الاردن .. وصلت الرسالة !

 

بقلم : العميد منذر الايوبي*

شهد ليل السبت 3 نيسان الحالي سلسلة مداهمات في العاصمة الاردنية عمان ومحيطها نفذتها قوة مشتركة من الشرطة العسكرية والاستخبارات، اسفرت عن توقيف اكثر من 20 شخصآ من بينهم عدد من الشخصيات الهامة او التي كانت مؤثرة في ادوارها عرف منهم الشريف حسن بن زيد مبعوث الملك عبدالله السابق الى المملكة العربية السعودية وباسم العوض الله رئيس الديوان الملكي الاسبق وياسر المجالي المدير الاسبق ايضا لمكتب ولي العهد الاردني الامير حمزة بن الحسين الشقيق الاكبر للملك عبدالله بعد وضع الاخير قيد الاقامة الجبرية في منزله في العاصمة. ومن المتوقع توسع دائرة التوقيفات وفق تطور التحقيقات وما ستكشفه من تفاصيل.

بداية كان الغموض سيد الموقف وسط تحرك ليلي دقيق وانتشار مكثف للقوى الامنية والجيش، الى ان صدر بيان اولي لافت ومنتظر عن رئيس هيئة اركان الجيش الاردني اللواء الركن يوسف الحنيطي اوضح فيه انه طلب من ولي العهد السابق تجميد نشاطاته ولقاءاته التي تمس وتستهدف امن المملكة واستقرارها ووقف التواصل مع شخصيات تنشط وتعمل ضد القيادة الاردنية، سواء مباشرة او عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لاحقآ اعلن عن تحقيقات تجريها المخابرات الاردنية “دائرة المخابرات العامة” التي يديرها اللواء احمد حسني حانوقاي وان نتائجها ستعلن فور الانتهاء بكل شفافية.. بألمقابل ترددت انباء، كما نقل عن دوائر استخباراتية خارجية انه جرى التخطيط لمحاولة انقلاب يقودها الامير حمزة الذي سبق واعفي من مهامه كولي للعهد عام 2004. واذ نفت القيادة الاردنية خبر اعتقال الامير حمزة بن الحسين، سرب شريط صوتي تلقته هيئة الإذاعة البريطانية BBC اعلن فيه الامير نفسه انه قيد الاحتجاز والاقامة الجبرية مفيدآ عن توقيف عدد من عناصر الحماية التابعين له.
تزامنآ، بين النفي والتأكيد تداولت وسائل اعلام اجنبية عن صحة محاولة الانقلاب الفاشلة كما وُصِفَت، لكن الوضع الامني مضبوط وتحت السيطرة. إثر ذلك، توالت اعتبارآ من اليوم التالي وما بعده برقيات التأييد للعاهل الاردني سواءً من الدول العربية او الاجنبية معلنة تضامنها وحرصها على استقرار وامن المملكة. تاليآ كان لافتآ زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان العاصمة الاردنية ولقائه نظيره الاردني ايمن الصفدي، حيث رشحت معلومات استخباراتية تفيد بطلب الادارة السعودية الإفراج عن باسم عوض الله قبل صدور نتائج التحقيقات القضائية. في حين المحت صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر يوم امس إلى دور ما للسعودية في المحاولة الانقلابية، بالمقابل وفي اليوم التالي الذي اعقب التوقيفات أصدرت المملكة العربية السعودية بيانآ عبرت فيه عن دعمها الملك الأردني، كما اعلنت الصحف السعودية أن الأمير محمد بن سلمان اجرى اتصالا هاتفيا مع الملك عبد الله حرص فيه على ابداء تضامنه ودعمه. مع الاشارة البارزة ان الرئيس جو بايدن اتصل ايضا بالملك معبرا عن تأييد وتضامن الادارة الاميركية مع الحليف الاردني، مؤكدا استمرار ومواصلة الجهود والعمل لتسوية فلسطينية- اسرائيلية عبر حل الدولتين. كما تتالت بيانات الشجب والاستنكار ورسائل التأييد والدعم تباعا من دول: الكويت، لبنان، البحرين، قطر، اليمن، فلسطين، مصر ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية.

