بولندا خارج المرمى..!

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

‏14:40 (GMT) من 15 الجاري، PRZEWODOW بلدة تبعد 6 km عن الحدود الاوكرانية جنوب-شرق بولندا، سمع دوي انفجار ضخم تبين بعد دقائق انه ناتج عن سقوط صاروخ نوع S 300 روسي الصنع مخصص للدفاع الجوي على منشأة معدة لتجفيف محاصيل الحبوب، كما طالت الشظايا مدرسة البلدة المجاورة. ادى الحادث الى مصرع شخصين حسب ما أعلنت الحكومة البولندية. بالتزامن كانت العاصمة كييف ومدينة لفيف الحدودية ومحطات الطاقة الكهربائية تتعرض لوابل من صليات الصواريخ الروسية الباليستية القصيرة المدى 9K720 Iskander والجوالة kalibr 3M-54 وراجمات الصواريخ العالية الدقة Tornado-S..

 

الانعكاسات والردود على الحادث شابها الكثير من اللغط والتخمين مع تدحرج قلق في التفسيرات دوليا واوروبيا؛ اذ اتى الرد الاولي للحكومة البولندية العضو في حلف شمال الأطلسي برفع درجة الاستنفار ووضع قوات الجيش في حالة التأهب القصوى. فيما اعلن الناطق باسم وزارة الخارجية لوكاس كاسينا انه تم استدعاء السفير الروسي في وارسو سيرغي اندرييف لإستيضاحه عن الحادث، ووفقآ لما تبلغ الاخير من ادارته انحصر اللقاء بطرح سؤالين هامين: مصدر الصاروخ.؟ هل القصف متعمد ام شرود قذيفة عن المسرى.؟ الاجابة اختصرت الكثير من رؤية الكرملين الجيو استراتيجية: ١- نفي اقدام القوات الروسية على استهداف الاراضي البولندية، ٢- لا يوجد قرارا لدى الكرملين بإثارة اي نزاع مع دول الطوق الاوكراني او توسع العملية العسكرية نحو بولندا، رغم تورط الاخيرة بدعم الجيش الاوكراني وتسهيل عبور الاسلحة الغربية الى كييف اضافة الى استقبال اكثر من مليوني لاجيء اوكراني..!

تاليآ، اعلم موظفو البيت الابيض الرئيس الاميركي جو بايدن بعد ايقاظه ليلا عن نبأ الانفجار الصاروخي، وفي اتصال هاتفي مع الرئيس البولندي أندريه دودا، عبر عن “تعازيه الحارة”، مؤكدا دعم بلاده الكامل واستعدادها للمشاركة في التحقيق”، كما “أعاد التأكيد على التزام الولايات المتحدة الصارم تجاه الناتو”..! المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، الجنرال في سلاح الجو بات رايدر صرح انه “يتم التدقيق في مزاعم استهداف صاروخين روسيين موقعًا داخل بولندا بالقرب من الحدود الأوكرانية” مكررآ “سندافع عن كل شبر من أراضي الحلفاء الاوروبيين”..!

لاحقآ، اعلن الرئيس اندريه دودا خلال كلمة ألقاها امام اعضاء مكتب الأمن القومي في وارسو: “نعمل دون تسرع وبطريقة هادئة للغاية”، مطمئنآ الى استمرار التزام حلف شمال الأطلسي (الناتو)بحماية دولته.. في السياق نفسه التحذير من اية استنتاجات متسرعة كان سيد الموقف لدى معظم القادة الاوروبيين لا سيما المشاركين في قمة مجموعة العشرين G 20 المنعقدة في مدينة بالي الاندونيسية..! في حين اعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ أن “لا مؤشر” يسمح بالقول إن الانفجار الذي أسفر عن قتيلين في بولندا ناجم عن “هجوم متعمّد”.
بالمقابل وزارة الدفاع الروسية في بيان مقتضب اكدت عدم قصف قواتها لأية أهداف بالقرب من الحدود الأوكرانية البولندية”. ١-“أن الضربات العالية الدقة التي شُنّت على أراضي أوكرانيا كانت تبعد 35 كلم عن الحدود الأوكرانية البولندية” ٢- أن صور الحطام التي نشرتها وسائل الإعلام البولندية من مكان الحادث في قرية برزيودو ” لا علاقة لها بالأسلحة الروسية. ٣- أن الصاروخ الذي سقط في بولندا أطلق من احدى منظومات الدفاع الجوي S-300 التابعة للقوات الأوكرانية.. الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف غرد تويتريآ معلقآ على الضجيج الغربي المثار “الحادثة تثبت شيئًا واحدًا فقط شن حرب هجينة ضد روسيا، والغرب يدفع ويقترب من الحرب العالمية الثالثة”..!


من جهة اخرى،، 530 Km هي مسافة الحدود المشتركة البولندية-الاوكرانية، و “وارسو” عضو في NATO منذ عام 1999 وبالتالي تتمتع بالحماية استنادآ للمادة 5 من ميثاقه المتعلقة بالدفاع الجماعي Collective Défense. كما تتيح المادة الرابعة لأي دولة عضو طلب التشاور مع الحلفاء في حال استشعرت أن سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو أمنها معرض للتهديد. في نفي عامل الصدفة واعتماد نظرية المؤامرة فإن الفخ الذي نصبه الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي فشل في توريط بولندا وبالتالي حلف شمال الاطلسي بمواجهة مباشرة مع روسيا..! مع الاشارة انه سبق وسقط العديد من القذائف الصاروخية على الحدود مع دولة مولدوفا..!

في الترسيم الايديولوجي Ideological Demarcation تواز او اندماج مع الجغرافي؛ هنا لا ضرورة لشرح عقيدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيته اللا ديماغوجية، هو القائل «ان انهيار الاتحاد السوفياتي عام ١٩٩١ اخطر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين» وهو الساعي تاليآ الى استعادة مجد الامبراطورية على اعتبار الاتحاد الروسي الوريث الطبيعي لروسيا القيصرية (لا السوفياتية) التي توسعت وامتدت من المحيط المتجمد الشمالي الى البحر الاسود جنوبآ ومن بحر البلطيق غربآ الى المحيط الهادئ شرقآ ضمنآ اوروبا الشرقية السويد فنلندا والكومنولث البولندي الليتواني..!

اخيرآ؛ رغم العقبات والمعوقات التي واجهت وما أفرزت العملية العسكرية الروسية على اوكرانيا فإن ارتداداتها على دول العالم مزدوجة في الداخل خلافات سياسية مع اختلاف الرؤى والممارسات حزبية وايديولوجية او دينية جمة، اما فيما بينها ووفق نظرية “الجغرافيا أُم الاستراتيجيا” بحسب Gray Wilson فإن انقسامات جيو استراتيجية اقليمية وعالمية تتعمق اكثر وتتظهر عاموديآ بقيام المحاور والاحلاف كذلك تكريس حضور المجموعات الاقتصادية المتضادة..! اما حال الكوكب فأسوأ من حال شعوبه، ما يصرف على السلاح وعظيم بدائعه كما تكاليف الحروب “يحيي العظام وهي رميم” عميم اليأس كما الأسى يطال كوكب على عتبة تأثيرات مناخية وطقسية عاتية والمعالجات غير كافية لا بل تتراجع بشكل محزن ..!

بيروت في 24.11.2022