بأية حال عدت يا عيد ..؟

بقلم العميد منذر ألأيوبي*
ليلة من ألرُعب عاشتها ألعاصمة ألثانية طرابلس أمس عشية عيد الفطر المبارك أعادت أهاليها الى الوراء تذكيرآ بألأحداث الأليمة و التفجيرات التي وقعت خلال السنوات الماضية . موجة من ألشائعات عمت المدينة ساهم في إنتشارها وسائل التواصل الاجتماعي ، أضفت مناخآ من القلق جعلت الناس تخلي معظم الشوارع و الأسواق خشية تفاقم الأمور في نوبة هلع و ارتباك نتيجة عامل المفاجأة ، فالمدينة كانت في حال إسترخاء و ارتياح و فرح العيد في ظل تدابير مشددة للجيش و القوى ألأمنية تشمل معظم أنحائها ..
أتى شريط الأحداث حافلآ متزامنآ مع أخبار تبادلها الأهالي دون تأكيد أو نفي ، منها ما هو للإطمئنان ، بعضها للتحذير و أخرى بدافع الفضول ضمن سياق إجتماعي طبيعي خلال وقوع أحداث ارهابية من هذا النوع ..
توالت الرسائل النصية على “ألواتس آب” بغزارة بدءآ من الساعة 23:00 تضمنت على سبيل ألمثال لا الحصر ما يلي : إلقاء قنبلة صوتية – مهاجمة دورية لقوى الامن الداخلي – استشهاد عسكريين – أحراق سيارة دورية – إطلاق نار – ألإعتداء على احد المراكز العسكرية – اشتباك مع المسلحين – احتجاز رهائن – التحصن في احد الأبنية – تفجير حزام ناسف من قبل احد الإرهابيين الخ … هذا غيضٌ من فَيضِ ما تناقله ألجمهور و نُقِل ..
أما في ألتفاصيل ، فقد أقدم ألإرهابي ألإنتحاري منفذ ألهجمات على رمي قنبلة يدوية و إطلاق النار من سلاح حربي بإتجاه نقطة حراسة مبنى مصرف لبنان ألكائن في محلة ألبولفار ، ثم كرر عملية إطلاق النار نحو خفراء سراي طرابلس ، لاحقآ هاجم دورية لقوى الامن الداخلي في محلة سنترال الميناء بألقرب من مسجد السلام و بعد ذلك تابع نحو مرفأ طرابلس مهاجمآ دورية للجيش اللبناني ..
في سياق مُتَصِل ، بِدايَةً ! أتَت حركة الانتحاري المهاجم و سلوكه في التنقل من شارع لآخر توحي أن مجموعة مسلحة تنفذ الهجمات ، لكن ألأجهزة الأمنية و مخابرات الجيش اللبناني تعاملت مع الأمر بدم بارد حيث تأكدت من أن ألإعتداءات ينفذها شخص واحد بمفرده يتجول ضمن حركة شبه دائرية مواصلآ هجماته في شوارع المدينة و من مكان لآخر ..!
بوشر بِملاحقته بعد إعتلامه ، حيث تم إقفال عدة شوارع و تحويل حركة السير الى أخرى فرعية بهدف حصره في بقعة محددة إلى أن إلتجأ إلى بناية “ألإيعالي” ألسكنية ألكائنة في شارع دار التوليد متحصنآ فيها محاولآ إحتجاز رهائن .! بعد تطويق المبنى و بدء عملية المداهمة التي كانت تنفذها القوة الضاربة في إستخبارات الجيش اللبناني أقدم على تفجير نفسه مستخدمآ حزامآ ناسفآ كان يرتديه رافضآ الاستسلام في حين أسفرت الهجمات و الرد عليها عن إستشهاد ضابط برتبة ملازم أول و ثلاثة عسكريين ..
تبين ان منفذ الهجمات هو أحد الإرهابيين الانغماسيين اللبناني عبد الرحمن مبسوط ينتمي الى مجموعة المتطرف الإرهابي اللبناني أسامة منصور ، هذه الخلية كانت قد شاركت في المعارك ضد الجيش اللبناني خلال احداث طرابلس عام 2014 ، كما قاتِل “ألمبسوط” في صفوف تنظيم داعش و أوقف في سوريا عام 2015 و لدى فرع المعلومات عام 2016 فور عودته إلى لبنان ثم أخلي سبيله عام 2017 .
