جبال حِمرين …!

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي *
جُغرافيَآ هضاب جرداء وعرة ذات مسالك صعبة العبور تقع بين محافظتي (ديالى) شرق العاصمة العراقية بغداد مرورآ بمحافظة صلاح الدين الى مدينة (كركوك) شمالآ كما تشكل الجهة الغربية مِن سلسلة جبال زاغروس و تمتد عَلى طول الحدود بين ايران و الكويت مما جعلها موقعآ استراتيجيآ هامآ إضافة الى انها تعد ممرآ لمحافظات الجنوب و الوسط العراقية إنها سلسلة جبال “حمرين” التي سَبَقَ و كانت إحدى جبهات الصراع العسكري بين ايران و العراق ؛ أما اليوم فَهي الملاذ الآمن لتنظيم الدولة الاسلامية (داعِش) بعد خسارته معظم مناطق سيطرته في سوريا و العراق حيث انكفأت قياداته و معظم فصائله لا سيَما المتطوعين الاجانب الاوروبيين و البريطانيين الى كهوفه الصخرية النائية على ارتفاع 1640 قدم تقريبآ محتمين فيها مِن الضربات الجوية للطائرات المسيرة UK-Reaper و الغارات التي تشنها المقاتلات RAF-Typhoon التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني المنطلقة مِن قاعدتها الجوية Akrotiri -SBA جنوب غرب جزيرة قبرص ؛ هذا النشاط الجوي الحربي و بصرف النظر عن حضور عسكري ذو خلفية جيوسياسية يأتي في سُلُم اهدافه التكتية اولوية حالية هي ملاحقة ارهابيي (داعِش) البريطانيين او من حاملي الجنسية البريطانية الذين سَبَقَ و فروا من سجون التحالف الدولي او تلك التابعة للقوات الكردية اضافة الى خطورة عودة قسم منهم الى البلاد ..!
منذ الهجوم الدموي الذي نفذه احد عناصر (داعِش)الارهابي المتشدد “سيف الدين رزقي” في منتجع مدينة سوسة التونسية عام 2015 الذي ذهب ضحيته اكثر مِن 30 سائحآ انكليزيآ اعتنقت الحكومة البريطانية استراتيجية متقدمة تقضي بملاحقة و محاربة التنظيمات الارهابية عَبرَ العالم بعد ان كانت بريطانيا تعتبر الحاضنة للعديد مِن الحركات الاسلامية المتطرفة “حزب التحرير الاسلامي- جماعة انصار الشريعة- خلية ليستر- مجموعة مسلمون ضد الحملات الصليبية- الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة .. إلخ” لتصبح لاحقآ الارض الخصبة لنمو نواة المجموعات الاصولية المتطرفة دون تَجاهُل تزامن بدءالعمل في هذه الاستراتيجي مع ظاهرة “الاسلاموفوبيا” Islamophobia  في المجتمع البريطاني ..!
تلقفت الاستخبارات البريطانية سريعآ القرار الاستراتيجي الذي كانت مِن عرابيه أو المطالبين به فأطلقت في بداية عام 2016 حربآ سرية دائمة دامية تاركةً لقواتها الضاربة تحت مظلة جهد استعلامي نشِط و دقيق ملاحقة فلول و تصفية قيادات “داعِش” لا سيَما منهم البريطانيين المنضوين تحت رايتها السوداء ..
مِن هذا المنطلق و خلال شهر ايار الماضي نفذت القوات الخاصة البريطانية SAS عدة عمليات خاطفة و سرية ضد الارهابيين المتحصنين في كهوف جبال “حمرين” بعد تتبعهم عَبرَ اعتراض الاتصالات اللاسلكية
و الخليوية و تعقب حركتهم سواءً ميدانيآ أو إستخباراتيآ مع تحديد بقعة ألرَوع ألفضلى Horrific Area .. مصادر امنية اشارت الى تمكن فرق القناصة مِن قتل مئة و عشرين إرهابيآ عَلى الاقل بينهم بريطانيين بعد مهاجمة مخابئ التنظيم في المرتفعات ذات النتوءات الصخرية الحادة بدعم مدفعي و قصف جوي تمهيدي باستخدام قنابل PaveWay – GBU 12 زنة 500 رطل الموجهة ب ألليزر LGBs بألتوازي مع تزويد القوة المهاجمة نتائج استخلاص معلومات الاستطلاع الجوي الفوري للطائرات دون طيار مِن وحدة إدارة التحكم في قاعدة Waddington العسكرية ..!
يشار الى ان قيادة القوات الخاصة الاستراتيجية الموحدة المتمركزة في قاعدة North Wood شمال غرب العاصمة لندن سَبَقَ و اعلنت عن عملية جراحية متقنة و نظيفة “دون خسائر” نفذها الكوماندوس البريطاني ليل 28 ايار الماضي اقتحم خلالها شبكة الانفاق مِن عدة مداخل مستغلآ عامل المفاجئة مدمرآ معظمها اثمرت عن مقتل 16 إرهابيآ بريطانيآ ؛ بألمقابل كانت وحدة الصاعقة البريطانية «CAC» تلاحق المقاتلين الارهابيين داخل الاراضي التي يسيطرون عليها كما تم تصفية عدد مِن أمراء التنظيم و أسر بعضهم ..!
من جهة أخرى ؛ هذه العمليات العسكرية التي تنفذها القوات البريطانية او الاميركية او العراقية ضد التنظيمات الارهابية و ان اوقعت خسائر بشرية ضخمة لكن ما لا شك فيه ان بقايا مَجموعات داعِش المهزومة ستعيد ترميم بنيتها اللوجستية و تحصياناتها مع اعتماد اكبر عَلى ضربات الخلايا النائمة في المناطق الجبلية او الصحاري الخاوية بهدف كسب الوقت ما يسمح باعادة تنظيم صفوفها بالتوازي مع ارباك قوات التحالف الغربي و تشتيت هجماته ..!
