ال “tiktok” وتطبيقات أخرى ..لوثة تخدع بعضاً من جيل الشباب؟

 

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

 

النجاح السريع يراود ذوي النَفَس القصير، وهم كُثر في الأجيال الجديدة. هؤلاء لم يعد لديهم طول البال الذي يجعلهم يستمرون في شيء إلى النهاية أو لأمد طويل. وفي عصر السرعة تحول كل شيء أمامهم إلى وجبة سريعة يجب الانتهاء منها للانتقال لما بعدها، فلا طاقة لهم للركون إلى نفس الشيء لوقت طويل.
لذلك عندما تضع بين أيديهم منصة مثل تطبيق تيك توك TikTok ليوفر لهم متعة ومرحًا مدتها 15 ثانية على أقصى تقدير للفيديو الواحد، فأنت قد ضمنت الانتشار والنجاح بينهم.
خدعة شبكة تيك توك TikTok الاجتماعية
يصر أليكس زو الشريك المؤسس والمدير التنفيذي الشريك لتطبيق ميوزكلي Musical.ly الآن تيك توك TikTok على اعتبار منصته هذه شبكة اجتماعية، حيث قال إن فكرة التطبيق أتته عندما كان في القطار في ماونتن فيو، ورأى مجموعة من الشباب الصغير، نصفهم كان يستمع إلى الموسيقى والنصف الآخر يلتقط صور السيلفي والفيديوهات ويغطونهم بالملصقات، ثم مشاركة النتيجة مع أصدقائهم، فأتته وقتها فكرة الدمج بين الموسيقى والفيديو والشبكات الاجتماعية في تطبيق واحد.
ولكن لنرى ما فعله أليكس في تطبيقه الذي يدعوه “شبكة اجتماعية”، فالمستخدم User له اسم آخر وهو Muser، وهو يعني “المُلهم”، والأشخاص الذين يضيفونك لشبكتهم ليس اسمهم أصدقاء Friends أو حتى متابعين Followers؛ بل اسمهم معجبين Fans، ووصل الأمر إلى جعل الحسابات الموثقة Verified Accounts ليس بعلامة “صح” بسيطة كما في أغلب الشبكات الاجتماعية الأخرى، بل هي علامة تاج Crown، وهي خاصة بالمشاهير والمؤثرين الذين يسعى الشباب جاهدين ليكونوا منهم.
كل هذه المفردات والمسميات لا يمكن أبدًا أن تدل على شبكة اجتماعية! بل هو سباق محموم يدفعك دفعًا إلى محاولة التميز على أقرانك من مستخدمي التطبيق، إلى الوصول للشهرة وامتلاك قاعدة معجبين كبيرة، وأن تكون ملهمهم، صاحب التاج الذهبي، وستبذل في سبيل ذلك الكثير، وإلا فسيصيبك الإحباط وشعور بأنك غير مقبول وسط هذا المجتمع الضخم الذي تجاوز عدد المستخدمين النشطين عليه الـ 500 مليون مستخدم شهريًا!
فهل يمكن القول أن الTIKTOK شبكة اجتماعية؟ فهو ربما يكون منصة لإبراز الإبداع من المستخدمين (كما وصفها صاحبها)، ولكنه في المقام الأول تطبيقًا للباحثين عن الشهرة حيث يستخدمه الشباب مع أصدقائهم لقضاء وقت ممتع في صنع وتبادل الفيديوهات المضحكة، ولكن هذا ليس بالتأكيد ما يبدو عليه هدف التطبيق الأول بأي حال.
تطبيق لاسو Lasso من فيسبوك يدخل السباق
