ربيع الجزائر ..!

 

بقلم ألْعَميد منذر ألأيوبي*

لم يَنزِل ألأمر “بَردآ و سَلامآ” على ألشَعب ألجزائري ..!! فَبِمُجرد إعلان ألحِزب ألحاكِم جَبهة التَحرير الوطَني ألجزائرية خلال شَهر شباط ألماضي تَرشيح ألرَئيس ألحالي عَبد ألعزيز بوتفليقة لولاية رئاسيَة خامِسَة حَتى سَارَعَت جُموع ألمواطنين و ألشَرائِح ألشَعبية ألمُتَعَدِدة من “أحزاب، نقابات، طلاب، موظفين، محدودي ألدخل”إلخ… بِألنُزول إلى ألشَوارع وَ ألسَاحات في تَظاهُرات و إعتِصامات سِلميَة شَمَلت ألعاصِمة و مُعظَم ألمُدن ألرئيسية مُعَبِرين عَن غَضبهم و رَفضهم و إستِنكارهم هَذا ألأمر مُطالبين بألتَغيير ،، و قَد سَاهَم في تَحفيز هذِه ألتَحرُكات و ألإحتِجاجات وَسائِل ألإعلام و ألتَواصُل ألإجتِماعي “دونَ تَبرِئَة أجهِزَة مُخابرات إقليمية”
أو إستِبعادَها عَن ألحَدَث …

في ألمُقابِل إرتَدَ إعلان ألتَرَشُح على ألدَولة ألعَميقَة رياحَآ ساخِنَة تَلفَح جنرالات ألمَجموعَة ألعَسكريَة ألأوليغارشيَّة Oligarchy- حُكم ألأقليَة و تُهَدِد بإنحسارِه ،، بَعد زمَنٍ طَويلٍ مَضى كانَت فيه ألمؤسَسة العَسكرية مُمسِكََةً بِمقاليد ألدَولَة بِصورَة مُقَنَعَة ،، إلى أن طَفَت ألأمور على ألسَطح واضِحَةً دونَ لُبْسٍ مُنذُ بِدايات ألعُهدَة ألرابعة للرئيس “بوتفليقة” و غيابِه أو عَدم قُدرته على مُمارسة دَوره بِإبتِعادِه عَن ألحَياة ألسياسية إلا ما نَدَر على خَلفيَة وَضعُهُ ألصُحي ألمُتراجع …

مِن ناحيَةٍ أُخرى ،، تُعتَبَر ألثَورة ألجزائرية مُنْذُ سِتينيات ألقَرن ألماضي مِثالآ لِنِضال الشُعوب ألعَرَبية في سَعيها لِلتَحَرُر ،، فَقَد تَمَكَنَت ألجَزائر
مِن نَيلِ إستقلالها ألناجِز عن ألمُستَعْمِر ألفرنسي بَعدَ سُقوط أكثَر مِن مَليون شَهيد لَكِن “ألرياح لم تجرِ بِما تشتهي ألسُفن” ،، إذ لم تَستَطِع ألدولة ألوَليدَة سُلوك طَريق ألديموقراطية ألبَرٍلمانية بِسَلاسَة فَتَوارَت ألأحزاب ألسياسية بَينما أخَذَ نِظام ألحُكم ألمَنْحَى ألإشتراكي بِدايَةً “جمهورية اشتراكية ديمقراطية شعبية” ،، ثُمَ إتجَهَ ألواقِع ألسياسي فعليَآ نَحوَ إمسَاك ألجَيش بِمُعظٍم مَفاصِل ألدَولَة و إداراتِها ألأمْر ألذي أوجَدَ تاليَآ طَبَقَة مُمَيزة مَحظيَّة تُدير مُعظَم ثَروات البِلاد و مُقَدَرَاتِها تُدين بِولائها لِلمَجموعَة ألعَسكرية ألحاكِمَة ..