وزير الدفاع البريطاني MOD “بن والاس” Ben Wallace صرح معلقآ عَلى عمليات (كهوف حمرين) : “ان استخدام قوات SAS وطائرات سلاح الجو الملكي البريطاني وطائرات “رايبر” لتوجيه ضربات ناجحة ضد الإرهابيين ومخابئهم تدل على أن دفاع المملكة المتحدة لا ينام أبدًا وسنفعل دائمًا ما هو ضروري لحماية شعبنا”..! مصدر عسكري بريطاني وصف عمليات القوات الخاصة بعبارة : “كان الفوج يقاتل في ظل ظروف قاسية، شديدة الحرارة و جبلية ” مضيفآ انه من الضروري ألا تحصل داعش على موطئ قدم في المنطقة مرة أخرى” ..!
 
في سياق مُتَصل ؛  يَبدو ان عمليات القوات الخاصة البريطانية وِفقآ لبرنامجها السري منفصلة عن تلك التي تنفذها القوات الاميركية على رأس قوات التحالف الدولي ضد (الدولة الاسلامية-داعِش) و قادتها و مقاتليها مع العلم وفق المعطيات المتوفرة أن التنظيم يضم حاليآ حوالي 12 الف مسلح في منطقة الشرق الاوسط (سوريا-العراق- ليبيا .. ) كما لا تزال مصادره المالية مهمة إذ تتعدى احتياطياته النقدية ألمئة مليون دولار تقريبآ ؛ لكن اللافت هو تطوير بنيته اللوجستية و التسليحية مع محاولة دخوله مرحلة التصنيع الحربي حيث بدأ مهندسوه تصنيع القنابل اليدوية و الالغام و قذائف الهاون 60 و 120 mm وذلك وفق معلومات ميدانية ملموسة اما السؤال الاهم فهو كيفية حصوله عَلى الخبرات و المواد و الوسائل اللازمة .؟  و الجواب فيما استولى عليه مِن القَواعد العسكرية للجيش العراقي في مراحل التمدد السابقة ..!
عَلى غير صعيد ؛ لا تزال ورقة التنظيم الارهابي قابلة للصرف عَلى المسرح الشرق اوسطي تستخدم مِن احهزة استخباراتية متعددة كما قد يُغَض النظر عن بعض جرائمه او يسمح له بتنفيذها خدمة لإستراتيجيات الدول و المحاور المتصارعة وفق معادلة : الحاجة + الوسيلة = الهدف .. تاليآ فإن ضبط إيقاع حركته عَلى المحور السوري – العراقي لا تتساوى مع اطلاق يده في الشمال و الغرب الافريقي ..!
إستطرادآ ؛ في حمأة ما يمر به الشرق الاوسط مِن اهتزازات و صراعات فمن المؤكد ان المرامي النهائية تَكمُن في تحقيق مخططات التغيير الجيوبوليتيكي التي سترسم معالم مستقبل ألإقليم لعقود منها ما ينفذ عَلى البارد ك مشروع صَفقة القرن المتزامنة مع توالي الدول العربية و الخليجية تطبيع علاقاتها مع كيان العدو الاسرائيلي كما مِن المسلم به ان الرياح الساخنة ضرورية لتغيير المناخ الاقليمي و إن أتَت برائحة “ألأمونيوم” NH4 هي بشكل او بآخر مِن وسائل الاخضاع على نسق قانون قيصر و العقوبات المفروضة على ايران و سوريا و حزب الله ..!
أيضآ و تاليآ ؛ دون التطرق الى التقييم القانوني القضائي و الجنائي مع ما تلاه مِن ملابسات و تعليقات أتَى اعلان الحكم الصادر عن المحكمة الدولية منذ 48 ساعة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري
و رفاقه ضمن الفترة الحرجة زمنيآ متلازمآ مع الجريمة المذبحة التي سببها انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت بتاريخ 4 آب الجاري مِما رفع حرارة الإشتباك السياسي و الميداني و الافتراضي بين المحورين الاميركي و الايراني مستتبعآ في انعكاساته حكومة مستقيلة باتت عَلى الكرسي المدولب Wheelchair مع قدرة حقنٍ مَذهَبي و طائفي بين الشارعين المتخاصمين طارحآ العديد مِن علامات الاستفهام لدى كثير مِن المراقبين فيما شكل “الحياد النشط” القطعة الاخيرة لإكمال لوحة “البازل” Puzzle الجاري تركيبها ..!
خِتامَآ ؛ لا تمر انابيب النفط الناقلة لغاز المربعات النفطية البحرية لشرق المتوسط في جبال “حمرين” العراقية لكن الرقعة الجغرافية الدائرية في محيطها الواسع من بلاد الاناضول و ما بين النهرين إلى ما يسمى الهلال الشيعي مرورآ بقطاع غزة و سلطة رام الله وصولآ الى سواحل المغرب العربي و الشواطيء القبرصية – اليونانية بكل ما تحتويه مِن تناقضات و مصالح و رؤى جيو-استراتيجية متضاربة موضوعة حاليآ عَلى المرجل الاميركي في حالة الغليان حتى 3 تشرين الثاني القادم حيث تظهر نتائج الخريف الرئاسي الاميركي ال 59 و معه قد تصمد او تسقط اوراق كثيرة ..!
بيروت في 20.08.2020