برنار إيميه …!

 

بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي *

بين الزيارة الاولى في السادس مِن آب و الثانية في 31 منه تميز الحراك الفرنسي في لُبنان بالمستوى الارفع ؛ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هاله حجم الكارثة الوطنية و مشاهد بيروت العاصمة المنكوبة أثر ألإنفجار الجريمة الذي وقع في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت الأمر الذي حفزه للحضور و التفقد و التضامن و المساعدة بألتوازي مع تغافل و ارتباك ظاهر للمسؤولين اللبنانيين مع قصور تاليآ في قدرة تعاطي أجهزة الدولة مع الحدث الجلل في حين انبرت معظم الدول الصديقة و المتعاطفة مع لُبنان الى مده بالمساعدات اللازمة و الضرورية كل وفق قدراتها ..!
الزيارتين الرئاسيتين المتتاليتين حظيتا بِما يكفي مِن اهتمام وسائل الاعلام المحلية و الاجنبية كما وضعت تحت مجهر التحليل و الدرس لدى المراقبين أما التتبع و التقصي عما دار في الاجتماعات المغلقة فتولته كالمعتاد اجهزة الاستخبارات المعشعشة في زوايا الوطن و إذ اختُصِرَت مقدمات تقاريرها المرفوعة الى اداراتها بحجم الترحيب الشعبي الذي وصل لدى كثيرين الى حد الدعوة لإنتداب جديد اتت البنود الاخرى لتقيم توقيت المبادرة و ردة فعل السياسيين و رؤساء الكتل و الاحزاب عَلى ما طُرِح و طلب و ما هو متوقع ..!

نوعآ مِن خارطة طريق لإنقاذ الوطن الذي تمأسس عام 1920 رسمها الرئيس ماكرون اعلن عن بعض جوانبها خلال مؤتمره الصحفي المطول الذي عقد في قصر الصنوبر مقر السفارة الفرنسية المبنى التاريخي حيث اعلنت دولة لُبنان الكبير تضمنت محورين : الاول تشكيل حكومة جديدة مهمتها ألإنقاذ ألاقتصادي و المعيشي بالتزامن مع اصلاحات عَلى مستوى الادارة اللبنانية و مكافحة الفساد إضافة الى السير بخطوة التدقيق الجنائي Forensic Audit المالي عَلى صعيد مصرف لُبنان و وزارة المالية ، أما المحور الثاني عَلى المدى المتوسط فيختص بمراجعة القضايا الشائكة مِن عقد اجتماعي جديد الى الاستراتيجية الدفاعية و إذ رحب مختلف الفرقاء بالمبادرة الفرنسية إلا ان ما كان لافتآ فهو عدم اعتبارها مساسآ بالسيادة الوطنية حتى مِن جانب قيادة حزب الله ..! الخطوات الاولى لما اتفق عليه بعد مغادرة الرئيس الضيف كانت ببدء الاستشارات الملزمة التي ادت الى تكليف السيد مصطفى اديب لترؤس الحكومة العتيدة مع مهلة 15 يومآ لإنجاز تشكيلها عَلى امل نيلها ثقة نيابية وازنة تسمح لها بالانطلاق دون اضاعة الوقت لإنتشال البلد مِن الهوة المميتة ..!
مِن جهة اخرى ؛ حسنآ فعل الرئيس المكلف في التكتم على التشكيلة المرتقبة و الخيارات التي قد يعتمدها سواء في مداورة الحقائب او شكل الحكومة مصغرة مِن اختصاصيين مسيسين عابرة للطوائف و الاحزاب في آنًٍ معآ .. إلا ان جملة مستجدات طرأت مِن اهمها العقوبات الصادرة عن الادارة الاميركية لشخصيات مقربة او حليفة لحزب الله استهدفت في مرحلتها الاولى الوزيرين السابقين يوسف فنيانوس و علي حسن خليل كذلك الحريق الذي اندلع في مرفأ بيروت يوم الخميس الماضي بملابساته الفاضحة لمَدى هشاشة الدولة واجهزتها و فشلها كذلك حالة “العفن” التي وصلت اليها وفق ما وصفت السفيرة الاميركية في لُبنان دوروثي شيا ..!
هذه الاحداث و العقبات لَم تستطع فرملت اندفاعة الرئيس المكلف في متابعة مساعيه لإنجاز مهمته
كما ان الرهان عَلى اعتذاره عَبرَ طرح شروط و شروط مضادة تؤدي الى تجاوز المهلة المعطاة للتشكيل ساقط حكمآ إذ بات ألأمر مرتبطآ بالمبادرة الفرنسية كما ان فريق العمل المُكَلف مِن الرئيس ماكرون متابعة الوضع اللبناني الذي يرأسه مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية و السفير السابق في لُبنان “برنارد إيميه” الملم بخفايا الطبقة السياسية و العابها لَم يفقد اوراق قوته فروسيا و ايران موافقتان عَلى الحراك الفرنسي كما ان واشنطن غير ممانعة لا بَل اعتبرت العقوبات الاميركية مِن قبل البعض عن خطأ او لمآرب اخرى نوعآ مِن تبادل ادوار بين واشنطن و باريس وِفقآ لسياسة العصا والجزرة ..!

