اوكرانيا.. والعقدة الغوردية..!

بقلم العميد مُنذِر الايوبي

في نظرة الى الصورة الشاملة لما يحدث على سطح الكوكب، إن عن تفكر او عن معطيات ومعلومات، ام على خلفية قراءات تاريخية لمسار حروب واحداث، وايضآ على رؤية ارادية او لا ارادية مصدرها العقل حتما، في محتواها خليط من اديان وايديولوجيات وربما اضغاث احلام وكوابيس، لكنها في مجملها تقود بالمنطق والاستقراء الى توقعات ممكنة بعيدآ عن مستحيل،طالما ان الصراع بين الخير والشر محتدم لم يتوقف منذ الازل..!
تجميع قطع “البازل” Puzzle عملية تؤدي لأكثر من احتمال، ما يفرض عدم تغيُم الرؤية Blurred Vision، تقليبها على عدة اوجه لتعطي صورا مختلفة لكنها في مجموعها وتواليها آلية محورية ثلاثية الابعاد توصل الى نتيجة من نوع مكعب “روبيك” Rubik’s Cube او المكعب السحري..!
مما تقدم؛ يمكن قراءة الكثير فالوقائع على سطح الكوكب تتراكم وتزدحم، في حمأتها مؤخرآ وتفصيلآ العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، في خلفيتها العميقة قرار لا استدراج، اكبر من غزو واقل من حرب عالمية ثالثة؛ مواجهة بين الولايات المتحدة من جهة والاتحاد الروسي من جهة اخرى، ذراع الاولى العسكرية حلف شمال الاطلسي NATO اما مسرحها المشترك حتى الآن ف اوروبا الشرقية (السوفياتية) سابقآ..

تاليآ؛ جملة اسئلة تطرح من نوع الهواجس لا الترقب، لإحتماليات التوسع الجغرافي مع الحاجة لاحقآ لاستخدام اسلحة نوعية “النووي التكتي” Tactical Nuclear Weapons ذات جرعة التدمير المحدودة الهادفة الى تعزيز خصائص ساحة المعركة منها:
١- هل سيبقى الدعم الاميركي الاوروبي او الاطلسي للجيش الاوكراني ضمن الاطار الدفاعي.؟ من الصواريخ المضادة للطائرات نوع Stinger FIM-92 او “اللاسع” و المضادة للدروع FGM-148 Javelin، أو “الرمح”، وهي حزم غير قادرة على قلب موازين المعركة.
١- هل سيتحول الاهتمام فتنتقل ساحة الصراع من الشرق الاوسط الى اوروبا.؟ ما يؤشر الى حرب استنزاف طويلة الامد، تتطور لاحقآ الى فوضى منظمة تتداخل فيها عوامل دينية واقتصادية وجيوسياسية، تصب جميعها في خانة تقسيم البسيطة بالمنظور الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة والصين ومن يدور في فلكهما من دول وتكتلات واحلاف..
٢- أٓ تلوح في الأفق بوادر مقايضة النفوذ الروسي بالاميركي في بعض دول اميركا اللاتينية “مع حفظ عامل الاستثمار”.؟ (فنزويلا) على سبيل المثال، مقابل نفوذ روسي في الشرق الاوروبي وصيني “تايوان وبحر الصين الجنوبي” في الشرق الاسيوي، ما يعني انكفاءً اميركيآ عن المثلث الحيوي تركيا، العراق، سوريا ضمن معادلة تقسيم المردود الاقتصادي بانتظار “قالب الجبنة” اعادة اعمار سوريا..
٤- هل يشكل تجديد الاتفاق النووي مع ايران بوابة استقرار اقليمي.؟ ضمن اعتراف وتوافق الجبارين على تقاسم النفوذ في المنطقة الملتهبة بين ايران، تركيا واسرائيل. وهل ستشمل الصفقة لبنان الصغير.؟ ما يعني تجميد الدور الاقليمي لسلاح حزب الله ضمن معادلة شبيهة بهدنة طويلة الامد من نوع توازن الرعب او القوى..
في نفس السياق يمكن مقاربة جملة توقعات في المرحلة القادمة منها:
١- ان استخراج الغاز من شرقي المتوسط سيتم بالتوافق لا بالصدام؛ الحقول البحرية الاسرائيلية في خانة الضمانة الاميركية؛ المربعات اللبنانية ضمن خطوط الاحتواء الفرنسي والسورية بالمظلة الروسية.
٢- ان تجميع المتطوعين لتشكيل ما يسمى الفيلق الدولي “جيش الاجانب” للقتال مع الجيش الاوكراني، كما استدعاء مجموعات “فاغنر” Wagner الروسية و المرتزقة الشيشان والعرب الذين شاركوا في الحرب السورية ذوي الخبرة في القتال دعما للجيش الروسي يعكس النوايا، وقد يقلب الصراع ان تفلتت هذه المجموعات من القبضة الروسية الى عمليات تخريب منظمة، تنزلق الى دينية بين منتمين الى مسيحية ارثوذكسية ومسلمين جهاديين وطأوا الارض الاوروبية بسهولة.
٣- ان محور واشنطن- لندن بعيد سياسيا واقتصاديآ الى حد ما عن محور باريس- برلين وان استعار عباءته اوروبيآ. وبالتالي فان صقيع اوروبا لن يدفئه سوى الغاز الروسي ولن تتحرك عجلات اقتصادها سوى بمصادر الطاقة السيبيرية..
٤- ان التطبيع العربي مع العدو الاسرائيلي آخذ طريقه، والعامل الزمني سيدفع نحو توطيده سواء بشكل مباشر او غير مباشر.
٥- ان فتح ابواب اسرائيل للاجئين اليهود الفارين من جحيم اوكرانيا، سيشكل تعزيزآ للواقع الديموغرافي في الكيان المحتل..
٦- ان الفدرالية اللبنانية قد تكون احدى صور الاستقرار المرسومة على عجل المرتسمة واقعآ مع الابقاء على اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين مقصلة تستخدم عند الاقتضاء.

