تحالف جمعيات ومنظمات ومواقع للدفاع عن حرية التعبير في لبنان

قالت منظمة حقوق الانسان في الامم المتحدة  في بيان اليوم الإثنين ان 14 منظمة لبنانية ودولية اعلنت عن تشكيلها “تحالف الدفاع عن حرية التعبير في لبنان، للوقوف بوجه محاولات السلطات اللبنانية لقمع حرية التعبير والرأي في البلاد”.

واصاف البيان ان “أعضاء التحالف الجديد وثَّقوا ارتفاعا مقلقاً في عدد الاعتداءات على حرية التعبير والرأي السلميين منذ المظاهرات الحاشدة في 2015، كما تصاعدت الاعتداءات  إثر المظاهرات التي اندلعت وعمّت البلاد في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث تم استدعاء ما لا يقلّ عن60  شخصا للتحقيق معهم في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. في 15 يونيو/حزيران، نقلت “الوكالة الوطنية للإعلام” أن النائب العام التمييزي أصدر أمرا لأحد الأجهزة الأمنية بالتحقيق في التدوينات التي تطال مقام الرئيس على وسائل التواصل الاجتماعي، متذرّعا بقوانين تُجرّم القدح والذمّ في البلاد، علما أن عقوبة إهانة الرئيس – وفقا للقوانين اللبنانية-  قد تصل الى السجن لمدة سنتين.

وقال بيان المنظمة الاممية نقلاً عن التحالف: “تقاعس سياسيو لبنان عن تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وأهدرت ممارساتهم الفاسدة مليارات الدولارات من الأموال العامة، وبدلا من العمل بمسؤولية تجاه مطالب المتظاهرين والتوجّه الى المساءلة والمحاسبة، تشنّ السلطات حملة قمع على الناس الذين يفضحون الفساد وينتقدون على وجه حقّ الإخفاقات الملحوظة للسلطة”.

رغم أنّ لبنان يُعتبر من البلدان الأكثر حرية في المنطقة العربية، تلجأ الشخصيات الدينية والسياسية ذات النفوذ، بشكل متزايد، إلى استخدام القوانين التي تُجرّم القدح والذمّ كأداة للانتقام من منتقديها وقمعهم. حيث تم، بشكل خاص، استهداف الأشخاص الذين يوجهون اتهامات بالفساد وينتقدون الوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور في البلاد. حصيلة التحقيقات التي قامت بها السلطات اللبنانية بسبب التعبير السلمي منذ 2015 لليوم هي بالآلاف .

لجأت النيابة العامّة والأجهزة الأمنية الى سلوكيات غير ملائمة، وأحيانا غير قانونية، في معظم قضايا التعبير التي وثّقها أعضاء التحالف. وفقا للمقابلات التي قام بها التحالف، وصف الأشخاص مجموعة من تكتيكات الاستجواب النفسية والجسدية التي برأيهم تقصّدت إذلالهم، ومعاقبتهم، وردعهم عن نشر محتوى يُعتبر مهينا أو منتقدا لأشخاص ذوي نفوذ.

لجأت النيابات العامة والأجهزة الأمنية التي تتولّى الاستجوابات إلى الضغط على الناس لتوقيع تعهدات تلزمهم إمّا بعدم كتابة محتوى تشهيري ضدّ المدّعي في المستقبل أو بإزالة المحتوى المُهين فورا، دون السماح للمدعى عليهم باستشارة محام وقبل مثولهم أمام المحكمة لتقديم دفاعهم، وفي بعض القضايا، حتى من دون توجيه اتهامات إليهم. في حين يوافق المحامون اللبنانيون على أنّ هذه التعهدات تفتقد إلى الأسس القانونية كونها تشكل تنازلا عن ممارسة حقوق وحريات اساسية.

 أضاف التحالف: “شكّلت قوانين تجريم القدح والذمّ في لبنان تأثيرا مثبطا غير مقبول على حرية التعبير. كان للّجوء المتزايد إلى هذه القوانين والتحيّز الواضح من السلطات التي تتولّى هذه القضايا دور أساس في إنشاء بيئة معادية لحرية التعبير، ومنع الناس من التعبير عن آرائهم بحرية”. 

من ناحية، يضمن الدستور اللبناني حرية التعبير “ضمن القيود التي يحددها القانون”، ومن ناحية أخرى، يجرّم قانون العقوبات اللبناني القدح والذمّ ضدّ المسؤولين العامين ويسمح بسجنهم حتى عام واحد في مثل هذه القضايا. كذلك، يسمح قانون العقوبات بالسجن حتى عامين لإهانة الرئيس وحتى ثلاثة أعوام لإهانة شعائر دينية. كما يجرّم قانون القضاء العسكري إهانة العلم أو الجيش اللبناني، وتصل العقوبة حتى ثلاث سنوات في السجن. في ظل هذه التناقضات، قالت المنظمات إنّ القوانين التي تسمح بالسجن بسبب انتقاد سلمي للأفراد أو المسؤولين الحكوميين لا تتماشى مع التزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير.