في سِياقٍ مُتَصِل ،، وَ بَعْدَ عِدَة أسابيع مِن ألحِراك ألمَدَني و إرتِفاع أعداد ألمُتَظاهرين إضافَةً إلى مُشارِكة نَوعيَة مِن شَخصيات ذات رَمزية تَحظى بِتَقْدير ألشَعب ألجزائري في ألتَظاهرات كالمُناضِلة “جميلة بوحيرد”،، رَضَخَ “بوتفليقة” الذي يَحكُم البلاد منذ 20 عاما لِمَطالِب ألعامَّة ،، مؤكِدآ أنَهُ لَن يَتَرشح لولاية خامسة ، لَكنه لم يَتَنَحى على الفَور بَل أعلَن بَقاءَهُ في مَنصِبه إلى حين صياغَة ألدُستور ألجَديد بِمَعنى تَمديد فَترَة ولايتِه الحاليَة مِما فاقٍمَ حَجم و ضَراوَة ألإحتِجاجات ..

أتى ألرَد صَاعِقآ من من عُقْرِ دار ألرئيس ،، فَفي وَقْتٍ باتَت فيه ألخلافات و ألإنقسامات تَعْصُف بألحِزب ألحاكِم ، سُجِلَ تَطَورٌ غَير مَسبوق في أَبْعَادِه و إنعِكاساتِه ،، إذ و بَعد نحو شهر من الاحتجاجات الجماهيرية تَنَصَلَ “حسين خلدون” الناطِق الرَسمي الجَديد لِحزب جَبهة التَحرير الوَطني مِما وَصَفَهُ ألأخطاء ألجَسيمَّة لِلنظام ،، مُعْلِنَآ وُقوف الجَبهة مع الحِرَاك الشَعبي مُشَدِدآ
و مُوجِزَآ مَوقِفها بِعِبارَة : “ألحِزب مع ألشَعب و مَع ألسيادَة ألشَعبية”..
تَبِعَهُ إنضِمام حِزب التَجمُع الوَطَني الديمُقراطي ألعُضو في الائتِلاف الحُكومي إلى قادَة الحِزب الحاكم و ألنَقابات ألعُمالية و رِجال ألأعمَال في التَخَلي عَن ألرَئيس ..

بِألتَزامُن ،، و في خطوة مَحمودَة و مُحتَضِنة لِمطالِب ألجَماهير أعلَنَ ألفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجَيش الشَعبي الوَطني
وَ وَزير الدِفاع الجزائري أن ألجزائريين “عَبَروا عَن أهدافٍ نَبيلة” و عَلى هَذا ألأساس فألجَيش يَنأى بِنَفسِه عَن ألأزمَة ،، مما يَعني بألتالي تَخليهِ أيضَآ عَن شَقيق ألرئيس “سَعيد بوتفليقة” ألحاكِم مِن خَلف ألسِتار ..

إلى أين سَتسير ألأمور ..؟؟ هَل مِن حِوارٍ في ألأُفُق و مَن سَيُديرَه ..؟؟ هَل هُنالك إحتِمال ألإنزِلاق نَحو حَربٍ أهلية ..؟؟ هِيَ أسئلةٌ تُطرَح ..!