من جهة اخرى؛ ليس من السهولة تفكيك العقد، اذ لا طوباوية في المصالح الجيوسياسية للدول، كما ان تنفيذ الاستراتيجيات قد تستوجب أحيانآ قطعها…. القناعة لدى القيادة الروسية انها لن تمنى بفشل استراتيجي وان غلت الخسائر او كثرت العقوبات، اذ ان التركيز الغربي والاطلسي بات الحيلولة دون انتصار سهل يحصد ثماره الرئيس الروسي.. وإذ سينتج الغزو تغيرات جيوسياسية هائلة لن تقيم وزنآ او اعتبارآ للمفاهيم الاخلاقية والمفاعيل الانسانية.. فالخشية ان يتمثل الرئيس بوتين بالاسكندر الكبير عندما لم يجد الاخير طرفي الحبل لحل “العقدة الغوردية” أقدم على قطعه بسيفه، وصاروخ “الشيطان ٢” Sarmat RS28 نصل السيف الروسي..

بيروت في 09.03.2022

ملاحظة: (تقول الاسطورة: ان اهل “فريجيا ” كانوا بلا ملك شرعي، تنبأت العرافة ان رجلا دخل المدينة على عربة يجرها ثور سيعلنه الكهنة ملكآ وهذا ما حصل، ثم قدمت العربة الى آلهة المدينة “زيوس” حيث ربطها الاخير على باب قصر “غورديوم” بعقدة لا يبرز منها اي من طرفي الحبل. عندما دخل الاسكندر “غورديا” حاول حل العقدة التي دعيت ب”الغوردية” وعندما لم يجد طرفي الحبل قطعه بسيفه. لاحقآ تنبأت العرافة ان من يحل العقدة سيكون فاتح آسيا وقد فتح الاسكندر آسيا لاحقآ وصولآ الى نهر السند)..