حراك الرباعي الديبلوماسي في لبنان شبكة امان أم صلاة غفران؟؟

 

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

ساعات كانت تفصل بين زيارة سفير اجنبي او عربي وآخر الى الرئاسات الثلاث، اسبوع زاخر بحركة محورية لافتة مع او دون تنسيق، لكن المشترك فيها وحدة الاهداف والمطالب المتمثلة في حث الافرقاء اللبنانيين على تشكيل الحكومة العتيدة في اسرع وقت، مع التحذير من انفلات الوضع الامني في ظل خلل اجتماعي رهيب وغير مسبوق .
إفتتح السفير السعودي وليد البخاري الشوط بلقائه رئيس الجمهورية ميشال عون بناء لإستدعاء من الاخير، و مساء الاربعاء الماضي زارت السفيرة الاميركية دوروثي شيا بيت الوسط حيث التقت الرئيس المكلف سعد الحريري، تلى اللقاء صباح يوم الخميس زيارة لقصر بعبدا واجتماعها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ثم التقت اليوم الجمعة رئيس مجلس النواب في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة. اما السفيرة الفرنسية آن غرييو فقد سلكت الطريق الى قصر بعبدا عبر الضاحية الجنوبية بعد ان التقت النائب محمد رعد (مع الإشارة إلى ان رعد عاد قبل أيام من زيارة رسمية إلى موسكو) وتابعت جولتها بلقائها الرئيس نبيه بري. بالتوازي، استقبل الرئيس الحريري صباح الجمعة السفير الروسي في لبنان الكسندر راداكوف. اما القائم بالاعمال البريطاني مارتن لنغدن فقد تحادث هاتفيآ مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

 

إستطرادآ؛ نقطة التقاطع لهذه المسارات المنفصلة على وحدة الهواجس، من حيث الشكل تمت في مقر السفير السعودي في اليرزة وليد البخاري غداة زيارته قصر بعبدا حيث التقى كل من السفيرتين الاميركية والفرنسية، اما من حيث المضمون فإن الرؤية المشتركة نضحت من خلال التصريحات الحرفية والبيانات المكتوبة إثر اللقاءات كذلك الصمت المطبق، وهي في ايجابية اللقاءات لم تخلو من ضرورات التنبيه والتأنيب للتنازل عن الشروط والشروط المضادة التي يتمسك بها كلا الرئيسين المعنيين بتشكيل الحكومة. كما عبرت عن القلق العميق حيث “يرقص القادة السياسيون اللبنانيون على حافة الهاوية” مع دعوة جميع الاطراف لتحمل مسؤولياتهم محذرة من الكارثة الوشيكة التي لن يستطيع اصدقاء لبنان منعها.

في سياق متصل؛ لا يمكن اعتبار هذا الحراك الديبلوماسي الرباعي اوكسيجين الانعاش المُصَنَع غربيآ للدولة المنهارة، لكنه اشبه بإستدعاء الكاهن الى سرير المريض على خشية قرب الفراق ” والاعمار بيد الله” ليسمع اعترافه الاخير ويتلو عليه صلاة الغفران قبل لقاء ربه.. ومما لا شك فيه ان الانتخابات النيابية المقبلة بعد عام ونيف ستكون محطة مفصلية للمئوية الثانية، أبكر الرباعي الديبلوماسي في التشديد على ضرورة إجرائها في موعدها المقرر، لما لهذا الاستحقاق من نتائج قد تمنح البلد فرصة الانتقال الى بُعدٍ آخر ذو مناخ معتدل يسمح باعادة انتاج سلطة مؤهلة من رحم الشعب المنكوب وبارادة شبانه..!

عليه اسقطت ثورة 17 تشرين 2019 وما تلاها من نكبات سياسية واجتماعية اقتصادية وصحية عملية الاستنساخ البيولوجي Biological Cloning المعتاد للحكومات، المتضمن تخليق خلايا جذعية Stem Cell محفزة مشتقة من سابقاتها. مما يفرض تاليآ في ظل ظروف دقيقة إقليميآ ودوليآ انجاب حكومة شرعية الوالدين طبيعية الولادة، هذا ما يعمل عليه غيارى الدول على الوطن الصغير، في حين ان العجز عن الادراك Perception لدى الطبقة السياسية والاوليغارشية المتحالفة معها يحول دون ذلك، كما ان رياح القلق Anxiety من التغيير المفترض المنتظر، باتت تشكل حالة متمادية لإضطراب ناتج عن الوسواس القهري obsessive – compulsive من الرحيل، سواء بعصا التدقيق الجنائي ام بسيف العقوبات المسلط ذو نصلي Caesar و Magnitsky .