هذا النمو الهائل والنجاح الباهر لتطبيق تيك توك TikTok لفت الأنظار إليه بشدة، فهو يشق طريقه مسرعًا على خطى سناب شات Snapchat الذي نجح نجاحًا باهرًا، ولم ينجح فيسبوك في ضمه إلى مملكته الأخطبوطية المخيفة، ومثلما فعل فيسبوك بسناب شات، جاءت مرحلة تكسير العظام. “إن لم تكن معي فأنت ضدي” هذه هي السياسة التي يتبعها فيسبوك على الدوام، يريد الاستحواذ على الإنترنت لصالحه، يريد أن يصل لمرحلة أن يكون الإنترنت = فيسبوك فقط، وعندما رفض سناب شات أن ينطوي تحت جناحه، بدأ فيسبوك في السرقة والتقليد جهارًا نهارًا، جرد سناب شات من كل ما يميزه، وأضافه بكل جرأة إلى منصاته المختلفة، مما أثر بالسلب على نمو سناب شات لمدى هيمنة فيسبوك.
وكما بدأ فيسبوك في منافسة يوتيوب YouTube وتيندر Tinder وغيرهما في عقر دارهم، أطلق تطبيق لاسو Lasso منذ أيام كنسخة تجريبية في الولايات المتحدة ليكون هو المنافس الأساسي والشرس لتطبيق تيك توك Tik Tok بنفس الفكرة، بنفس الخواص – كالعادة – مستغلًا نفوذه الواسع وقدرته على عقد اتفاقيات أكبر مع شركات الموسيقى للتعاقد على حق استغلال مكتبة كبيرة من الأغاني والموسيقى.
فلقد علم أن سبب نجاح تطبيق تيك توك TikTok هو الاستهداف الموفق لشريحة جديدة من المستخدمين، وهم الشباب صغار السن (من 13 إلى 18 سنة)، هذه الشريحة التي عزفت عن الوجود على تطبيق فيسبوك الذي أضحى مكان وجود الآباء والأمهات والعمة مرفت والخالة اعتماد، بينما هم يريدون مساحتهم الخاصة التي يتشاركون فيها اهتماماتهم مع من يماثلونهم في السن بدون إشراف أبوي، لذا هاجروا إلى سناب شات وتيك توك.
خطر محدق بالأطفال والشباب الصغير
في عالم بلا قيود تقريبًا، وببريد إلكتروني بدون أي تأكيد من أي نوع، أي شخص يستطيع عمل حساب على تطبيق تيك توك TikTok، بل يمكن المشاهدة والتصفح بدون الحاجة لعمل حساب من الأصل، فالشركة مالكة التطبيق “تنصح” بألا يقل عمر المشتركين عن 13 سنة. ولكن هل من إجراءات لضمان ذلك؟ هل هناك حتى خانة إدخال لتاريخ الميلاد؟ لا، لأن ما يهمهم حقًا هو الوصول لأكبر عدد من المستخدمين ليس إلا.
وبما أن جمهوره الأول هو الشباب الصغير، فهم أكثر المتأثرين بأي شيء خاطئ قد يحدث عبر التطبيق، وما أكثر المرضى المتسترين خلف الشاشات الذين يشتركون بحسابات وهمية ويقومون بالتحرش بأولئك الأطفال عبر الرسائل أو التعليقات، أو حتى الإساءة لهم ولهيئتهم وتعريضهم للتنمر بينما هم أقصى غايتهم المرح وجمع الإعجابات!
وحتى إن قاموا بتحويل حساباتهم لحسابات مغلقة لأصدقائهم فقط وألا يستقبلون رسائل خاصة إلا من دائرة المسجلين لديهم، فإن صورة البروفايل والمعلومات أسفله لا تزال معروضة للعوام. وإن كنت ستتحكم تمامًا فيما سيصل إليهم، ماذا عمن سيصلون هم إليه؟ ماذا عن الفيديوهات التي قد يصورها البعض وتحتوي على مشاهد خارجة وغير لائقة لشباب في هذه السن الصغيرة؟ ماذا عن الأغاني والمقاطع التي تتحدث عن البلطجة والمخدرات والسلاح ويتراقص الـ “المُلهم؟ على أنغامها لتتحول إلى شيء عادي ؟
