الوصايا ال 10 للخروج من المحنة المالية اللبنانية

.

 

عباس صالح*
يدرك الجميع ان العجز الذي تواجهه المالية العامة للدولة اللبنانية، هو النتيجة الحتمية للنظريات التي يطلق عليها باللبنانية المحكية “الفشخرة” او “البغددة” او حتى “الرشرشة” الخارجة عن المنطق.
والجميع كان مدركاً ان الأمور ستؤول الى ما آلت إليه حالياً، بل يعرف كل المعنيين بأن الآتي سيكون أعظم، إذا ما واصل المسؤولين والقادة سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمل ظناً منها أنها إختبأت بذلك عن أعين الناس.
وبمعزل عن النظريات الاقتصادية “العمياء” التي دفعت وما تزال تدفع في إتجاه الاستدانة والصرف على أساس البحبوحة، ثم الاستدانة لخدمة الدين، ثم إطفائه بديون أخرى أعلى فائدة، وما الى ذلك من دوامة الدائرة المفرغة، بات الجميع أيضا يدرك ان من واجب السلطة السياسية ان تستدرك الامر الآن بشكل ملحّْ، وتوقف الانهيار المحدق بالبلاد عبر معالجات بسيطة يمكن اتخاذها الآن بالموازنة العامة، او بقرارات سيادية من خارجها، على ان تتخذ طابع التنفيذ الفوري، نقترح منها على سبيل المثال وليس الحصر:
أولاً، باعتبار ان السر في خفض الإنفاق وليس بفرض المزيد من الضرائب، او حتى اللجوء الى جيوب الفقراء، فإن على الحكومة ان تلغي من قاموسها أي صرف على سفر المسؤولين والضباط وكبار الموظفين، وليس حصر هذا الامر بحالات محددة يرتأيها الرؤوساء!! (ما جرى في الجلسة الاخيرة بمجلس الوزراء بهذا الصدد هو ضحك على عقولنا، ولا يبشر بجدية المسؤولين) فمن اراد حتى من الرؤساء السفر الى الخارج فليسافر على حسابه الشخصي وليس على حساب الدولة. اما الضباط الذين يتعاطون مع السفرات والدورات الخارجية والرحلات الترفيهية والمؤتمرات والبعثات على انها مصدر لجمع الثروة فعلياً، فيجب ان تتوقف كل الصرفيات المخصصة لهذا الغرض فوراً وبلا أي نقاش، طالما اصبحنا في مفاضلة بين الانهيار والافلاس والجوع، وبين هذه “الفشخرات” الفارغة.
ثانياً، يجب وقف تمويل كل الجمعيات الخيرية الوهمية وغير الوهمية بمجملها، ومن اراد فعل الخير فليدفع من جيبه.
ثالثاً، يجب التوقف عن دفع إيجارات مباني الدولة ولا سيما ان غالبيتها تدفع كتنفيعات للمحسوبين، والدولة تملك من العقارات ما يجعلها تستغني عن فكرة الاستئجار بشكل تام، واذا كان ثمة ادارة رسمية لا تملك اي مبنى فيمكن الاستعانة بالابنية الجاهزة ووضعها في عقارات تملكها الدولة.

