بائع الآمال…!

 

 

هي محطة مفصلية في تاريخهم ؛ على تنوعهم الطبيعي “الجندري” Gender diversity و اختلافهم الطائفي و المذهبي المصطنع إضافةً الى تمايزهم الفكري و الاجتماعي و العقائدي المفترض ؛ رفض اللبنانيون ان يكون يوم 17.10.2019 كغيره من الايام ورقة تقلب من روزنامة الزمن ؛ لم يكن تاريخآ عاديآ اذ احتضنتهم الشوارع و الساحات في تحركات راقية و تظاهرات سلمية احتجاجآ على اداء السلطة السياسية المتفلت من اية ضوابط او قوانين تاليآ على اسقاط هيمنة الاوليغارشية Oligarchs السلطوية المتحالفة مع اقطاع عائلي صنو حزبي المستولية على مقدرات البلاد و العباد مواربةً ام مباشرةً ..! توالت الايام لا بل الساعات على جمر التغيير و تصحيح المسار و شعروا بدنو قطاف نضالهم بعد تقديم رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري استقالة حكومته إذ رأوا في هذه الخطوة “مُرغمآ اخاك لا بطل” اعترافآ بالمسؤولية في التقصير لا بل القصور الفاضح عن حوكمة رشيدة تحدد الاولويات و الحاجات و تسير بالمعالجات للقضايا و المطالب كما ترسم الاستراتيجيات المستقبلية لتقدم البلد و ازدهاره و رفاه ابنائه .. و اذ رأوا في امارة دبي نموذجآ راقيآ مرادآ على استحقاق لوطن من خيرة اوطان الناس لكنهم كانوا يقينآ يعلمون انهم بعيدين مسافات ضوئية للوصول الى ثقب ابيض منفذ White Hole ينقل كوكبهم و بالتالي وطنهم الى بعد فضائي آخر يسوده سلام و ازدهار يتواءم مع ما حلموا به و يتطابق مع ما تصبوا اليه الانسانية جمعاء مِن منطلق حقيقة انتشارهم الاغترابي ..! اما وزارة السعادة Ministry Of Happiness التي ابتدعها حاكم تلك الامارة الجوهرة فمعروف انها اضغاث احلام اين منها الحصول او الوصول الى بديهيات عيش المواطنة الحقة في ظل لا مبالاة حكام تقاسموا السلطة مع انتهاك متمادٍ لادنى الحقوق المعيشية على سبيل المثال لا الحصر (كهرباء ، ماء و اتصالات ، طبابة و تعليم ، امن و قضاء و هجرة قسرية مع عدم استقرار .. الخ ..!

في البعد الفلسفي المقارن Comparative Philosophical Dimension تقول واضعة دستور الحركة النسوية العالمية الفيلسوفة الفرنسية Simone de Beauvoir في كتابها Le Deuxième Sexe “الجنس ألآخر” إن ألأنثى تولد إنسانآ ثُم تُصنع إمرأة” في تأكيد عَلى ان هوية المرأة المستلبة الارادة مِن صنع الرجل و تحررها يكون بقدرتها عَلى الخروج مِن اصفاد الصورة النمطية التي صنعها المجتمع .. بِالمقابل في تأكيد هوية المواطن اللبناني وضع دستور زعماء الحرب الذين تولوا زمام الحكم إثر انتهائها تطبيقات مهولة لا مسؤولة لممارساتهم كانت نتائجها بعد عُقود دَينآ مستحقآ عَلى كل مولود يقارب ال 17 الف دولار اميركي دون ان يكون له ذنب فيه و ذلك في تأكيد مكرر عَلى استلاب السلطة الحاكمة موارد البلد و سطوها عَلى اموال الناس دون حساب او محاسبة ..

