حكومة المرحلة الحرجة …!

 

 

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

اما وقد انتهت جولة الانتخابات النيابية بما افرزت وابعدت، اعتياد خرق واختراق، تموين غير مقنن مالآ ووعود، قفا تسميد ما دخل الصناديق، رفع نتاج المحاصيل حواصل.. ولج الجمع القاعة العامة إستكمال مقاطع المسرحية بعد تعارف خجول اثر رفع الستارة، لانتخاب هيئة مكتب المجلس واللجان رؤساء واعضاء، اعتماد توافق معياري على شاقول الطوائف مبدأ لا اختصاص.. معلوم مشاريع تناقش، تدرج وتحفظ على ورق ذو نوعية خالية من “الاحماض الامينية” Acid-Free Paper خاصية “التعتق الطبيعي”؛ Natural Aging تؤكد انعدام وزن ما سطر، بالكاد يحرك بيضة القبان…!

اتت استقالة الحكومة حكما امرا مفروغا دستوريا اثر انتخابات معتادة خرقآ واختراق: عل وعسى التأليف بعد التكليف يدخل ضمن “النظرية الداروينية” Darwinism من خلال التمهيد لعملية إنتقاء بيولوجي Biological Selection سواءً تعديلآ او تغييرآ جذريآ، نتيجة آليات تطورية مثلت ثورة 17 تشرين احدى اسسها، لكنها اثبتت في النهاية عدم منتقيتها..!

استطرادآ؛ بدت الاستشارات النيابية الغير ملزمة تحت قبة البرلمان أداءً تقليديآ بعد اعادة انتاج الطبقة السياسية الحاكمة مع تجديد تاريخ الصلاحية، عود على بدء تكرار مطالب طائفية ومناطقية في لبها التناتش والتوزير، كل كتلة او جماعة تطلب حصة وازنة من الكعكة الحكومية الا ما ندر.! بين مشاركة وانكفاء رسمت ضحالة المشهدية قتامة المستقبل، ما اضفى تشاؤمآ ملحوظآ لأي امل في تغيير اسلوب ونهج، اذ لا اشتراط في منح الثقة على قاعدة تحقيق مطالب شعبية او معالجات جذرية سوق لها المرشحين الطامحين سبق وعود عرقوبية قبل الفوز بكراسي البرلمان.. تأكيد مأزق انسداد النظام السياسي المؤصل على خلفيات التقسيم الطائفي المرتهن مع استعصاء شفاء ..!

بالتزامن؛ بقيت عاهات السلطة تزداد تفاقمآ فيما السياسة الاقتصادية والمالية تدور حول نفسها على محور عشوائية قاتلة توالي ازمات معيشية؛ انعدام قدرة واهمال معالجات جدية.. فيما بات يتصدر الشاشات كل صبيحة بالتوازي مع النشرة الطقسية رؤساء نقابات اكثر من ان تعد وتحصى، ناطقين معزوفة مشتركة جامعة تبشر بفقدان السلع آنيآ او استباقيآ تواريآ خلف خلافات مع الوزارات المعنية او المختصة تبرئة ذمة او رمي مسؤوليات، تتيح تاليآ ترويج السلع في سوق سوداء ممرآ الزاميآ لقلة ان استطاعت اليها سبيلآ، فيما مافيات الاستيراد والتوزيع تتشارك تباعآ طحن عظام المواطنين دون وازع ولا رحمة..

توازيآ؛ بدا ليل طرابلس عروس الثورة طويلآ قاتمآ، حمال مآسٍ تفوق الوصف وتتجاوز مساحة الوطن، اذ لا احد يعتبر او يأخذ العبرة؛ لم تعد قوارب النزهة البحرية الى تلك الجزر الرائعة خط ارتزاق، اصبحت وسيلة هجرة قسرية لعائلات يائسة ارتضت المغامرة دون خشية من ضياع او خوف من غرق بحثآ عن استقرار وكفاف عيش..! ومما زاد في الكفر اقتناعآ انهيارات قاتلة لابنية متداعية سيكون شتاء المدينة حافلآ بها..!

في سياق متصل، نشط فريق الصحة النفسية إثر استدعاء الوسيط الاميركي كبير مستشاري امن الطاقة آموس هولشتاين في بث واشاعة إطمئنان هزيل الى مساعيه. انتظار محلي لنتائج وردود عن تنازع حقوق بين قانا وكاريش و”القاف قبل الكاف في الابجدية العربية” خلافآ للتفاوضية. ورغم ان العدو مأزوم حكوميآ والقلق يعتريه من تأخير استخراج الثروة الغازية، أبى وزير حرب العدو بيني غانتس ألا يذكر باجتياح عام 1982 مهددآ بالعودة الى بيروت، متناسيآ يوم الاندحار المذل في 25 ايار 2000..! في حين بدأ نقاش محلي علني خال من تحفظ، قارب مزادآ بين المعنيين مزيج مزايدات ورغبات، تمرجح على خط مطالب وشروط خالية من موجبات العقول تمسك بالعبارات العموم في تجاهل غير محمود للعلل الطردية..!

