تقرير امام السلطات البريطانية يتهم رياض سلامة بترؤس عصابة إجرام

تدرس الوكالة الوطنية بمكافحة الجريمة في بريطانيا حاليا، تقريراً مفصّلاً كانت أعدته مجموعة محاماة بريطانيّة، تحمل إسم “غرنيكا 37” يتضمن بعض الجرائم المالية المنسوبة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

التقرير يفصِّل ممارسات سلامة خلال السنوات الماضية، في كل ما يتعلّق بالقرارات التي اتخذها بصفته حاكم لمصرف لبنان، وخاصة تلك التي ارتبطت بالهندسات الماليّة خلال فترة ما قبل الانهيار المالي، وما انطوت عليه هذه الهندسات من تضارب مصالح وعمليات مشبوهة.

كما اورد التقرير تفاصيل أصول وشركات وأدوات استثماريّة يملكها كل من سلامة وابنه ندي وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، بالإضافة إلى صهره شفيق أبي اللمع، مع تفنيد لنوعيّة العمليات التي قامت بها هذه الشركات وارتباطها بسلامة نفسه.

ويعتبر التقرير في خلاصته ان سلامة أدار طوال السنوات الماضية عصابة جرميّة “تحت ستار كونه حاكماً لمصرف لبنان”، من خلال الأشخاص الذين وردت أسماؤهم فيه، والذين استعملوا كل هذه الشركات والأدوات الاستثماريّة لتبييض الأموال غير المشروعة، الناتجة عن أعمال سلامة في المصرف المركزي.

جاء في التقرير ان “سلامة تمكن من بناء نظام كامل من الشركات ما وراء البحار، ومن خلال هذا النظام قام بحنكة بنقل ثروته إلى الخارج، وتبييضها في استثمارات متنوّعة، محاولاً إخفاء ملكيته الفعليّة لهذه الأموال.

من هذه الشركات مثلاً، شركة “فول وود إنفست”، التي يصفها التقرير كشركة واجهة مسجلة في لوكسومبورغ، مملوكة من سلامة نفسه. ومن خلال هذه الشركة، قام إبن سلامة ندي وإبن شقيقته مروان عيسى الخوري بإدارة محفظة عقاريّة ضخمة في المملكة المتحدة تقدر قيمتها بعشرات ملايين الدولارات، من بينها أبنية في لندن وبريستول. كما يشير التقرير إلى شركة عقاريّة أخرى أدارها إبن سلامة ندي، قبل أن يشتريها بنك عودة في عملية توازت مع حصول بنك عودة على أرباح ضخمة من صفقات مع البنك المركزي في لبنان (في إشارة إلى أرباح بنك عودة من الهندسات الماليّة التي جرت في تلك الفترة سنة 2016).

كروس بريدج كابيتال هي شركة أخرى أدارها ندي سلامة، وهي شركة مرتبطة أيضاً باستثمارات وتوظيفات مع بنك عودة، ومع جملة من الوجوه المعروفة على الساحة الاقتصاديّة في لبنان مثل نبيل عون، الرئيس السابق لجمعية الوسطاء الماليين اللبنانيين، ورامي النمر، المدير العام لفيرست ناشيونال بنك، ورولان الهراوي أحد المساهمين في المصرف نفسه. كما أشار التقرير إلى ثلاث شركات أخرى مسجلة في لوكسومبرغ وإيرلندا، كلها مرتبطة برياض سلامة، وتدير لحسابه استثمارات عقاريّة كبيرة في ألمانيا وفرنسا، بإشراف إبنه ندي وإبن شقيقته مروان عيسى الخوري.

ويعدد التقرير الشركات الواجهة المسجلة في الملاذات الضريبيّة والدول الأوروبيّة، التي جرى امتلاكها لغاية تمليكها الاستثمارات العقاريّة التابعة لسلامة، فيما اتسم عمل هذه الشركات بالغموض دائماً، وبمحاولة إخفاء هويّة المالكين الحقيقيين لها. كما يشير التقرير إلى بعض العمليات غير المألوفة أو غير الطبيعيّة، كتفرّغ بعض الشركات عن موجوداتها قبل تصفيتها، أو إجراء عمليات تنازل عن عقارات من دون مقابل مادي أو عيني. ومن بين المتورطين في ملكية هذه الشركات يبرز أيضاً إسم معاونة سلامة، ماريان الحويك، كما يبرز إسم شقيقه رجا سلامة.

ويضيف التقرير ان “حسابات مصرفيّة امتلكها سلامة في الخارج، باسم شركة مسجلة في جزر العذراء البريطانيّة، التي تُعد من الملاذات الضريبيّة الآمنة، بالإضافة إلى حسابات شخصيّة لم يصرّح فيها عن عمله كحاكم مصرف مركزي، في إشارة إلى محاولته التهرّب من القيود التي تفرضها طبيعة الحسابات العائدة لأشخاص معرّضين سياسياً (كحالة حكام المصارف المركزيّة)”.

