“الناتو” والتحديات الاستراتيجية..

 

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي*

يعود تأسيس حلف شمال ألأطلسي NATO إلى ألعام 1949 بدايات فترة ألحرب ألباردة بين ألمعسكرين ألغربي و ألشرقي “حلف وارسو” ؛ يعتبر ألناتو حلفآ إستراتيجيآ و ضامنآ أمنيآ لكل ألدول ألمنضوية فيه بكامل دقة ألتوصيف على كافة ألصُعُد سياسيآ، عسكريآ، ديبلوماسيآ، إقتصاديآ ؛ و قد شكل في معظم مسيرته درعآ دفاعيآ صلبآ بوجه أعداءه ..! كما تنامى عدد أعضاءه “29 دولة + مقدونيا قيد ألإنضمام” حاليآ لا سيما إثْرَ إنهيار ألإتحاد ألسوفياتي و تفككه حيث أنضم إليه قسم من ألدول التي كانت جزءآ من ألدَولَة ألسوفياتية أو من حلفائها ..!

في مراجعة نقدية سريعة يبدو أن ألحلف ألأطلسي يمر حاليآ بمرحلة ترهل و تآكل لقدراته و ذلك لأسباب شتى و على صعد مختلفة منها لا حصرآ : إختلاف المواقف السياسية و ألأولويات بين دوله ، ألتباين في المصالح الاستراتيجية ، عدم قناعة بعض أعضاءه ألأساسيين ” فرنسا – ألمانيا” بدوره ألعسكري ألفعال بألتزامن مع تضاؤل قدراته العسكرية نسبيآ ، إنخفاض مستوى تمويله و تقاسم ألأعباء ، تدني تسليحه ألكمي و ألنوعي ..إلخ .. هذه ألعوامل و غيرها باتت تفرض تجديد إستراتيجياته خاصةً بعد عودة روسيا ألإتحادية إلى لعب دورها ألمحوري قطبآ ثانيآ في إدارة شؤون ألكَوكَب بألتوازي مع صعود ألصين إلى مرتبة دولة أقتصادية و تجارية مؤثرة و تعاظم نفوذها ..!

ضمن ألسياق نفسه ، في رهان على معالجة مشكلاته و تطوير أهدافه ألوجودية و رؤيته ألسياسية إنعقد يوم أول من أمس بمناسبة ألذكرى ألسبعين لتأسيسه ألمؤتمر ألسنوي لِ “ألناتو” بمشاركة معظم رؤساء دوله في ضاحية “واتفورد” أللندنية ..! و بصرف ألنَظَر عما جرى في كواليس ألمؤتمر من نقاشات وصلت إلى حد ألمماحكات ألشَخصية (وفق آذان ألجدران) أتى ألبيان ألختامي ألمقتضب علاجآ مرحليآ لحالة “ألموت ألدماغي” للحلف على توصيف ألرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون – حيث تطرق الى القواسم المشتركة بين دوله و أعاد ضخ ألأوكسيجين في أجهزته محددآ متطلباته ألمُستَقبَلية و أهدافه ألتَويَة و ألبعيدة مع رؤيوية حلول لبعض البنود الخلافية و ألإنتقادات ؛ حاثآ على ألتضامن و ألتعاون : “في هذه ألأوقات ألصعبة نحن أقوى كحلف و شعوبنا أكثر أمانآ” عبارة أساسية وردت في ألبيان و جمعت 29 دولة تحت مظلة واحدة لمواجهة ألتحديات ألمُستَقبَلية ألمتمثلة في مواجهة ألإرهاب و حماية ألمصالح ألجيوإستراتيجية ..!

في ألتحديات ، من ألبديهي أن روسيا و ألصين هما ألأعداء أو ألخصوم ألألداء فقرار توسيع ألحلف وتعزيز بنيته العسكرية في ألدول ألمتاخمة بألقرب من ألحدود مع روسيا لاقى جملة ردود تصعيدية :
-إعلان وزير الخارجية ألروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي عقده في ألعاصمة ألسلوفاكية “براتيسلافا” Bratislava عقب اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة الأمن و التعاون في أوروبا ” OSCE أن ألميزانية ألعسكرية ألغير مسبوقة ألتي أقرها أل NATO إنما تستهدف روسيا و ألصين بشكل مباشر و ألهيمنة على ألعالم” ..!
-ألتعليق ألعقلاني لِلمتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إختُصِرَ بعبارة ” روسيا لا تريد التورط في سباق تسلح مع حلف الناتو حتى لو رفع ألأخير ميزانيته”..
-ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين كان حاسمآ مؤكدآ أن تعزيز ألبنية ألعسكرية للدول ألمتاخمة للحدود مع روسيا (1800 km) يعتبر تهديدآ لأمن ألبلاد لا يمكن غض ألبصر عنه ..

