رسالة؟ أم وساطة..؟

 

 

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي*


بين ألعشرين من شهر أيار ألماضي تاريخ ألزيارة ألأولى و حتى السابع و العشرين من تموز ألحالي ، حَفَلت منطقة الخليج الفارسي و بحر عُمان بتطورات سياسية و عسكرية وصلت إلى شفير حرب اميركية إيرانية انتظر كُثُر من دول المنطقة نشوبها و على رأسهم الكيان الصهيوني ، زامنتها مساعٍ ديبلوماسية بدأت حراكها من ألأرخبيل الياباني وصولآ إلى ألقارة ألعجوز أوروبا صبت جميعها أو سعت الى خفض التصعيد و البحث عن حلول ألحد ألأدنى دون جدوى ..
و إذ أتَت ألثماني و ألأربعين ساعة لزيارته الأخيرة التي قضاها وزير الدولة ألعماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي في العاصمة الإيرانية طهران كافية لتحريك مياه الخليج الفارسي الراكدة على جمر المواجهة إلا أنها تعتبر أيضآ حدثآ ذو أهمية سواء في نوعيته أو مضامينه يختلف مؤكدآ عن رفض استلام ألرئيس الإيراني حسن روحاني رسائل نظيره الاميركي دونالد ترامب التي حملها إليه رئيس الحكومة اليابانية “شينزو آبي” Shinzo Abe ، كذلك لا يتساوى ألحَدث مع زيارتي كل من وزير الخارجية ألفدرالي الألماني “هايكو ماس” Heiko Mass ثم كبير مستشاري ألإليزيه “إيمانويل بون” Emmanuel Bonne طهران و ذلك لما للسلطنة ألعمانية من تاريخ في ديبلوماسية مشهود لها حياديتها و صمتها كذلك سعيها ألمتواصل لمصالحات بين ألأشقاء ألخليجيين و إصلاح ذات البين بينهم ..
إستراتيجيآ ، تمتاز السلطنة بعلاقاتها ألجيدة مع جارتها الجمهورية الإسلامية سواء على ألصعيد ألجيو سياسي أو ألصُعُد ألأخرى الاقتصادية ، التجارية و الأمنية حافظت عليها على مر عقود ، فهما يتقاسمان جُغرافيَآ ضفتي مضيق هرمز الاستراتيجي بألإضافة إلى أن عُمان في ألمفاضلة و المقارنة تتقدم على الجميع إذ أن رب ألبيت أدرى بما هو فيه ..

من جهة أخرى ، لم تُضفِ لقاءات وزير الخارجية العماني ألتي شملت نظيره الإيراني محمد جواد ظريف و أمين المجلس ألأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ثُم الرئيس الإيراني حسن روحاني مسحة ألتفاؤل أو ألتشاؤم على ملامح الرجل ، بدا وجهه يحمل جدية لافتة آمِلَة مقتنعة بالدور و القدرة ، إذ ما زالت العاصمة الإيرانية ألجارة ألمميزة دون انتقاص من مروحة علاقات ديبلوماسية عُمانية واسعة دولية و إقليمية من ضمنها تل أبيب ..

يعلم الوزير بن علوي منذ ما قبل إقلاع طائرته من مدرج مطار مسقط ألدولي : أن الجواب الإيراني واحد لزوار طهران جميعهم “لا جلوس على طاولة المفاوضات قبل رفع العقوبات – لا وقف لنسب تخصيب اليورانيوم قبل التزام الاتحاد الأوروبي ما خصه من مقررات الاتفاق النووي”..
بألتالي فأن مهمته ليست سهلة في ظل رياح حارة بمعظمها تهب على ألإقليم من جهات الكوكب ألأربع ، بألمقابل فَألنتائج لن تكون بدرجة صفر إستنادآ لمبدأ “لا مستحيل في السياسة” إذ ليس من عدو أو صديق دائم بل ألبراغماتية تحكُم ..
في نفس ألسياق ، و قبل هبوط طائرته على مدرج مطار طهران ألدولي ، مقتنعة ألقيادة ألايرانية أن ملفات الوزير ألعُماني و ألوفد ألنوعي ألمرافق تتضمن أكثر من تبادل أو إستعادة ناقلة نفط محتجزة لهذا الفريق أو أخرى لِذاك ، هي أوراق أقل من وساطة و أكبر من رسائل و في ألحالتين فإن إمكانية تحولها إلى أجندة شفافة البنود و دقيقة الالتزامات أمر غير مستبعد ..

