ثمن الحماية .. !

بقلم العميد منذر الأيوبي*
اثنا عشر صفرآ طبقآ للنظام النقدي الأميركي هو التريليون Trillion دولار 1.000.000.000.000 و ما يزيد يساوي “ثمن الحماية” التي تقدمها الولايات المتحدة لدول الخليج العربي و إماراته و سلطناته “عمان” و الممالك “البحرين – الأردن و السعودية” كذلك الدول التابعة اللاهثة لإطعام شعوبها “مصر
، السودان و غيرهما” و ذلك ثمن أسلحة و قواعد عسكرية إضافةً الى تقديمات لوجستية و خبرات تقنية و تدريبية مع تبعية سياسية محتومة تؤمن مصالح “العم سام” الاستراتيجية و الجيو سياسية بصورة خاصة و الأوروبيين كقيمة مضافة ..!
الصفقات التسليحية خيالية أسطورية ، لم تُسجل سابقآ في تاريخ الحروب ، دخلت حيز التنفيذ منذ نصف عقد من الزمن و تستمر خلال السنوات العشر القادمة حتى عام 2030 ، مما يعني مزيدآ من ألنزاعات ألإقليمية ألمتفجرة ألمتنقلة من بلدٍ لآخر يَسقط ضحاياها من العرب و المسلمين بوجه خاص في حين يُترك لأهاليها من ألمسيحيين الهجرة و اللجوء في استنزاف ديموغرافي إلى حد ألإلغاء مُسقِطٌ للتنوع الحضاري ، إنموذج ألعيش المشترك ، التعايش و الحوار بين الأديان ..!
في الواقع هي “أرمادا” Armada تجارية استثمارية لِلمُصَدِرين تدير عجلة مصانع السلاح الغربية و تؤمن مئات الألاف من فرص العمل كما تساهم في تجديد و تطوير البنى التحتية للولايات المتحدة الاميركية ألتي هي بأمس الحاجة اليها ، ما يقارب “200 مليار دولار خلال اربع سنوات”، في حين انها ألأرمادا الحقيقية ذات السلاح الهائل الكميات للمستوردين ، كثير منها سيتحول لاحقآ إلى “خُردَة” لصعوبة و إمكانية تأمين العدد الكافي من الطواقم و الكوادر المدربة الكفؤة لإستخدامها و بألأخص صيانتها و رمال الصحراء شاهِد ..
إذن تآكل أو تصفير موجودات خزائن دول النفط و الغاز العربي جارٍ على قدم و ساق : عجز في الموازنات ، اقتراض بفوائد فاحشة ، التخلي عن أصول مالية قابعة في صندوق الخزانة الاميركية ، إصدار سندات ، تسييل ممتلكات ، بيع استثمارات و شركات مملوكة من الدول المعنية بنسب مختلفة وفق الاحتياجات و الإمكانيات “بيع 5% من اسهم شركة أرامكو” على سبيل المثال ، مما يَمُس سيادتها و قوتها المالية و الاقتصادية إضافةً إلى إستقرارها النقدي ..
على صعيد آخر ، و في تنافس على إرضاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب و الحفاظ على عروش حكامها دخلت هذه الدول في منافسة كألمزاد من يشتري اكثر و من يوقع صفقات تسلح أضخم و بِقيَم مالية اكبر ..!
توازيآ ، بدا جليآ و أُنجز تدريجيآ إستدارةٌ لصوامع الصواريخ و فوهات المدافع عن العدو الغاصب نحو “الفزاعة الإيرانية” ضمن نظريات و ربما حقائق ألشك فيها و بها مقبول تبدأ بهيمنة طهران و مطامعها في الدول العربية “علمآ ان هَذا أمر معلوم هو من الصعوبة بمكان ان لم نقل مستحيل التحقق” و لا تنتهي بِنظريات التَشَيع التي فُرِضت كَقضية تستوجب مواجهتها أتَت بديلآ عن التَهَود و ألتهويد و أذكى نارآ .. أَ “بات ألشماغ صديق الكيباه و العدو عمامة سوداء” ..؟
من جهة أخرى ، درجت بيانات السكرتير الصحافي و الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض “سارة هاكابي ساندرز” Sarah Huckabee Sanders المتكررة عند كل زيارة لمسؤول خليجي على ذكر عبارة ان هذه الصفقات ألعسكرية المبرمة تهدف الى «دعم أمن السعودية ومنطقة الخليج على المدى الطويل في مواجهة التهديدات الإيرانية»، بالإضافة إلى دعم جهودها في “مكافحة الإرهاب” ..
