بيفرجها الله..

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

عدة دقائق يوم الجمعة الماضي وبضع ساعات مِما تلاه في سَبتِ اللا غفران كانت كافية ليثبت بالوجه الشرعي ان هلال الحكومة لم يَهِّل لا بَل لن يَهِّل، وان البلاء لن ينقشع عن البلاد ولا حكومة بالمطلق.. من تأكيد المؤكد ان المنخفض الجوي السياسي مستمر وستخيم عاصفة الانتظار في عناصرها السياسية والمعيشية والامنية هطيل مطر اسود بغزارته سيول تجرف ما تبقى..!

علت الاسوار في الارض اليباب من خصام الاقوياء كتلاً واحزاب، تراشقوا حجارة فُكفِكَت من مقلع دستور هجين الى ان اصبح الهيكل السياسي العام للدولة بمؤسساتها الرئاسة، السلطة التنفيذية، التشريعية والقضائية هشاً فتاتاً ، في حين بقي الجيش والاجهزة الامنية الرديفة تنبض حتى الساعة .

زوبعات شديدة على اضطرار تحليلها في رسالة وردود، فرضت انعقاد المجلس الكريم من دوام نظرية ارتضيناها لقضايانا في التاريخ والجغرافيا، في السياسة والاجتماع، في الدين والديموغرافيا اضافة لمسائل أُخَر، من مضمونها الوطني المُمارس “ان المستقبل مرتهن للماضي”. وبين التيه والسراب ورجاحة العقول، تراوحت الخيارات مبايعة مجددة او اسقاط وعودة عن تكليف وكلاهما لعنة، اما الاعتذار عن التشكيل ففي خانة المصيبة سواء حصل او لم يحصل..!

مضت خمس سنوات من عهد كان لدى الناس في خيالاتها أملآ رغم ان مخاضه استغرق سنتين، لكن الامور تهاوت سواء في الاستقرار المالي او الاجتماعي ام في الانجازات على ضآلتها. قلبوا الصفحات الى الاخيرة في فقراتها تفاصيل الانتخابات النيابية والرئاسية بعد ثبوت الخيار الدولي ان لا تاجيل.. لكن الى اين سيذهب بهم الزمان.؟ أَ كانوا كتلآ او منفردين؛ بين مشاعر اللا ندم على ضياع الوطن التصعيد لزوم وشد العصب الطائفي ضرورةً، الطلقات خلبية من عيار التدقيق الجنائي سواء كان السلاح Alvarez & Marsal او غيرها طالما ان الصفحات مدونة بالحبر السري؛ القنابل الصوتية من صنف بطاقة تموينية كالسلاح الابيض سهام في الكرامات، اما الزوادة من مرشحين فمن نوع
كراتين اعاشة ما اعتادها اللبنانيين في استحقاق عيش كريم.!
القاعة ستائرها حمر ووثيرها جمر، مخملية جرداء نذير شؤم بلون الدماء ان شارع تفلت. الحاضرون يعلمون ان البلد لم يعد يحتمل مآسيه، لكنهم اعتادوا استثماراً صفيقاً لصالح انتخابات ولو باشعال فتنة على اعتياد.. تتالت المطالعات وترادفت العبارات والكلام بالنظام؛ بين منعطفات الاتهامات بدت بنود الملفات على سهولة حلها بالخلفية الوطنية لا المصلحية او المحسوبية Clientélisme اصعب من مفاوضات الترسيم الحدودي البحري؛ وإذ غلفت تمويهآ برغبات ظاهرها حسن النية لكن الخزي والمهانة كان توصيفها من اهل البلد..
تباعدت المقاعد في الصف الاول على احتدام القطيعة دون رمي السلام، صار كلا الفريقين سيان والنتيجة سلبية بامتياز، رفعت الايدي وصُدق محضر القضاء المحتم وبقي القدر أمل. اقفلت القاعة خرج الجمع في هرج ومرج، تَعَرُق الياقات كبلادة الصقيع، الوجوه وجوم والابتسامات بالكاد صفراء مصطنعة.