لاحقاً أعلنت الوكالة الإخبارية “اعماق – نسبة إلى عبارة – أعماق أرض ألخلافة” التي أسسها ألإرهابي ريان مشعل “قتل مؤخرآ في غارة جوية” التابعة لتنظيم داعش عن تبنيها ألإعتداءات التي نفذتها ليل أمس في طرابلس مجموعة “ابو محمد العدناني” و هو ألسوري طه صبحي فلاحة قتل أيضآ عام 2016 في غارة جوية على ريف حلب ، مع الإشارة الى ان “أعماق” وكالة محظورة و هي المصدر الاول لأخبار التنظيم الإرهابي تعتمد في بثها تطبيق “تيلغرام”..
في ألتكتيك ، يعتمد ألجيش اللبناني و الأجهزة الامنية الرديفة نسبة جهوزية تقارب 80 % خلال الأعياد الدينية و المناسبات الوطنية حيث تطلق دورياتها المعززة ألراجلة و المؤللة بِألإضافة الى تمركزات امام دور العبادة ، أما دوريات الاستعلام و الامن الوقائي فتنشط في مهام جمع المعلومات ، إختراق الخلايا النائمة ، التقصي عن الذئاب المنفردة و هذا أمر واجب نجحت فيه بكفاءة رغم كل الظروف المحيطة التي يعيشها لبنان و الإقليم ..
مما لا شك فيه أن حال الاستنفار و تدخل ألجيش اللبناني بقوى كثيفة و أخرى نوعية متخصصة في مكافحة الاٍرهاب قد يكون كبح جماح حركة إرهابيين آخرين كانوا يستعدون لتنفيذ هجمات متزامنة
مع هجوم الإرهابي عبدالرحمن مبسوط سيما و ان المعلومات المتوفرة تشير الى ان خليته مكونة من
تسعة أشخاص .
ألتَحقيقات ألتي يجريها فرع التحقيق في مديرية ألمخابرات بألتوازي مع أخرى لفرع المعلومات ستؤدي إلى ألإضاءة على كَثير من الخيوط كما ستكشف عديد و أسماء المجموعات ألإرهابية ألعنقودية التي من الممكن لجوءها مؤخرآ إلى طرابلس و عكار لا سيما بعد انهيار تنظيم داعش في سوريا ..
كما ان نساء لبنانيات سبق و تزوجن من متطرفين ارهابيين تابعين لتنظيمي داعش و النصرة قتل أزواجهن في سوريا خلال المعارك يتحضرن حاليآ للعودة الى لبنان تسللآ مما يستوجب المزيد من التقصي و الحيطة و الحذر ..
ألعيد أتى دمويآ على طرابلس ، المدينة الرائعة التاريخية الأثرية المنكوبة بدولة أهملتها و سياسيين غير مبالين بها .! هي لا تشكل مطلقآ بيئة إستراتيجية حاضنة للإرهاب فَ بالرغم من الفقر المدقع و الوضع الاقتصادي المعيشي الصعب فإن أهلها و شبابها لا يستطيعون سوى الوقوف الى جانب جيشهم و القوى الامنية عن قناعة ، لكن النكبة الكبرى هي في بَقاء الحال على ما هو عليه ألأمر الذي سيتيح لضعاف النفوس فقراء ألحال المادي و الفكري ألضَحِل ألسقوط في خلايا إرهاب ضارب متوفر مما يستوجب على الحكومة أللبنانية ألإنصراف لمعالجة أوضاع المدينة و مقومات الحياة فيها و بناها التحتية بشرآ و حجرآ إضافة الى دفع المنظمات الدولية للمساعدة و إدراجها على جدول مشاريع “سيدر” ..! عسى ألا تتكرر على أفواه ألطرابلسيين عبارة “عِيدٌ بأية حالٍ عُدتَ يا عيد”..!
طرابلس عَصية على ألإرهاب ، طرابلس ثَكلى ، ألرحمة للشهداء و الشفاء للجرحى ..
*عميد متخصص في مكافحة ألإرهاب و الجريمة المنظمة .
طرابلس في 04.06.2019