بألمقابل ، تُقدم الولايات المتحدة الاميركية للكيان العبري مجانآ دعمآ عسكريآ و تسليحيآ سنويآ ألمُعلَن عنه قارب خلال العقود الأربعة الماضية أكثر من 200 مليار دولار بما يضمن تفوقها العسكري على صعيد الإقليم و يساهم في تطوير صناعة الأسلحة الاسرائيلية ، إذ أصبحت تل ابيب سابع اكبر دولة مُصَدرة لِلسلاح في العالم “5.7 مليار دولار قيمة صادراتها خلال عام 2015” ، كما ان ميزانية جيش العدو تبلغ اكثر من 15 مليار دولار سنويآ وِفقآ لتصنيف مؤسسة IHS الاستشارية البريطانية للدفاع
و الأمن ..
في نفس السياق ، رغم ان التسليح النوعي و الكمي للجيش الاسرائيلي لا يقارن بما تحوزه دول الخليج فإن جهاز ألإستخبارات للعمليات الخارجية “ألموساد” الذي يعتبر ثاني الأجهزةالاستخبارية من حيث الحجم والكلفةالمالية في العالم ناشط بشكل دائم لمراقبة صفقات الأسلحة التي تتزود بها الدول العربية و تركيا حيث يواظب بحذر رئيس الجهاز “يوسي كوهين” Yossi Kohen و أركانه في متابعة المعطيات و التفاصيل بُغيَة الحصول على صورة دقيقة و مُحَدَثة لِحُزَم الصفقات التسليحية .
في مراجعة تقييمية ، تاريخيآ تميزت العلاقات بين إيران و دول الخليج العربي بإستقرار و ودية واضحة ، إذ ان ما يجمعهم من روابط مشتركة في التاريخ و الجغرافيا و الاقتصاد اكبر مما يفرقهم ، مع ألإشارة الى ان دول مجلس التعاون الخليجي كانت من ابرز الشركاء التجاريين لِإيران لكن إهتزاز العلاقات السياسية و ألديبلوماسية من حين لآخر كذلك الاختلاف الى حد التناقض في الرؤى ألجيوسياسية و الاستراتيجية خلال العقد الماضي دفع الأمور نحو توتر و تأزم متصاعد تزامن مع اندفاع طهران نحو بناء قوة عسكرية استراتيجية أرهَبَت جيرانها أولآ و بنية نووية قابلة لِلتطوير أوصلت الى منحى تصادمي متمادي اعتبرت فيه إيران دولة “ثيوقراطية” Theocracy ذات ايديولوجية دينية مما قلص مساحات التقارب الى حد العداوة ..
من ناحية ثانية ، على اثر الاتفاق النووي المرحلي الذي تم توقيعه بين إيران و مجموعة دول 5+1 عام 2013 بدأت العلاقات الخليجية الإيرانية تشهد تطورآ نوعيآ لكنه لم يدم طويلآ .. باتت التساؤلات تُطرح هل من أفق قريب لتواصل تدريجي يبرد الاحتقان على الأقل ؟
في المبدأ لا مستحيل في السياسة لكن البراغماتية تشير الى صعوبة ذلك على الأقل في المدى المنظور
علمآ ان الجلوس على طاولة الحوار الاميركي – الإيراني سينعكس تاليآ و تلقائيآ فُسحَة إنفراج تسمح بترميم ما تهدم من جسور التواصل لكن أجهزة “الموساد و الشاباك و الشين بيت ” و جهاز الاستخبارات البريطاني SIS و MI6 سيكونون بالمرصاد لِخَربَطَته ، اضافة الى اللوبي ألصهيوني مما يعني ان الحلول ليست بِالسهولة ألمُرتجاة فالمتضررين كُثُر و صَفقة القرن ما زالت في عنق الزجاجة ..
أما التريليون دولار ففي حال سلوك طريق الحلول و التهدئة ستتقلص اصفارها و الصفر هنا ذو قيمة في “ثمن الحماية” عكس العلامات المدرسية ، هو ألسُقوط ..
*عميد ، كاتب و باحث في الشؤون الأمنية و الاستراتيجية .
بيروت في 11.07.2019