في سلبية الهذيان، لا يحسب الاستعجال الغربي والفرنسي لتأليف الحكومة العتيدة من صنف الضغوط على الترويكا الحاكمة والافرقاء المفترقين اكثر منه في باب الرغبات ومستوى الاهتمامات.. كما ان في عملية تشبيك الازمات المحلية والنكبات المعيشية بالحراك الاقليمي مغالاة، لا بل تهربآ من ابسط الحلول المرتجاة ولو باعتماد مسكنات التخفيف من الالم أو “التخثير الكهربائي” Électrocoagulation مرحليآ..

في محدودية البصيرة إثر اعتام البصر وغياب الكهرباء مع تأخير في استجرار غاز وتغذية سجل التالي:
-ان الرهانات على التوافقات الخارجية والاقليمية بدءآ من امل كامن في الدوحة القطرية لانجاز الاتفاق النووي مع ايران ونزع فتائل الصواريخ الباليستية بما يكفل تدريم مخالب اذرعها في الاقليم غير مضمون التحقق.
-ان ترقب ما ستؤول اليه نتائج جدول الزيارات الاقليمية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اضافة لزيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لكل من طهران والرياض ليست اكثر من قيمة مضافة تكفل استقرار الاقليم الشرق اوسطي، وان ادرج او أُوتي على ذكر الوضع اللبناني في التقارير الختامية لمعظم اللقاءات..!
-ان جولة الرئيس الاميركي جو بايدن الاقليمية تصب اولا في خانة استراتيجية المواجهة مع روسيا، عبر حث دول الخليج العربي على زيادة انتاج موارد الطاقة بما يكفل الاستغناء الاوروبي عن المدد الروسي..
-إن خطة هيئة الاركان التركية التي اعلن عنها او هدد بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الهادفة الى استكمال المنطقة العازلة مع سوريا وضعت على رف التأجيل تحت عبارة -“عند الاقتضاء” uygun olduğunda-..
-ان زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية الى بيروت ولقائه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تأتي في توقيت ملتهب اقليميآ لتشكل احدى رسائل الردع الغير مباشر من محور المقاومة او الممانعة، كما انها شبه تفقد النوارس اعشاش الصقور تيمنآ او تيممآ..!
-ان عملية قصف الطيران الحربي الاسرائيلي الاسبوع الماضي مطار دمشق الدولي بالصواريخ الموجهة المُعَدة لمهمات كبح الدفاعات الجوية Air Defense Suppress لا تصلح لفرض واقع عسكري جديد؛ اذ ستبقى الهجمات الجوية على الوتيرة نفسها من النوعية والفعالية بما يلبي بروفايل رئيس وزراء العدو “نفتالي بينيت” ووزير حربه “بيني غينتس” امام الكنيست اضافة الى ترييح الجبهة الداخلية..!
-ان كلمة رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي عن ضرورة انهاء ملف النازحين السوريين وعودتهم الى وطنهم، تعبر او تفرض بلوغ نقطة التقارب مع القيادة السورية، عبر تفعيل حال التواصل والتنسيق ولو بالرضا المعيوب اقليميآ ودوليآ..

-ان اللقاء التشاوري لوزراء الخارجية العرب برعاية امين عام الجامعة العربية احمد ابو الغيط، حضور معنوي على ما وُصِف، استودع ازمات الوطن امل مساهمة في حلول ، قد يحملها تشرين القادم..

أخيرآ، يؤمل ان تكون ولادة الحكومة الجديدة سهلة ان صفت النيات بعيدآ عن اكراه او تغرير، بونآ شاسعآ عن النكد السياسي والارتهان الخارجي كما الاختلاف على الاولويات والكيفيات، ذلك لضرورة واهمية الاستحقاقات الداهمة المصيرية التي تنتظر البلد او ستعصف به، في ظل تطورات تتسارع على رصيف الانهيار المحلي والغليان الاقليمي..!
وفي آخر الكلام يتوجب التأليف سريعآ والسير في الاصلاحات المطلوبة تحت عنوان “معجل جدآ” عبر خطة طواريء انقاذية تنشل البلد من الانسداد السياسي الخطير وتداوي شعبه، مانعة الفراغ الرئاسي، بالتوازي مع خطوة متقدمة استلحاقية تؤسس لتفاهمات جذرية عميقة تطال اسس النظام الهش، منبعها المصلحة الوطنية العليا تدعم تعديلات دستورية، ليس اقلها تلافي مهل دون سقف تقيد بعض الصلاحيات بالعدل والقسطاس بما يمنع التعطيل خشية افتراس كل طائفة اختها..!

بيروت في 28.06.2022