إستطرادآ الكل يجمع ان المبادرة الفرنسية و تشكيل حكومة الرئيس اديب خشبة الخلاص لا بَل الفرصة الاخيرة التي يتوجب التقاطها للأزمة اللبنانية المستفحلة أما فرضية تثبيت النفوذ الفرنسي في لُبنان بالقفازات الحريرية مجاراةً لتمدد جيو سياسي مِن الدول الاقليمية الثلاث تركيا ، ايران و العدو الاسرائيلي التي تحاول تقاسم خارطة الاقليم بدوله و ثرواته النفطية و مربعاته الغازية البحرية كل عَلى خلفية استراتيجيتها المعتمدة ففيه مجافاة للحقيقة إذ ان ما يمر به الوطن الصغير مِن تخبط عَلى كافة الصعد إضافةً الى ارتباطه الوثيق بقضايا دول الجوار و انعكاساتها السلبية عليه يجعل مِن الحراك الفرنسي حاجة ملحة لا مناص منها قد تثمر عَبرَ مراكمة عدة خطوات ايجابية ضرورية في تأسيس مرحلة جديدة سياسية و اقتصادية مغايرة للواقع المهتريء بعد مئة عام مِن اعلان لُبنان الكبير ..!

عَلى الصعيد الاستراتيجي تقف فرنسا عَلى ضفتي المتوسط الشرقي و الغربي تقرأ معالم مرحلة جديدة تفرض عليها تحديات مباشرة سياسية و عسكرية في ظل خشية أوروبية مِن التمدد التركي المتزامن مع حالة احتضار يمر بها حلف شمال الاطلسي NATO القاصر عن معالجة المشكلات بين دوله الاعضاء مع غياب لتدخل اميركي فاعل لا بل اعلان النية في التنصل من عضويته كما ان اهتمام الولايات المتحدة الاميركية عَلى بعد شهر او يزيد مِن الانتخابات الرئاسية يتمحور حول عملية التطبيع الجارية عَلى قدم و ساق بين الكيان الصهيوني و بعض الدول العربية الخليجية تحديدآ ؛ أما رحلة الحرب الاهلية ألافغانية التي دامت اكثر مِن 18 عامآ فتحظى باهتمام جدي بَدأت ملامح إنهائها بعد اتفاق بين واشنطن و حركة طالبان خلال شهر شباط الماضي و هي ترعى اليوم مؤتمر الدوحة للسلام الذي ينعقد بحضور وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ..!

السؤال المطروح اليوم هَل سيبقى الرئيس الفرنسي عَلى اهتمامه بالوضع اللبناني بالتوازي مع مسارح الصراع الشرق اوسطية الملتهبة ..؟ مِن الواضح ان تكليف برنارد ايميه متابعة الملف اللبناني يظهر حجم و جدية الاهتمام هو سيذهب بعد تذليل عقبات التأليف نحو مقاربة تدرجية لإصلاحات بنيوية يريدها الشعب
و عقد اجتماعي جديد يحمل صيغة دولة مدنية اكثر حداثةً ، أيضآ ان إستيعاب حزب الله و محاورته مبني عَلى تفاهمات ايرانية فرنسية كذلك فإن التفريق بين جناحيه العسكري و السياسي لَن يؤدي حاليآ الى كسر تقاطع المصالح مع الولايات المتحدة بِما يعني اسقاط المبادرة الفرنسية او فشلها ..! لُبنان الكبير ارادة انسانية مشتركة و رسالة حضارية لا يريد العالم خسارتها ؛ المظلة الفرنسية بأبعادها معقودة ألآمال عليها و هي كافية في حال صفت النيات لإنقاذ البلد بعد طول معاناة ..!

———————

بيروت في 12.09.2020