من جهة اخرى، لطالما كانت المملكة الاردنية الهاشمية على خط الزلازل السياسي والوجودي، تواجه العواصف الاقليمية والتحديات الداخلية، وهذا الامر “الحفاظ على المملكة وامنها ونظام الحكم فيها مع الاستمرارية التاريخية للعائلة الهاشمية” كان ولا يزال اولوية استراتيجية للملك عبدالله بن الحسين وقبله والده الراحل الملك حسين. من هذا المنطلق تتعدد خلفيات ما حصل سواء من خلال مجريات الوقائع او حيثيات المواقف منها:
•الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور بالاضافة لتقلص فرص العمل وانخفاض مستوى الرعاية الصحية، حيث اعتبر هذا الانهيار فرصة قابلة للاستغلال بهدف الحصول على المشروعية الشعبية من قبل منفذي الانقلاب او مثيري الفتنة.
•مخيمات اللاجئين السوريين وما تسببه من ضغوط على الاقتصاد، مع امكانية وسهولة الاختراق الامني من خلالها. زائد الاعباء الاضافية التي فرضتها مواجهة والحد من انتشار جائحة كورونا.
•اعلان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو نيته وقراره ضم جزء من الضفة الغربية مع غور الاردن وشمال البحر الميت المحتلين الى السيادة الاسرائيلية، في حين تعتبر القيادة الاردنية هذا الامر “الضم” بأنه “تصعيد خطير” قد يدفع المنطقة بأسرها نحو مزيد من العنف”.
•محاولة تصفير الوصاية الاردنية التاريخية على القدس الشريف والاماكن الاسلامية والمسيحية المقدسة.
•مواصلة العدو الاسرائيلي تنفيذ استراتيجيته المتعلقة بانهاء القضية الفلسطينية وفق نظرية الوطن الفلسطيني البديل، الذي بدت ملامحه ترتسم من خلال صفقة القرن عبر فدرالية فلسطينية-اردنية مع مرحلية نقل قطاع غزة للسيادة الاردنية.
•تحذير الملك عبدالله للرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب من مغبة نقل السفارة الاميركية الى القدس.
•رفض الاردن لصفقة القرن التي أدت الى اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين والتي ستنهي تاليآ حالة العداء بين الدول العربية ضمنآ الفلسطينيين والعدو الاسرائيلي، ، معتبرا بنودها مسلسلآ مكشوفآ لا حاجة لفك رموزه في استهدافه بالصفقة من العدو وجودآ وكيانآ.
تاليآ في قراءة الاسباب والمعطيات وظروف وتوقيت ما حصل، اختصرت جانبآ منه صحيفة نيويورك تايمز “التي اعلنت ان إسرائيل ترى ما جرى في الأردن مهماً للغاية”، اضافة الى ما سرب من مصادر مقربة من الاستخبارات الاردنية عن ان التحقيقات كشفت عن تواصل الضابط السابق في الموساد الاسرائيلي Roy Shaposhnik مع زوجة الامير حمزة بن الحسين مساء يوم السبت، كما تلقى Shaposhibik رساة نصية من الامير حمزة يعلمه فيها انه اصبح تحت الاقامة الجبرية ومنع من التواصل مع العالم الخارجي. اذ يصبح حينها جليآ ان العدو الاسرائيلي هو المستفيد الاكبر او الوحيد وربما بتواطؤ سرآ او عدم ممانعة على الاقل من بعض الدول العربية.
مع الاخذ بالاعتبار ان انهيار النظام الاردني ستكون تردداته على دول المنطقة والاقليم جسيمة ككرة الثلج تتدحرج لتغير الوضع الجيوسياسي لما تبقى من دول وامارات لم تلامسها اضطرابات ما عرف بالربيع العربي. كما ان انعكاساته على لبنان ستكون مفصلية كيانية، اذ ان ننائج الصراع الذي نشب بين الجيش الاردني والقوات الفلسطينية عام 1970 الذي عرف باسم “ايلول الاسود” إثر تعاظم قوة وتفاقم هيمنة المقاتلين الفلسطينيين على حساب السلطة الاردنية لا تزال ماثلة امام اللبنانيين، حيث حسم الملك حسين آنذاك عسكريآ الوضع المتفلت منهيآ الصراع الذي سبق وتسللت اليه استخبارات بعض دول الجوار، في حين كانت نتائجه مدمرة على لبنان بعد انتقال الوجود الفلسطيني المسلح اليه مستخدما سوريا جسر عبور بتسهيل من قيادتها، وسط غض نظر او تجاهل عربي ودولي.
في سياق متصل، الرسالة وصلت، أنى كان مصدرها والمرتكبين بما تهدف وتستهدف، فمن الواضح ان الفتنة وأدت في مهدها والاحداث أيآ تكن تسمباتها “انقلاب او تمرد الخ..” حسمت بقسوة وكفاءة، واذ بدأت القيادة الاردنية لملمت ذيول ما حصل لا سيما ضمن الاسرة الهاشمية، اعلنت دوائر القصر الملكي يوم امس ان الامير حمزة غير موقوف “انه في منزله ويحظى برعاية الملك عبدالله”، وذلك بالتوازي مع متابعة قوى الجيش تمركزاتها وتدابيرها المشددة على مفاصل العاصمة الهامة والمراكز الحكومية.
خِتامَآ، في ظل المتغيرات الاقليمية الخطيرة سواء الجارية او المتوقعة، فإن الشرق الاوسط سيتأثر حتمآ بأي انهيار قد يصيب النظام الاردني، ما يفرض على الدول العربية التنازل عن الاحقاد والضغائن والمؤامرات بحق بعضها. كما ستكشف مستقبلآ تحقيقات الاجهزة الامنية والقضائية الاردنية سواء ما سيعلن من جوانبها او ما سيبقى سرآ عل هوامشها لكثير من التفاصيل والنتائج وستؤدي الى اجراءات متناسبة معها داخليآ واقليميا. حمى الله الاردن الشقيق.

——————-

“كاتب وباحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية.
بيروت في 08.04.2021