 يناقش البرلمان حاليا مشروع قانون جديد للإعلام بهدف تعديل أحكام القدح والذمّ لتشمل المحتوى المنشور. يعرب التحالف عن مخاوفه عمّا إذا ما أُخذت بعين الاعتبار المشاورات مع المجتمع المدني حول مشروع القانون، وعن قلقه بشأن أحكام في مشروع القانون تقيّد حرية التعبير بشكلٍ خطير. يرى التحالف أنّ مشروع القانون، إذا أُقِرّ، سيؤدي إلى تراجع أكبر في حماية حرية التعبير في لبنان.  

لغاية تاريخ اليوم، يرفض البرلمان مشاركة أحدث نسخة لمشروع القانون مع أعضاء التحالف، على الرغم من الوعود المتكرّرة للنوّاب بإشراك المجتمع المدني في عملية صياغة القوانين. كما أن اجتماعات اللجان البرلمانية المكلّفة بمراجعة مشروع القانون وتعديله هي أيضا غير مُعلنة أو مفتوحة أمام الناس.

الّا أن أعضاء التحالف تمكنوا من الحصول على نسخة مسرّبة وغير رسمية لمشروع قانون الإعلام الذي عُدّل في أبريل/نيسان 2019. رغم أنّ هذه النسخة تحظر الحبس الاحتياطي لجميع جرائم النشر، بما فيها تلك على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها لا تُلغي عقوبة السجن للقدح والذمّ المزعومين، وتزيد في بعض الحالات عقوبة السجن وتُضاعف الغرامات.

بناءً على ما ذُكر، طالب التحالف النيابات العامة والأجهزة الأمنية في لبنان بوقف الاستدعاءات الى التحقيق على خلفية ممارسة حرية التعبير وكشف الفساد، وعدم تجاوز صلاحياتها عبر إلزام المستمع اليهم بإزالة منشوراتهم أو توقيع تعهدّات غير قانونية قبل حصولهم على محاكمة عادلة.

كما طالب مجلس النواب بإلغاء السرية عن مناقشات القوانين في اللجان النيابية، ومن ضمنها مناقشة مشروع قانون الإعلام. وطالب مجلس النواب بتعديل مشروع قانون الإعلام لملاءمته مع التزامات لبنان بموجب القانون الدولي، بما في ذلك:

  • إلغاء تجريم القدح والذمّ والإهانات، بحيث تقتصر على المسؤولية المدنية ولا تترتّب عليها أي عقوبات سجن.
  • عدم منح الشخصيات العامّة، بمَن فيهم الرئيس، حماية خاصّة من القدح والذمّ أو الإهانة. لا يكفي مجرّد اعتبار أشكال التعبير مهينة لشخصية عامة لتبرير فرض العقوبات. جميع الشخصيات العامة عرضة للانتقاد والمعارضة السياسية بشكل شرعي، ويجب أن يعترف القانون بصراحة بالمصلحة العامة في انتقاد الشخصيات والسلطات العامة.
  • منع المؤسسات الحكومية، بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية، من رفع دعاوى قدح وذمّ.
  • النصّ على أنّ الحقيقة ستكون الدفاع الفاصل في قضايا القدح والذمّ، بغضّ النظر عن الشخص المستهدف. في قضايا المصلحة العامة، يكفي أن يكون المدّعى عليه قد تصرّف بالعناية الواجبة كافيا لإثبات الحقيقة.
  • إلغاء تجريم التجديف والقدح والذمّ أو الإهانات ضدّ الدين.
  • حصر التجريم فقط بالتصريحات التي ترقى إلى التحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز على أساس قومي أو عرقي أو ديني. ويجب أن يحدّد القانون بوضوح معنى كلّ من هذه المصطلحات، بالاستعانة بـ”خطّة عمل الرباط” كدليل توجيهي.
  • إلغاء جميع متطلّبات ترخيص الصحفيين، والحصول على الإذن المسبق للمنشورات. يجب ألا تكون الرسوم والشروط لتخصيص الترددات لوسائل البث شاقة ومكلفة، وأن تكون معايير تطبيق هذه الشروط والرسوم معقولة، وموضوعية، وواضحة، وشفافة، وغير تمييزية.
  • إخراج المدنيين وجميع القاصرين من صلاحية القضاء العسكري.

ختم التحالف قائلا: “في هذه المرحلة الحرجة للبلاد، يحتاج لبنان إلى قوانين تحمي الأشخاص الذين يفضحون الفساد وسوء السلوك بدلا من معاقبتهم. يتعيّن على البرلمان فورا أن يجعل قانون الإعلام متماشيا مع القانون الدولي وأن يمنح الأولوية لإلغاء تجريم القدح والذم والإهانات”.