تاليآ، بين زيارة ودعوة قارب العدد 18 والمزاد على ازدياد، في الاعراف بدت النوايا تأسيسآ لمنهج مستجد جديد، والقراءة وصاية على حبر اللوائح بالاسم والمرجع والمذهب والحقيبة: تمزق الكتاب الابيض “الدستور” بابوابه الستة ومواده، ال 95 منها وهي الاخيرة طموح محمود لم تلحظ صيغة الازلام والحصص؛ الثقة مراد قبل التشكيل مع وحدة معايير وتوازن. عذرآ “مغالطات دستورية مادية لا لفظية Constitutional Fallacies حتى منطقيآ لا صائبة (فقل لمن يدعي في العلم معرفة ،،، حفظت شيئآ وغابت عنك أشياء). اما الصلاحيات فللموقع الثالث مسؤولية وطنية امام الناس والشعب لا امتياز شخصي لأحد..

في احد العنصرة؛ غاب الجمع عن السمع، دعا الراعي صاحب التكليف لتشكيلة محدثة والمؤتمن على الدستور للاتفاق والتفاهم، عل وعسى، إن فشلا فليذهبا الى القرار الشجاع “الاستقالة”..!
في تغذية الالم Ffeding Pain اختزال المرض؛ بين نظرية الموت البطيء والقتل الرحيم معادلة في عناصرها دعم السلع يساوي التهريب؛ وفقدانها يوازي التجويع. اما هوامش الضرر Collateral Damage فسلب الناس اموالها، وهي لم تعد جريمة جنائية بل وجهة نظر في حلول مالية، وهذا ما سيحفز الناس مستقبلآ على عمليات السطو والسلب “إن الغد لناظره قريب”..!
في دقة المرحلة؛ يقول الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل «ظلام الليل كله لا يستطيع أن يطفئ نور شمعة . لكنه يستطيع ذلك اذا تحالف مع هبة ريـح». وإزاء التحالف الخَدِر Numbness مع الشيطان نضبت عين التينة من مائها، لم يعد الرجل الثاني يملك من ارانب اذ استنفذت على مدى اعوام؛ فلجأ الى الاصل واعلنها جهارآ وهي عند الناس امرآ معلومآ: تشكيل الحكومة امر محض داخلي وشخصي.. ومن قوله اليائس َيُقال “وشهد شاهد من اهلها”؛ واشتقاقآ في لغة الضاد هي عبارة فيها تعبير تأكيدي واثباتي لإضفاء الشرعية والتأكيد على حق ما “حق الشعب اللبناني” اثناء صراع محتدم بين ازرق وبرتقالي تتداخل فيه مصالح اطراف مختلفة؛ إذ ان كل طرف يدفع بمبرراته قصد كسب اكبر قدر من الشرعية.
لكن المجلس النيابي باعضاءه هو الخصم والحكم في آن بعد تشويه عمدي لنظرية الديمقراطية التوافقية Consensus democracy وهي قبل هتك اصلها اساسآ تهدف الى كبح الصراع السياسي بين الأقلية والأغلبية وتعويضه بالتوافق والحكم الجماعي، مع الاخذ بأكبر عدد من الآراء وإشراك الأقلية المنتخبة في الحكم؛ اذ انها تسمح للمواطنين بالمشاركة أكثر في تحديد جدول الأعمال السياسي وعملية صنع القرار..! فكيف لنا السبيل الى هذا .؟ والى اين المفر .؟..

ختامآ؛ على بعد خطوات من مدخل “قهوة التل العليا” وسط مدينة “أم الفقير” طرابلس؛ سأل بائع الكعك (ابو محمد) زبونآ معتادآ بما معناه: “لمن ولما الرسالة الشكوى أليس الرئيس شريك الحل وسعد (الرئيس الحريري) صاحبه”. فكان الجواب في مضمونه: البريد مغفل والمغلف مقفل، اما ارتجاع الصدى في المجلس فمعلوم انه للبعيد الاوروبي والقريب العربي، هما توأمان في غيرة الرغبة لانتشال البلد من ثقب الفساد وسلبه حلالآ من هذه الطبقة السياسية والاوليغارشية الحليفة..! غمغم السائل عبارات غير مفهومة .؟ وضع السماق في كعكة ساخنة وقدمها مجانآ للزبون؛ رافعآ سبابته نحو السماء مرددآ “بيفرجها الله”..!

——————-

بيروت في 25.05.2021
*كاتب وباحث في الشؤون الامنية والسياسية