مِن جهة اخرى ؛ دون التطرق تفصيليآ الى مخطط افشال الحراك المدني المتسامي و التآلب عليه فقد كانت عناوين اسقاطه التالية : تعليبه طائفيآ ثُم مذهبيآ لهتك طهارته وطنيآ .. تقسيمه جُغرافيَآ عبر احياء خطوط تماس معتادة معتمدة منذ الحرب الاهلية .. توريطه في عنف اعمى مع بعض القوى الامنية ضمن اسلوب عملها المبرمج من زج مخبريها في صفوف المتظاهرين لضمان بقاء التجمع او التظاهرة ضمن مسارها السلمي او حرفها الى مَسار التخريب و تَحطيم الاملاك العامة وفق امر العمليات السياسي .. دوزنته عَلى ذبذبات Frequency القيادات السياسية و الحزبية تعطيلآ او تفعيلآ مع “شد عصب” عبارة معتمدة بشعة الشكل و الجوهر .. تسلل اجهزة استخباراتية اليه ليصبح تحركآ “غب الطلب” On Demand تجانسآ مع القدرة العملياتية المطلوبة للقيادة المتعددة الاهداف .. شل ما تبقى من الاقتصاد الوطني و اقفال مؤسسات نتاج متوازٍ لتهريب اموال المصارف و رؤوس اموال المتآمرين الى خارج البلاد و بالتالي تسديد الضربة القاضية عبر دفع قيمة العملة الوطنية الى الانهيار .. منع الحراك عَبرَ اختراقه كيانيآ و سياسيآ مِن فرز قيادات شبابية كفوءة حيادية قادرة عَلى قيادته لتحقيق مطالبه و ان على عَلى مراحل ؛ أما عبارة “وهج السلاح” Glare of weapon الخلاقة ففي الشكل ازدواجية لتفسير مرادها كون “الوهج” جمالي في مفهومه المبدأي لكنه يختلف وفق موقعه التشبيهي في الجملة ؛ جميل بيت الشعر التالي مثالآ : تستدفيء الايدي على وهج العناق الحار *** كي تولد الشمس التي نختار … اذن بات سلاح الحزب ضمن الاهداف المنتقاة و هو يفوق قدرة الحراك الشعبي المطلبي المختصر ابدآ بمعالجة الهموم المعيشية على مستوياتها كافةً ؛ لا بل ان هذا الامر او هذه القضية “سلاح حزب الله” رغم انه يتوجب وضعه في الوقت المناسب ضمن استراتيجية دفاعية لدولة لبنانية مفترضة قادرة حقة الا انه حاليآ يغوص في عمق متناقضين لا ثالث لهما فهو سلاح المقاومة الذي يفرض معادلة توازن الرعب و الردع مع العدو و الا لكنا رأينا بوارجه البحرية الحربية تواكب منصات الحفر و التنقيب الاسرائيلية لاستخراج الغاز الكامن في الاعماق اللبنانية Deepwater من البلوك رقم 4 مقابل الشاطيء الشمالي الغربي للعاصمة بيروت لا البلوك 9 المتاخم للحدود البحرية لفلسطين المحتلة و بالتالي لا حاجة لترسيم اية حدود عَلى ما ورد في سفر التكوين كتاب العهد القديم (حدودك يا اسرائيل من الفرات الى النيل) ؛ مِن ناحية ثانية اصبح “وهج السلاح” Glare of Weapon يشرق في تخوم العراق الشرقي و يغيب عَلى افق شواطيء اليمن الغربية هذا ما يتجاوز حجم الوطن الكئيب او تحمل انعكاساته و اضراره تاليآ اذ لَم يعد مِن قدرة لدى الناس لا بَل هي غير مجبرة عَلى التزام خياراته المحورية و الاقليمية ..!