أي جيل هذا الذي سينشأ على تلك الثقافة؟ وأن الإبداع لا يتمثل إلا في الرقص والحركات المضحكة؟ والمغري أكثر هو رؤيتهم لأصحاب “التاج الذهبي” يحققون ثروة وشهرة حقيقيتين من خلال نفس الأداة التي يمتلكونها بين أيديهم، مثل الطفلتين التوأمتين الشهيرتين ليزا ولينا القاطنتين في ألمانيا، واللتين وصل عدد متابعيهما إلى 31 مليونًا و800 ألف معجب حتى هذه اللحظة، وأصبحتا تمتلكان خط الأزياء الخاص بهما!
أنا الفاشل… أنا البشعة
للأسف اقترن القبول المجتمعي في أذهان الشباب من ذوي الثقة المتدنية بالنفس – وهم كُثر – بعدد الإعجابات والشير والمتابعات، فإذا كانت قليلة أو معدومة أثَّرت في أنفسهم وجعلتهم يشعرون بأنهم منبوذون، غير محبوبين ولا أحد يرغب في مصادقتهم، ونحن نعلم أن الإنسان قد خُلق كائنًا اجتماعيًا، يحتاج دائمًا إلى الرفقة، إلى الشعور بالاهتمام، كل من منظوره يريد الكون أن يتمركز حوله، يحزن لحزنه، ويفرح لسعادته، وتزأر الأعاصير والعواصف لغضبه.
فأصبحوا كائنات يائسة، يريدون اجتذاب الانتباه بأي طريقة ممكنة، ويقارنون أنفسهم بغيرهم حتى ولو كانت مقارنات غير منطقية، لماذا هذا الشخص لديه هذا الكم من الإعجابات وأنا لا؟ ما الذي ينقصني؟ هل أنا فاشل؟ هل أنا بشعة؟ ليتحول الأمر إلى محاولات بائسة وخرقاء للفت الانتباه تجعلهم إما أضحوكة للناس وإما أشخاص منفرون يحبذ الابتعاد عنهم، أو يقعون في هوة الاكتئاب الذي ينتهي عادة نهاية مؤلمة لو ظل تفكيرهم بهذا الشكل ولم ينقذوا أنفسهم، أو لم تمتد يد أحد لإنقاذهم وتصحيح مفاهيمهم.
أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا
في عصر الأجهزة الذكية وأحقية توفر الإنترنت لكل إنسان، الوجود الرقمي لكثير من الشباب أصبح أهم وأكبر تأثيرًا من الوجود على أرض الواقع، فأضحوا يستمتعون بالتقاط صور الأوقات السعيدة أكثر من استمتاعهم بعيش هذه الأوقات نفسها، يتصفحون منشورات الشبكات الاجتماعية بلا هدف أثناء اجتماعهم مع أصدقائهم ومعارفهم بدلًا من اجتذاب أطراف الحديث وقضاء وقت رائع، لا يخرجون من جحورهم في منازلهم لقضاء وقت مع الأسرة في غرفة المعيشة إلا بعدما ينقطع الإنترنت لأي سبب.

الغوص في هذا العالم الافتراضي حتى النخاع أدى إلى تعظيم أهميته في حياتهم، أدى إلى طغيانه على كل شيء آخر وإمساك تلابيب انتباههم وأذهانهم وقلوبهم، وأصبح النجاح “الافتراضي” هو النجاح الحقيقي في اعتقادهم، لذلك يسارعون إلى جمع الإعجابات والمشاركات بأي طريقة ليشعروا بنشوة النجاح المزيفة، وإن لم يحدث ذلك تهتز ثقتهم بأنفسهم وتتأثر حياتهم بأكملها وتقع الأضرار الجسيمة على نفسياتهم.
وفي خضم الصراع الوحشي بين الشركات العملاقة، والذي يتحكم فيه رأس المال بدون اعتبارات أخرى للتغييرات النفسية لشبابنا، يجب علينا الانتباه لما ينحدر إليه الجيل الجديد ومحاولة إرشادهم وتوعيتهم قبل فوات الأوان، إن لم يكن قد فات بالفعل.