توازيآ ، ألخِلاف ألفرنسي ألتركي ألمحتدم بين ألرئيسين ماكرون و أردوغان حول إعتبار وحدات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابيَة و أن باريس تظهر إحتضانآ ملموسآ أو مبالغآ فيه للأكراد على خلفية محاربتهم تنظيم ألدَولَة ألإسلامية ألإرهابي “داعِش” تم معالجته إثر إجتماع إيجابي ألنتائج عقد على هامش ألقمة بين ألرئيس ألتركي أردوغان و ألثلاثي ألإلماني ألفرنسي ألبريطاني (أنجيلا ميركل – إيمانويل ماكرون – بوريس جونسون) إنتهى بتفاهم أولي حول ألمشكلة ألكردية و تعليق عملية “نبع ألسلام” ألتي ينفذها ألجيش ألتركي في الشمال السوري كما وافق ألرئيس أردوغان على دعم خطط ألحلف فيما يتعلق بأمن دول شمال ألبلطيق و بولونيا ..!

أما ألإعتراض ألفرنسي ألألماني على إلغاء ألرئيس ترامب معاهدة ألحد من ألصواريخ ألإستراتيجية القصيرة و ألمتوسطة ألمدى IR-NFT ألموقع عام 1987 مع روسيا و ألذي ينظر إليه ماكرون أنه تشجيع على سباق تسلح جديد يعرض أمن ألقارة ألأوروبية للخطر فقد بقي دون نتيجة ..!
إستطرادآ في تطوير بيئته ألعسكرية و ساحات ألمواجهة ألمفترضة أقَرَ ألحلف أن ألمجال ألفضائي بات يُعد مسرحآ للعمليات ألعسكرية في خطوة شبيهة بألفضاء ألإلكتروني و ألحرب ألسيبيرية Cyber War و في خطوة إستيعابية لتعاظم ألنفوذ ألصيني أكدت دول ألناتو على وجوب إنضمام بكين إلى إتفاقيات الحد من ألأسلحة ألنووية و ألإستراتيجية على غرار ألنماذج ألمعقودة مع روسيا وفق ما صرح أمين عام ألحلف ألأطلسي “يانس ستولتنبرغ” Jens Stoltenberg ..

من جهة أخرى ، بألرغم من ألإنتقادات ألساخرة ألتي حظي بها ألرئيس ألأميركي دونالد ترامب من بعض نظرائه و إلغائه تاليآ مؤتمره ألصحافي ألمقرر ، إضافة إلى جملة ملاحظات حول أحادية ألقرارات ألتي تتخذ دون ألرجوع إلى ألحلف لا سيما منها ألأميركية و ألتركية فقد بدا أن “ألناتو” تجاوز ألكثير من ألألغام و ألخلافات ألمحتدمة بين أعضاءه من خلال إلتزام ألجميع ألدفاع ألمُشترك و زيادة ألإنفاق ألدفاعي مع تثبيت قدرة ألردع ألنووية و ألدرع ألصاروخي ؛ من هذا ألمُنطلق فإن ألمُستَقبَل كفيل بإبراز نسب ألنجاح و صدقيتها سواء في ألمسائل ألسياسية و ألعسكرية أو في ألإستراتيجيات ..

خِتامَآ ؛ ألرئيس ألروسي بوتين سيبقى مصدر ألقلق ألأساسي لقادة ألأطلسي و ما ألإعلان عن ألمناورات ألبحرية ألروسية الصينية ألإيرانية ألمُشتركة ألمزمع إنطلاقها بتاريخ 27 ألجاري و التي ستشمل ألمنطقة ألبحرية “الخليج العربي – مضيق هرمز – ألمحيط ألهندي” سوى جزء من قرار ألرَد ألناعم في معناه إنتهاء مرحلة سيطرة ألبحرية ألأميركية على ألمياه ألدولية مع ألحد من نفوذها ألآحادي ، و هو أيضآ أحد ألإشارات ألروسية ألحازمة عن ألأمكانيات و ألردود على ألتحديات من خلال تنفيذ سيناريوهات ألمعارك و ألمواجهات ألمفترضة إضافة إلى تحديث قواعد ألإشتِباك و مدى فعاليتها ..!

بيروت في 06.12.2019
*مُحَلِل و باحث في ألشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.