ويفند التقرير مآلات الأموال بعد تبييضها في أوروبا، ويذهب التقرير في توصيف شكل إساءة استعمال النفوذ في عمليات المصرف المركزي، الذي سمح لسلامة مراكمة هذا النوع من الثروات. التقرير يذهب بعيداً في توصيف عمليات الهندسات الماليّة، التي وصفها بعملية بونزي جرت بغطاء رسمي، حين نتج عنها خلال سنة 2018 وحدها نفخ لميزانيات المصرف المركزي بنحو 6 مليار دولار. وإلى جانب عملية النفخ المصطنعة في ميزانيات مصرف لبنان والمصارف التجاريّة، سمحت الهندسات الماليّة بزيادة أرباح المصارف التجاريّة بنسبة 70% بين عامي 2017 و2019، وهي عمليات استفاد منها شركاء سلامة في الخارج، والأقطاب السياسيون الذي تتشابك مصالحهم مع المصالح الموجودة في القطاع المالي”.

ويرى التقرير ان “من بين الأطراف الأكثر استفادة من هذه الهندسات، كان بنك عودة، الذي تشارك مع سلامة عدة صفقات خارج لبنان، من بينها عمليّة شراء الشركة التي يملكها إبنه ندي والتي جرت بالتزامن مع إجراء الهندسات في لبنان”. كما يلفت التقرير إلى “عمليات استثنائيّة خاصة جرت لتعويم “بنك ميد” (البحر المتوسط) ونفخ ميزانياته من المال العام، قبل سنة واحدة فقط من الاستحقاق الرئاسي، الذي كان سلامة يراهن فيه على تأييد الحريري له كمرشح رئاسي”.

ومع كل هذه التجاوزات، استفاد سلامة من حقيقة جمعه بين منصبي حاكم مصرف لبنان، المسؤول عن كل هذه العمليات، ورئيس هيئة التحقيق الخاصة، وهي الهيئة التي تملك صلاحية التحري عن العمليات ورفع السرية المصرفيّة عنها. وهكذا، وبفضل الجمع بين المركزين تمكّن سلامة من حماية نفسه من أي تتبع أو ملاحقة، علماً أن قانون مكافحة تبييض الأموال الصادر سنة 2001، هو الذي يخص حاكم مصرف لبنان برئاسة هيئة التحقيق الخاصة شخصيّاً.

يتحدّث التقرير عن الكثير من الانتهاكات الكبيرة ومنها عن امتلاك رجا سلامة – شقيق الحاكم- حصريّة الوساطة مع شركات طباعة النقود. وبما أن نوعية النقد المطبوع تتسم بالرداءة وقصر العمر، فرجا تمكّن من زيادة العمولات التي يجنيها، بفضل تكرار عمليّة طباعة النقود لاستبدال النقود التالفة في السوق. أما شفيق أبي اللمع، صهر الحاكم السابق، فعمل على خط السمسرة لتوزيع تراخيص المؤسسات المصرفيّة، مع العلم أن حاكم مصرف لبنان يحمل صلاحيّة منح التراخيص لإنشاء المصارف التجاريّة والإسلامية ومصارف الاستثمار، بالإضافة إلى تراخيص دمج واستحواذ المصارف.

في الخلاصة، يلحظ التقرير أن سلامة يدعي أنّه امتلك نحو 23 مليون دولار من الثروة الشخصيّة قبل دخوله مصرف لبنان، من عمله السابق ومن ثروة عائلته، كما يشير التقرير إلى أن سلامة يدعي أن مصدر استثماراته في الخارج هو تحديداً هذه الأموال. لكن التقرير يشير بوضوح إلى أن حجم الاستثمارات التي يملكها الرجل حاليّاً لا تتناسب أبداً مع حجم الأموال هذا، كما لا تتناسب حكماً مع الدخل الذي حققه من سنوات عمله كحاكم لمصرف لبنان. ولهذا السبب، يعتبر التقرير أن هناك موجباً قانونياً يحتّم على الحاكم تبرير مصادر ثروته للسلطات القضائيّة البريطانيّة، وخصوصاً بالنسبة للأصول المستثمرة في المملكة المتحدة، لتأكيد عدم استخدامه الأسواق البريطانيّة لتبييض الأموال وإخفاء الثروة غير المشروعة.

الحاكم نفى، والتقرير يؤكّد. وبين نفي الحاكم وتأكيد التقرير تبقى خلاصات التحقيق البريطاني هي الحكم، وهذا ما ستكشفه الأسابيع المقبلة.