابلآ للحياة، بعد ان سقطت اسس بنيانه و امانه السياسية، المالية و المصرفية، الاقتصادية، الاجتماعية و الصحية…

ختامآ؛ يقول الفيلسوف ألإلماني “إيمانويل كانت” : «إني أسمع من كل مكان صوتاً ينادي لا تفكر .. رجل الدين يقول لا تفكر بل آمن، ورجل الإقتصاد يقول لا تفكر بل إدفع، ورجل السياسة يقول لا تفكر بل نفذ .. ولكن فكر بنفسك وقف على قدميك إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكني أعلمك كيف تتفلسف.»..!

———————

بيروت في 26.01.2021