فيما وصلنا اليه اليوم ؛ بعد ان اضحت التورة فورات آنية و الحراك تحركات عشوائية فإن خسارة الرهان اتى مزدوجآ سياسيآ في بعده الاول تبين تعذر سُقوط “السيستم” System النظام او تصحيح اعوجاجه و تطويره و تقليم اظافر رعاته و بالتالي اطلاق الملاحقة القضائية الجادة لكثيرين مِن اركان الدولة “الضحلة لا العميقة” على خلفية جرائم متمادية مرتكبة في مضمونها فساد و استيلاء عَلى الاموال العامة و الخاصة و في نتائجها تحطيم هيكل الوطن المقدس انتهاك سفور لحرمة رفعته و كرامة شعبه “الرغيف صنو الكرامة”.. داميآ دمويآ في بعده الثاني جمر مازال مشتعلآ لانفجار نووي دمر ثلث العاصمة و هجر سكان ثلث آخر منها ما يقارب مئتي شهيد و الالاف الجرحى و المعوقين كانوا الضحايا .. ذبلت ورود الكون بعده فبكت الامهات ثكلى و الاباء ألمآ الابناء يتامى و الاقرباء غابوا ؛ اما التحقيقات ففي طياتها اوراق جرداء لجريمة دون مجرم بها و عليها يتم التلاعب فيها مِن التملص في تحديد المسؤولين و كشف الحقيقة الكثير ؛ و اذ حَاوَلَ الرئيس ماكرون كفكفت الدموع بارادة صلبة مع سعي لمعالجات الثغرات و العقبات بين الاطراف المتنازعة حفاظآ عَلى ما تبقى مِن عظام هشة باتَت رميم في محاولة انقاذ غدر بها كثيرون سرآ و جهارآ على خبث خجل لا حياء و على احقية فعل و تفاعل ..!
في عودة الى المربع الاول ؛ اصبحت العقدة التي لطالما امسكت بناصية البلد و قبضت على اعناق مواطنيه تشكيل حكومة انقاذ او مهمة اذ تدور الدولة و ساستها في فلكِ حلقة مفرغة معتادة : من تمسك بصلاحيات او اعراف مع اختلاق اجتهادات معلبة لدستور يحمل في طياته عدة اوجه لتفسير بنوده الى عدم او مع اعتماد معايير موحدة ملتبسة في معظمها إضافةً لعقوبات اميركية مفروضة و مفترضة بالتوازي مع وساطات فرنسية و اوروبية مهيضة الجناح حُوِلَت هجينة المنطلقات او دولية متوالية مع استنكاف حصري لمبادرات عربية لطالما كانت انقاذية في السياسة و المال كذلك احتضان مرجعيات دينية مؤكدة الالتزام في وحدة الانتماء عن قناعة او عدم اقتناع لمسؤولين تورطوا او اهملوا و اخرين سياسين او قضائيين و امنيين قصروا الخ …
من جهة اخرى ؛ في تقاطعات المشهدية بضع إنتظارات مميتة لقضايا استراتيجية على مستوى الاقليم غارق الوطن فيها و منها اخلاء الرئيس ترامب المكتب البيضاوي لخلفه المنتخب جو بايدن بعد توديعه لبنان و الاقليم بضربة عسكرية مؤلمة يتماهى قرارها مع رغبة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو و ينصح او يدفع بها زوج السيدة إيفانكا و صهره جاريد كوشنير تتضاءل فرص حصولها مع كل يوم يمضي كذلك إحياء الاتفاق النووي الايراني من قبل الرئيس بايدن بوضع ملفه على صفيح بارد لتسوية معقولة ..!

ختامآ ؛ الوطن يتقلب على جمر جهنم نهاراته مبهمة مظلمة و لياليه بهيمية حالكة ؛ لم يعد متوفرآ امام شعبه سوى أمل الخلاص على يدي بائع الامال Hope Salesman الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عسى الا يعود مفلسآ لا سيما بعد ان تآلب علينا القدر فلم يرحمنا اذ اصيب بالوباء اللعين كورونا .. و على انتظار متقد لعودة مرتجاة تتساءل الجموع ماذا سيبيعنا و الارض خاوية ربيعها بوار أيضعنا على جهاز التنفس الاصطناعي Ventilator بعد اختناق صوته و تبدد كلامه بين القصور و الكراسي .. أ’يوهم الاموات الشهداء انهم لم يرحلوا أم الاحياء ان صمتهم ابلغ من الصراخ ..! الوطن حطام و سنابل الاحلام تتكسر على الناصيات …! اهل البلد المقهورين يدعون له بالشفاء لعل و عسى ما سوف يأتي في زمن الميلاد المبارك على مستوى الآمال ..!

—————–

بيروت في 20.12.2020