من ألواضح أن تمديد زيارة ألوزير العماني 24 ساعة إضافية مؤشر على إتساع ألحوار حول مطالب ثلاثية ألأبعاد متناسقة ألبنود أميركية ، بريطانية ، سعودية .! لكنها مختلفة ألأهداف رغم عدم ألتضارب فَ أميركيآ ؛ تعديل الاتفاق 5+1 ضمن كيدية واضحة لسياسة ألرئيس الاميركي ألسابق “باراك أوباما”، منع طهران من حيازة السلاح النووي و تقليم أظافرها ألباليستية ، لملمة ما أمكن من أموال دول الخليج النفطية و رهن إستثماراتها على المدى ألمتوسط .. بريطانيآ ؛سلوك ألمنحى ألأميركي في ألمصالح إضافة إلى وقف حرب الناقلات .. سعوديآ ؛ فرملة ألهيمنة ألإيرانية ألسياسية و ألعسكرية
على الإقليم أو ألتدخل في شؤون الدول العربية و تأليب شعوبها و ذلك عبر لي أذرعها العسكرية
و ألميليشيات ألحليفة ..

ألمحاولة ألديبلوماسية ألعمانية إذن هي تحديد بوابات ألولوج إلى إتفاقات جذرية ما دونها صعوبات
و عقبات هائلة تبدأ بألقضية ألفلسطينية و صَفقة ألقَرن و لا تنتهي برسم الخريطة ألجيوسياسية للإقليم .. من هذا المنطلق تشير أوساط عُمانية مقربة الى ان سلسلة اتصالات هاتفية بين ألسلطان قابوس و وزير الخارجية الاميركية بومبيو سبقت ألتحرك و أدت إلى إقتناع واشنطن بمحاولة مَسقَط دفع طهران إلى طاولة المفاوضات مقابل رفع جزء من العقوبات ألأميركية و هو ما ترفضه ألأخيرة
حتى ألآن مطالبةً بإلغاء جميع العقوبات ..

بألتوازي ، تعتبر طهران ألمبادرة ألعمانية إيجابية بألمطلق متوازنة و ضمن ألمدى ألسياسي ألحيوي ،
أما حياكتها بتؤدة بِساط ألمواقف و شبكة ألعلاقات و ألمصالح فقد أمنت لها هامش ألمناورة المناسب للتعامل مع أية وساطة ، فهي تنظر إلى ألتدخل و ألحراك ألأوروبي “ناقص بريطانيا” كصمام أمان مانع للصدام ألعسكري ، كما ترى في ألدور ألروسي و أداء ألرئيس بوتين مظلة واقية من اللهب الاميركي عند ألإقتضاء كونه سيطال ألمتطقة إذا أشتعل أو أُشْعِل ..

خِتامَآ ، لا شك أن طريق ألمواجهة ألديبلوماسية طويل و الزيارة وقت مستقطع لتلمس ألحلول ألممكنة ، أما تصريح وزير ألخارجية ألعمانية يوسف بن علوي أثر إنتهاء المحادثات و ألمتضمن :
” أن ألأمن ألمستدام و ألحقيقي لن يستتب في ألمنطقة من دون إيران ” فهو بوصلة ألطريق .!

*عَميد كاتِب و باحِث.

بيروت في 30.07.2019