حوار ديموقراطي مع “التقدميين” و “الرجعيين”

بقلم : توفيق شومان*

هذا حوار واقعي ومفترض في الآن نفسه ، مع أصدقاء بعضهم ” تقدميين ” وبعضهم ” رجعيين ” ، جرى في أمكنة وأزمنة عربية مختلفة ، آخرها في الزمن الحالي وفي الفضاء الإفتراضي .
ـ التقدمي : أنت إذا مع الديموقراطية ؟
ـ أنا : نعم
ـ التقدمي : يعني أنت مع الإستعمار ؟
ـ الرجعي : زد على ذلك أن الديموقراطية خارجة عن التقاليد
ـ أنا : لا إله إلا الله .
ـ التقدمي : الديموقراطية بحاجة إلى وعي مرتفع المنسوب فيما الجهل يطغى على السواد الأعظم من ” شعبنا ” و ” جماهيرنا ”
ـ الرجعي : أكثر من ذلك : أعطني نموذج حكم واحد في تاريخنا الطويل اعتمد على الديموقراطية وتداول السلطة؟
ـ أنا: هذا لا يعني بأن تاريخنا كان كله على صواب
ـ الرجعي : انت تنتقد تاريخنا وتهاجم تراثنا
ـ التقدمي : بل هو خارج عن هويتنا
ـ أنا : لا حول ولا قوة إلا بالله.
ـ التقدمي : في الديموقراطية انتخابات ، كيف يمكن أن يُحسن الناس الجهلاء والأميون وأنصاف المتعلمين اختيار نواب وممثلين عنهم أكفياء ؟
ـ الرجعي : بالإضافة إلى الجهلاء واختياراتهم : كيف يمكن أن يكون مجلس النواب المنتخب مصدر السلطات : أليس في ذلك تعارض مع عقيدتنا ؟
ـ أنا : إنا لله وإنا إليه راجعون .
ـ التقدمي : ألا يمكن أن يحصل تزوير في العملية الإنتخابية ؟
ـ أنا : ممكن …
ـ الرجعي : طالما اعترفت بأن التزوير ممكن في العملية الإنتخابية الديموقراطية ، ألا يعني ذلك بأنك مع التزوير ؟
ـ أنا : استغفر الله العظيم .
ـ التقدمي : عندي سؤال آخر وهو : أليس من المحتمل أن الأكثرية المنتخبة شعبيا ، يمكن أن تستبد بالأقلية ، ونغدو أمام دكتاتورية الأكثرية؟
ـ أنا : أيضا هذا أمر ممكن …
ـ الرجعي : يعني أنت مع الدكتاتورية !
ـ أنا: اللهم لك أسلمت وخشعت .
ـ التقدمي : عموما أنت تعترف بأن في الديموقراطية عيوبا ؟
ـ أنا : الديموقراطية فكرة أنتجها العقل البشري ، ومن الطبيعي أن يوجد على جوانبها عيوب أو نقصان ، ولكن …
ـ الرجعي : بدون ولكن … بالله عليك كيف تدافع عن نظام فيه عيوب ؟
ـ أنا : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .
ـ التقدمي : لنفترض أن الناس انتخبت سياسيا أو اقتصاديا عبقريا لولاية رئاسية أو وزارية ، وأسقطته في انتخابات أخرى ، ألا يدل ذلك إلى أن الناس لا يعرفون مصلحتهم ومصالحهم ويجهلون كيف يتدبرون أحوالهم ؟
ـ الرجعي : رد على هذا السؤال …
ـ أنا : اللهم إني فوضتك أمري كله .
ـ التقدمي : كيف يمكن أن تشرح تقلب مزاج الناس بين عمليتين انتخابيتن ، والفائز في الأولى يصبح خاسرا في الثانية ، وبدل أن يكون حاكما يصبح محكوما ، ألا يعني ذلك أن الناس لا يستقرون على أمر و لا مبدأ ولا قناعة ؟
ـ الرجعي : هذه فضيحة الفضائح … يريد دعاة الديموقراطية أن يتحكم مزاج الناس بمصالح البلاد والعباد ، لنكن واضحين ، الديموقراطية تعني المزاجية ، لماذا لا تعترف بذلك ؟
ـ أنا : اللهم أسألك من الأحوال أحسنها ومن الصدور أوسعها.
ـ التقدمي : عندي سؤال أخير : ألا ترى أن الإنتخابات قائمة على الخطابات ، ومن يكذب أكثر يكون أقرب إلى الفوز ؟
ـ الرجعي : أفهم أن الشخص يكذب أحيانا في حياته ، ولكن أن يعيش طوال حياته كاذبا وكذوبا ، فهذا مما لا يقبله عقل ومنطق وضمير .
ـ أنا : اللهم أسألك الفرج العاجل .
كل مرة كنت أغلق أبواب النقاش (النقاشات) وأحدث نفسي وأسألها :
لماذا في النقاشات بين العرب والعرب يتم تكبير وتضخيم البقع السوداء وتجاهل الفضاءات السوداء؟
هل المشكلة والإشكالية في الناس ؟ أم المشكلة والإشكالية في ” النخبة ” التي وضعت نفسها في مرتبة ” النخبة” ؟
هل المطلوب أن يتحول كل الناس إلى فلاسفة وقديسين وأولياء صالحين حتى تنضج الفكرة الديموقراطية في بلادنا العربية؟
ما الذي يجعل الديموقراطية لعنة والإنتخابات ملعونة لدى فئات عربية متناقضة في السياسات والإتجاهات؟
وما الذي يجمع بين ” التقدميين ” والرجعيين ” ؟.
……………………………………………

كاتب سياسي، باحث وإعلامي