ألحِوار بَاتَ أمرَآ مُلِحآ بين ألسُلطة و ألمتظاهرين لِلخروج من ألنَفَق ،، فَٰ حَتى تاريخ 18 نيسان مَوعِد ألإنتِخابات ألرئاسية سَتٍمُر ألأيام ثَقيلَة ألوَطأة في حال بَقيَ “بوتفليقة” مُصِرَآ على مَوقِفِه بِوَضع دُستور جَديد و مِن ثُمَ إجراء إنتِخابات رئاسيَة قَبلَ مُغادَرَتِه ألحُكم ، و بِألتالي تُصبِح كُل ألإحتِمالات وارِدَة ،، كَما أنَ خُروج ألرَئيس مِن ألحُكم بإنتِهاء ولايَته في 28 نيسان دونَ تَمَكُن “ألندوة ألوطنية” ألتي شُُكِلَت مؤَخَرآ مِن صياغَة دُستور جَديد و إنتِخاب رَئيس آخَر سَيَدفَع ألوَضع في ألبِلاد نَحْوَ طَريقٍ مَسدود و فَراغٍ قاتِل وَ بألتالي ألفَوضى ..
مِن هُنا يَبدو ِوفقَ ألمُعطيات ألُمتوفِرة لَدينا آنيَآ أن أللواء” بشير طرطاق” رئيس ألمديريات ألأمنية ألمُستَحدَثة ألثَلاث ( ألأمن ألداخلي-ألتوثيق و ألأمن ألخارجي-ألإستعلام ألتقني ) سَيلعَب دَورَآ بارِزآ في رَسم ألمَشْهَد خِلال ألإستِحقاقات ألقادِمَة و صِناعة ألرئيس ألجَديد .. إستِطرادَآ لَن يُسْمَح بِأي تَفلُت أمني قََد يَكون مُتنتَظَرَآ مِن “ألجبهة ألإسلامية لِلإنقاذ ألجزائرية” ألمَحْظورَة و أفرِقاء كُثُر بُغيَة دَفع ألبِلاد نَحوَ حَربٍ أهليَة ..

بألتَوازي ،، وَ مِن ضِمن تَعاظُم ألدَور ألروسي في ألمَغرِب ألعَرَبي ،، دَخَلَت موسكو على خَط ألأزمة ألجزائرية تُراقِب ألأحداث بإهتِمامٍ كَبير ،، فَألعَلاقات بينَ ألبَلَدين وَطيدَة مُنذُ ألإستقلال و مَجالات ألتَعاون و ألإستِثمار واسِعَة جدآ وَ مُتَشَعِبَة سَواءً على ألصَعيد ألنَفطي أو ألإقتصادي أو ألعَسكري كما أنَ إتفاقيَة ألشٍراكَة ألإستراتيجيَة ألمُوَقَعة عام 2001 بَين ألرئيسين بوتين و بوتفليقة تَرعَى علاقاتِهِما ، حَيثُ وَصَفَت المُتَحَدِثّة بِإسم الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” إحتجاجات الجزائر بأنها “شأنٌ داخليٌ لِدولَةٍ صَديقة لموسكو” وَ أعرَبَت عَن أمَلِها في استِمْرار حَل المَشاكِل “بِشَكل بنّاء وَ مَسؤول عَن طريق الحِوار الوطني الشامِل”،، قاطِعَةً ألطَريق أمام أي تَدَخُل فَرَنسي قد يُفاقِم ألوَضع ..

خِتامَآ ،، وَ بإنتظار ألعُبور إلى مَوعِد ألإنتخابات ألرئاسيَة يَبدو أنَ رَبيع ألجَزائر أتى مُتأخِرآ عَن باقي ألدول ألعربية لَكِن أفضَل مِن ألا يَأْتِي أَبَدَآ ،،
وَ هوَ تزامنَ في ألتوقيت مع بداية ربيع ألعام ألحالي على أمل أن يكون مُزهِرَآ غَيرُ دَمَوي .. فألعِبَرة أمام ألشَعب ألجزائري ما تَزالُ ماثِلََةً على إمتِداد ألإقليم من ليبيا إلى سوريا ،، إذْ باتَ ألإستقرار أَهَمُ وَ أبْدى مِن ألتَغيير بألعُنف و ألحُروب ألأهليَة ، دونَ أن يَعني ذَلِكَ ألإنكِفاء بَل ألإصْرار عَلى ألمَطالِب سِلمَآ وَ عَن قَناعَة طالَما أنَ ألجَيش ألجزائري بَاقً وَ هوَ ألضَمانَة ..

*عميد،كاتِب و باحِث ..