رابعاً، يجب إلغاء كل الامتيازات وتوقيف كل التقديمات المالية الموازية لرواتب الموظفين، بما فيها منح الطبابة وتعليم الاولاد في الداخل والخارج لجميع الطبقات الوظيفية، هذه التقديمات يجب ان تتوقف فورا، لأنها أفسدت النظامين التعليمي والاستشفائي، وجعلتهما حكراً على الاغنياء والموظفين فقط وامتصت مالية الدولة لصالح كارتيلات محددة تربوياً وصحياً!!!.
خامساً، بعد خفض رواتب السياسيين ومنافعهم، وتنفيس الرواتب الكبيرة والمضخّمة، والتعاطي بعدالة مع كل رواتب مؤسسات الدولة وعلى قاعدة واحدة، يجب إعادة النظر بالتدابير الاستثنائية والمكافآت، وإعادة النظر برواتب الهيئات الناظمة. (على سبيل المثال يتقاضى رئيس الهيئة الناظمة لهيئة البترول 25 مليوناً شهرياً الى جانب مخصصات اخرى، علما أنّ الهيئة لم تبدأ عملها بعد)!!!.
وهناك موظفين في الفئة الاولى تصل رواتبهم الى 50 مليون ليرة!.وبعضهم أعضاء في 9 لجان وتقاضون مخصصات عن كل منها ما يوازي راتباً كاملاً! .
سادساً، بالنسبة الى العسكريين، ليس هناك من مجال بعد كل ما حدث للابقاء على التدبير رقم 3 وكل التدابير الاخرى التي ترهق مالية الدولة وتجعل العسكريين أنفسهم عرضة لفقدان رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية ومعها كل الامتيازات الاخرى (لا سمح الله) اذا ما بقيت الامور سائرة في هذا المنحى الانحداري. على الجميع ان يتفهم وان يسهم بما يؤدي الى حفظ الوطن وماليته العامة، وبالتالي إلغاء التدابير المكلفة مالياً، بالنسبة للعسكريين افضل بكثير من الابقاء عليها شكلياً وفقدانها مع اساس الراتب اذا ما حصل الافلاس.
بل أكثر من ذلك، يجب ان يقلع الجميع بمن فيهم العسكريين وغيرهم عن اعتبار اننا نناقش دولة ميسورة ونتعنت لتحصيل ما هو حق لنا، ويجب ان يتعاطى الكل على قاعدة ان البلد في ازمة ربما اذا استمرت ستحرم الجميع من ابسط حقوقهم وهو المعاش، وبالتالي فإن المفاضلة اليوم هي بين الابقاء على الرواتب، ولا سيما رواتب الفقراء بما تعنيه من لقمة عيشهم، وبين التشدد في التمسك بالامتيازات.
سابعاً، يجب التعاطي بحزم واتخاذ اجراءات ووقف كل وجوه الهدر المعلنة والسرية والتي كان فضحها وزير المال في احدى مقابلاته حين تحدث عشرات آلاف بونات البنزين التي توزع شهرياً من الدولة.
ثامناً، يجب وقف كل المصارفات السرية الضخمة لكل الاجهزة الامنية والمدنية، ويجب استعادة ال 4000 خط خليوي المجانية الموزعة في الدولة على اشخاص، وبعض منهم مفتوح roaming وينفقون من الشركات على حساب مالية الدولة.
كذلك يجب توقيف كل العلاوات الجانبية من قبيل ال60 مليون ليرة التي يتقاضاها رئيس دائرة الامتحانات، على مراقبته للامتحانات علماً انه يقوم بوظيفته.
تاسعاً، يجب سحب ال 13 ألف سيارة الموضوعة في تصرف موظفين رسميين من مختلف الفئات والقطاعات.
عاشراً، يجب وقف الجيوش الجرارة للموظفين الوهميين الذين يتقاضون رواتبهم من دون ان يتعرف إليهم أحد في الدوائر والمدارس الموظفين فيها، كما يجب توزيع الفائض في الموظفين على غرار موظفي “سكك الحديد” الذين يتقاضون رواتبهم بغير وجه حق، منذ أربعين عاماً، ويتباهى وزير النقل بكيدية فاقعة انه حصل لهم على زيادة في الرواتب في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، وفي عز المحنة المالية التي تعصف بالبلاد!.
هذه 10 وصايا وهناك الكثير سواها ومثلها، نقدمها كعينة على كيفية إخراج لبنان من محنته الاقتصادية وللحؤول دون انهيار المنظومة المالية العامة، وذلك من خلال بعض الاجراءات التقشفية وخفض الانفاق ومن دون اللجوء الى ضرائب جديدة، لم يعد المواطن اللبناني قادرا على تحملها، وقد تؤسس لثورة تطيح بالتركيبة السياسية برمتها.

*صحافي وكاتب