من جهة اخرى؛ ما زال الحراك الديبلوماسي الخارجي على الساحة الداخلية ينشد في العلن على الاقل اشاعة اجواء تعزز السعي الى فصل لبنان عما يجري في الاقليم المنهك اصلآ، والمنهمك في التحضير لتسويات تعتبرها ادارة الرئيس جو بايدن ضرورية ممكنة بما يكفل المصالح الاستراتيجية للثلاثي الدولي “الولايات المتحدة، روسيا وفرنسا الاوروبية” بالتناسب الفيزيائي مع الثقل النوعي Specific Weight للثلاثي الاقليمي “ايران- تركيا- اسرائيل”، اما الدول العربية بنظمها الهجينة Hybrid Systems وحكامها المدجنين بالسلوك الديناميكي المتحكم على المدى الجغرافي الاوسع من مأرب الى بيروت، فقد تحظى بهدنة اعادة البناء التي تحتاج سنوات في الزمن ومليارات في التكاليف بالتوازي مع رضوخ لتطبيع يقارب الاستسلام وبضمان الرهن الحيازي Pawn Possession لصندوق النقد الدولي.

مما لا شك فيه ان ما فرض هذا الحراك الاستثنائي الديبلوماسي اللافت، يؤكد تبدد آمال وجهود انهاء الخلاف السياسي المستمر منذ “5 اشهر” تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الانقاذية، الامر الذي فاقم الانهيار المالي وشدة التأزم الداخلي. قيمة مضافة متواضعة “ان لم نقل ضعيفة القدرة” لأنشطة السفراء الاربعة أتت في بيان صادر عن جامعة الدول العربية يوم الثلاثاء الماضي خرق صمتها المزمن، إذ دعا الساسة اللبنانيين إلى “العمل سريعا على إنهاء الانسداد السياسي”، مع استعدادها “الجامعة” للمساعدة في تجاوز الأزمة.
المحور المواجه اعتبر ما يجري تدخلآ في الشؤون اللبنانية، اذ اعلن مساعد رئيس البرلمان الايراني للشؤون الدولية، حسين أمير عبد اللهيان، إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية تنتهز عدم وجود حكومة قوية لزيادة حدة الانقسام وإضعاف المقاومة، وهي الوجه الثاني من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني”. مؤكداً دعم إيران “بقوة أمن لبنان واستقراره واقتصاده”. من هذا المنطلق، يبدو ان التسوية الاقليمية دخلت مرحلة التسارع بالجاذبية Gravitational acceleration لعدم ضرورة اشعال المحركات، مما يستوجب لتلافي الارتطام السعي لتحسين موقع الهبوط و حجم التفاوض عبر رفع درجة الشروط والمطالب.

في نهاية المقال يمكن القول ان لا انتهاء من الازمة السياسية المستفحلة والمتسمة بلا مبالاة غير مسبوقة ولا مسؤولة، إذ لم يعد من دعائم الهيكل صامدآ سوى المؤسسة العسكرية الجيش اللبناني. تاليآ فإن الواقع الراهن المتأزم والمسدود الافق يمزق شبكة الامان المفترضة والمتمثلة في “حكومة المهمة- الاختصاصيين- المستقلين- التكنوسياسيين”الخ .. لا فرق، تكون قادرة بالحد الادنى على معالجة الوضع المعيشي والاقتصادي بالتكافل مع صندوق النقد الدولي، كما تمنع البلاد من الإنزلاق نحو الفوضى الشاملة المترادفة مع حرب اهلية وشيكة كثر الكلام عنها، في محفزات اندلاعها رسم جديد جوهري لخارطة الاقليم والنفوذ الجيوسياسي لدوله.

بيروت في 27.03.2021
*كاتب وباحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية.