بين الفروسية والآداب العالمية علاقة مترسخة عبرت الزمان والمكان

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

شكلت الفروسية تراثا تاريخيا عبر العصور، فمنذ القدم كان للإنسان تعامل مع الفرس سواء في الحرب أو السلم، حيث كان وسيلة تستعمل في الأسفار والجر والحرب فضلا على أنه كان يمثل أداة للتسلية والفرجة ومظهرا من مظاهر الزهو والافتخار. وهذا ما يؤكد الحضور القوي للفرس في الحضارة الإنسانية، علاوة على أن الفارس الضليع في ركوب الخيل يصبح محط الاهتمام لدرجة تجعله حافزا للاحتذاء والاقتداء باعتباره حاملا لمشعل الشجاعة والعنفوان والإقدام، كما هو الشأن في الحضارة اليونانية، حيث كانوا يقدسون فرسانهم وأبطالهم.
والحضارة العربية غنية بمثل هذه القيم فالحياة الجاهلية على سبيل التمثيل لا الحصر كانت تفرض على فلذة كبدها تعلم أدب وفنون الفروسية، كما عرفت المجتمعات الأوروبية أدب الفروسية وترسخت بشكل كبير في العصور الوسطى.
والفروسية في أوروبا لم تكن تتصف بأي تميز اجتماعي، بل كان بإمكان أي رجل أن يُصبح فارسا. وقد اتَّخذ العديد من اللوردات لأنفسهم فرسانًا لينجزوا لهم الواجبات المنزلية في زمن السلم، وليقاتلوا في وقت الحرب. وكان اللورد هو الذي يَمُد فرسانه بالسلاح والخيول.

في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر الميلاديين تحوّل معظم الفرسان إلى تابعين للوردات الذين كانوا يزودونهم بقطع من الأرض. وبسبب ارتفاع أسعار الأسلحة وخيول الحرب لم يعد بإمكان غير الرجال الأثرياء تجهيز أنفسهم ليحاربوا كفرسان. وهكذا، أصبح الفرسان طبقة منفصلة عن بقية المجتمع، كما أصبح الدخول في صفوفهم علامة على الشرف والتميز. ويدعى عصر الفرسان عصر الفروسية، وهذه الكلمة مشتقة من كلمة فرنسية قديمة تعني الجندي الخيّال. إلا أن هذا التعبير أصبح يعني مجموعة القواعد الخاصة بالسلوك والأخلاق التي يجب على الفرسان الالتزام بها.
نمت الفروسية جزءا من النظام الإقطاعي في العصور الوسطى، واستمرت مع اعتماد الحروب على سلاح الفرسان والمبارزة بين الأفراد. إلا أن الفرسان قلّت أهميتهم في حروب القرن الخامس عشر الميلادي بسبب تغيُّر الفنون العسكرية واستخدام البارود لأول مرة.
وفي بريطانيا تحولت الفروسية إلى شرف يسبغه الملك أو الملكة على أفراد معينين اعترافًا بفضيلة أو خدمة مميزة، ولم يعد لها أي معنى عسكري.

فرسان ارتبطوا بالخيل:
لعبت الخيل دوراً كبيراً في حياة العرب في الجاهلية والاسلام. وكان أشهر فرسان العرب في الجاهلية عنترة بن شداد وعامر بن الطفيل وكليب وصخر شقيق الخنساء التي اشتهرت برثائها له.
وكان امرؤ القيس قد قال: “الخير ما طلعت شمس وما غربت/ معلّق بنواصي الخيل معصوب”.
ولعل المتنبي لخّص مكانة الخيل في حياة العرب وفرسانها بقوله: “أعزّ مكان في الدنى سرج سابح/ وخير جليس في الزمان كتاب”
وقال ايضاً في الخيل:
“مفرشي صهوة الحصان ولكن/ قميصي مسرودةٌ من حديدِ”
وقبل المتنبي كان امرؤ القيس قد ترك لنا صفات فرسه في قصائده سواء في معلقته أم في غيرها: “مكر مفر مقبل مدبر معا/ كجلمود صخر حطه السيل من عل”
وقال الجاحظ: “لم تكن أمة قط، أشد عجباً بالخيل، ولا أعلم بها، من العرب”. ومن مظاهر اهتمام العرب بالخيل أنهم كرسوا لها بعض المؤلفات مثل “أنساب الخيل” لابن الكلبي و”أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها” للفندجاني و”كتاب الخيل للأصمعي” فلم يكن الخيل عندهم حيواناً يدب على الأرض ولا صهوات تمتطى بل كان سراً من أسرار قوته وعزته وكرامته.
داحس والغبراء:
وإذا كانت معلقة “زهير بن أبي سلمى” تخلو من ذكرٍ للخيل ووصف لها، فإن من أسباب نظمها هو الخيل وبالتحديد “داحس والغبراء”. حينما اجتمع القوم وتذاكروا الخيل وانتهوا إلى أن يُنزل قيس بن زهير العبسي الفرسين داحساً والغبراء ويُجري رجل من غطفان فرسين أيضاً. اعترض ناس من فزارة من غطفان داحساً مرتين ومع ذلك فقد وصل “داحس” ثانياً و”الغبراء” سابقة. طلب العبسيون حقهم من الرهان، فأباه عليهم الفزاريون. لذا نشبت حرب عرفت باسم “داحس والغبراء” دامت العداوة بسببها أربعين عاماً. لكن الحارث بن عوف وهرم بن سنان وهما كريمان من غطفان أخمدا النار وحقنا الدماء بما دفعاه من مالهما الخاص، لذلك فقد أفرد الشاعر أبياتاً عديدة في مدحهما.
الفروسية في الأدب الغربي:
ظهرت روايات الفروسية في إسبانيا والبرتغال في القرن السادس عشر ولاقت نجاحًا كبيرًا وشعبية واسعة. وتبرز رواية دون كيخوطي دي لا مانتشا للكاتب الإسباني الشهير ميجيل دي ثيربانتس بوصفها مثالًا جليًا على روايات الفروسية. دور أحداث الرواية حول شخصية رجل نبيل قارب الخمسين من العمر يقيم في قرية في إقليم لامانتشا، وكان مولعًا بقراءة كتب الفروسية والشهامة بشكل كبير. وكان بدوره يصدق كل كلمة من هذه الكتب على الرغم من أحداثها غير الواقعية على الإطلاق. فقد الرجل عقله من قلة النوم والطعام وكثرة القراءة وقرر أن يترك منزله وعاداته وتقاليده ويشد الرحال كفارس شهم يبحث عن مغامرة تنتظره، بسبب تأثره بقراءة كتب الفرسان الجوالين، وأخذ يتجول عبر البلاد حاملًا درعًا قديمة ومرتديا خوذة بالية مع حصانه الضعيف حتى أصبح يحمل لقب دون كيخوتي دي لا مانتشا، ووُصف بـ “فارس الظل الحزين”.
واشتهر أيضًا هذا النوع الأدبي في فرنسا وبعض الولايات في إيطاليا وبعض من البلدان الأوربية الأخرى.