“بيت الدمية” .. مسرحية هزت اوروبا تحكي كيف خلعت المرأة عنها ثوب العبودية

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

“بيت الدمية” مسرحية اجتماعية عرضت أوّل مرة أواخر القرن التاسع عشر، وأثارت في حينها العديد من الاشكالات في المجتمع النرويجي المحافظ. وقد شكلت بطلته “نورا”، صرخة في وجه استعباد المرأة ولتصبح رمزا للتمرد على عبوديتها. أمّا المشهد الختامي للمسرحية فقد هزّ أوروبا، وأبرز اسم مؤلفها هِنريك إبسن. فمن هو هنريك إبسن؟
ولد ابسن في النرويج سنة 1828 وتوفي عام 1906. ومن أهم أعماله: البطة البرية، الأشباح، بيت الدمية وغيرها.
تنتمي أعماله المسرحية إلى مدرسة الواقعية التعبيرية، التي تتسم أحداثها بالتسلسل الطبيعي والمنطقي، وتنقل للمتفرجين صورة واقعية للحياة البشرية. وهكذا تميّزت أعمال إبسن بالعمق الإنساني، وجرأتها في طرح الموضوعات الاجتماعية الحساسة، مثل: الكذب والنفاق والمظاهر الخادعة. ويعدّ إبسن رائد المدرسة الواقعية في أوروبا، فقد استفاد من مخالطته معظم الطبقات الاجتماعية، وصدمه ما وجده فيها من عيوب، وأذهله ما بأفرادها من جهل وانحطاط. فجاء أدبه ثورة فكرية اجتماعية، وثورة على تقاليد الأدب الكلاسيكية والرومانسية.
فماذا عن مسرحيته “بيت الدمية”، حيث ضمّنها إبسن آراءه في الحياة الزوجية والمشاكل التي كانت تكتنفها في ذلك العصر.
هيلمر ونورا هما الشخصيتان الرئيسيتان في المسرحية. يصاب هيلمر زوج نورا بمرض خطير، فينصحه الأطباء أن يسافر إلى ايطاليا للاستشفاء. لكن المال لم يكن متوفراً، فاهتدت زوجته نورا إلى كروغشتاد، الموظف في أحد المصارف، ليؤمن لها قرضاً. ولكن، في ذلك الوقت، لم تكن القوانين تعترف بإمضاء المرأة على سندات القرض، وحيث أن زوجها كان يفضل الموت على الاقتراض، لم يبق أمام نورا إلاّ اللجوء إلى والدها، لكنه كان مريضاً ولا يمكنها مفاتحته بهذا الموضوع. وحين توفّى والدها، تعمد نورا إلى تزوير إمضائه وتحصل على النقود.
ويسافر هيلمر للاستشفاء، ثم يعود لبيته معافىً دون أن يستفسر عن مصدر النقود التي حصلت عليها نورا. ثم يصبح مدير البنك الذي يعمل به كروغشتاد. وهناك، يقوم هيملر – لتمسّكه بالقيم والنظام الدقيق- بطرد كروغشتاد لتورطه بتزوير إحدى المعاملات المالية. فيلجأ كروغشتاد إلى نورا كي تشفع له عند زوجها، وتوافق لكنها تخفق. فيعمد كروغشتاد إلى تهديدها بإطلاع زوجها على سر القرض المالي، كما يهددها بتقديمها للقضاء لأنه اكتشف أن إمضاء والدها مزور. فتكرر محاولتها إقناع زوجها بالعفو عن كروغشتاد ولكن دون جدوى. فيعمد الأخير إلى إرسال خطاب إلى هيلمر يكشف فيه أمر القرض، ويهدده بكشف الأمر للعلن وتشويه سمعته وسمعة زوجته.
يفقد هيلمر أعصابه، ويكيل لنورا سيلا من الاتهامات والشتائم. ولكن عندما يصله خطاب آخر من كروغشتاد يتراجع فيه عن تهديداته، تنفرج أسارير هيلمر، ويقفز صائحاً بفرح: لقد نجوتُ يا نورا، لقد نجوت. لينكشف أن ما أرّق هيلمر هو محافظته على سمعته وحده وحسب، أما زوجته فقد نسي ذكرها في هذه اللحظة. وهنا تتولّى نورا تقديم المقطع الختامي الشهير للمسرحية، فتقول:
نورا: سأخلع عن نفسي ثوب الدمية لأنني لم أعد أستطيع الحياة معك أكثر. كان أبي في ما مضى يسر إليّ برأيه في كل كبيرة وصغيرة فنشأت أعتنق آراءه نفسها، وإذا حدث أن كوّنت لنفسي رأيا مخالفا كنت أكتمه عنه خشية أن أضايقه. وعندما انتقلت لأعيش معك انتقلت من يد أبي إلى يدك ووجدتك تنظم الكون من زاويتك الخاصة فتبعتك في الطريق المرسوم، أو تظاهرت بأنني أتبعك. أنت وأبي جنيتما عليّ. والذنب ذنبكما إذا لم أصنع من حياتي شيئا ذا قيمة. يجب ألا أعتمد إلا على نفسي وهذا ما يدفعني إلى الانفصال عنك. أريد أن أزن الأشياء بوحي من فكري أنا، لا من فكر الغير، وأن أرقى بنفسي إلى مرتبة الفهم والإدراك.
وتصفق نورا الباب مغادرة، وتنتهي المسرحية.
لم تكن “بيت الدمية” أولى مسرحيات إبسن، ولكنها مسرحيته الأكثر جدلاً، والمسرحية التي جلبت له الشهرة والعالمية. وقد أثارت هذه المسرحية الجدل حولها، وهوجم إبسن بسبب تقديمه شخصية الزوجة بهذا الشكل، وعن جرأته تقديم شخصية الزوجة التي تشارك في تحمل الأعباء المالية للحياة الزوجية، فتستدين وتتورط في الدين، وتزور إمضاء أبيها. والأدهى هو كيف تغادر بيت الزوجية غاضبة ثائرة وتصفق خلفها الباب. ولكن المتمعن للمسرحية يدرك أن إبسن جعل من شخصية الزوج رمزاً للنفاق الاجتماعي أو الأنانية، فهو لم يكن مستعداً للاستدانة، ولكنه لم يسأل زوجته عن مصدر المال الذي قدّمته لرحلته. فهنا نحن أمام ازدواجية في المعايير، ونظرة تخرج المرأة من إنسانيتها، إلى مجرد شكل جميل، أو دمية.
وقد ابتكر إبسن في هذه المسرحية تقنية جديدة في بناء المسرحية، فحيث أن المسرح الكلاسيكي بنى أعماله على أساس المقدمة ثم العقدة ثم الحل، فإن بيت الدمية جاءت وفق تقنية المقدمة والعقدة ثم النقاش أو الجدل. وهي بنية مسرحية كتبت وتكتب بها الكثير من الأعمال المسرحية.