العبءُ الثقيل …!

 

بِقَلَم ألعميد منذر ألأيوبي*

منذ بداية ألأزمة ألسورية منتصف شهر آذار عام 2011 فتح لبنان أرضآ أبوابه و شعبآ قلوبه لِلنازحين ألسوريين ، و لا غرابة في ذلك أو مِنَةً فأواصر ألقربى و ألتاريخ و ألجغرافيا تَعلو و لا يُعلى عليها ، و بغض ألنَظَر عن أماكن ألنزوح و بقع ألإنتشار و ما رافقها من مشكلات إجتماعية و إستغلال سياسي ،، مَن مَع مَن .؟ و مَن ضدَ مَن .؟ لبنانيآ ،، مَن مَع ألنظام و مَن ضِد ألنظام .؟ سوريآ … كان ألزِنا ألسياسي ألذي مورِْسَ صارِخَآ و مؤلمآ لهم و للبنانيين ..!
إذ زاد من تفاقم ألأزمة ما تعانيه ألشُعوب أللبنانية من دولتها و إداراتها، من إنعدام ألبنى ألتحتية و ألكهرباء، من ألتلوث و أزمة ألسير، من ألمنافسة ألتجارية و إنهيار فرص ألعمل للبنانيين، من سوء ألطبابة و إرتفاع أسعار ألدواء كذلك إستشراء ألعيادات “ألدكاكين”، من ألتهريب على أنواعه، من ألإتجار ألسري بألبشر و ألأعضاء ألبشرية، من تفشي ألتسول و إرتفاع نسبة ألفقر و معدل ألجنح و ألجرائِم … إلخ
كل ما تقدم هو أمر متوقع بوجود مليوني شخص إضافي تزحوا و توالدوا على ألأراضي أللبنانية ، إلا أن ما هو غير مقبول و مؤسف كان عدم وضع إستراتيجية و خطة عمل تتعلق بألنازحين تحفظ لهم كرامتهم ألإنسانية و تحفظ للبنانيين أيضآ مكانَتَهُم برُقي ألإستضافة وفق إمكاناتهم مع عدم تفريط دولتهم بحقوقهم في ألعيش ألكريم و رعايتها لهم ،، لا بل أن هذه ألدَولَة طمرت رأسها في ألرِمال تاركةً ألأمور على غاربها …

تفاقم ألوَضع عندما شعر ألمواطن أللبناني بغبنٍ لاحقٍ به و تجاهل لواقعه ألمعيشي و ألإقتصادي ألصعب ،، فهو تقاسم مع جيرانه ألنازحين موارده
و موارد دولته دون حساب ، لكن منظمات ألإغاثة ألدولية و ألأممية ألتي دخلت على خط ألمعالجات و ألمساعدات ألعينية و ألمالية “ألتي هي بألطبع حاجة و ضرورة” تجاهلت تضحياته و مارست بِحقِهِ تفرقةً عنصريةً “فَتكَسَرَتِ ألنِصَالُ عَلى ألنِصَالِ”،، كما تداول أللبنانيين فسادآ وَهَدرآ رافق عمليات ألإغاثة و مصالح متضاربة غير مشروعة …

من جهة أخرى ،، لم يشكل إستحداث وزارة لشؤون ألنازحين نقلة نوعية على خط ألمعالجات لا بل حفر في واقع أللبنانيين و لا وعيهم تجذر قضية ألنزوح ألتي باتت تجتر نفسها كَشَماعةً سياسية إلى حَدِ ألإبتذال ،، إذ أن ألإرتباط ألسياسي ألمصلحي للمسؤولين و مراعاة ألطروحات و ألتوجهات ألدولية و ألإقليمية تحت شعارات و خيارات متضادة: “عودة آمنة أم عودة طوعية”؟؟ عودة قبل ألتسوية ألسياسية أم بعدها ..؟ جعل نتائج ألإجراءات و ألمبادرات قاصِرَة و ألخطط عقيمةً دون جدوى …
كان ألضوء ألوحيد هو ألدور ألذي أضطلعت به ألمديرية ألعامة للأمن ألعام و أللواء عباس إبراهيم تحديدآ إنطلاقآ من ألتحسس بألمسؤولية ألوطنية
و هو أمر غير مستغرب عن هذا ألرجل ،، إذ تَنَكَب مُعالَجَة ألمَلَف على مبدأ “أن تنير شمعة خير من أن تلعن ألظلام”، و كان نجاح ما أنجزه رغم تواضع أرقام ألعائدين حافِزَآ أساسيآ صارِخَآ بوجه ألجميع محليآ إقليميآ و دوليآ لِإيقاظِهم من ثَبات و إنقاذهم من خمول و حَثِهم على ألإقتناع بوجوب ألدعمِ و ألمواكبة ..

بِألتَزامُن إعتبر رئيس ألجمهورية ألعماد ميشال عون هذه ألقضية أولويةٍ ، فنقلها إلى ألمحافل ألدولية شارحآ ألواقع أللبناني ألصعب ، و عمل جاهدآ بغية إيجاد ألحلول أو ألحَّض عليها من منطلق أن ألوطن أمانة ،، ألقضية مصيرية و إنعكاسات بقاء ألنازحين
و تأجيل عودتهم بإنتظار ألتسوية ألسياسية أمرٌ خطير على ألمجتمع أللبناني و مستقبله و تركيبته ألديموغرافية …

في هذا ألسياق برزت ألمبادرة ألروسية أمرآ مطلوبآ
و ملحآ ينم عن مسؤولية إنسانية و سياسية في آن، إذ تمحورت حول عدة نقاط اساسية تتلخص بِ: تأسيس لجنة في بلدان ألجوار ألسوري “لبنان، الأردن،ألعِراق، تركيا” مهمتها ألتنسيق مع الجانب الروسي في بحث سبل العودة وآلياتها -أقترح ألرئيس سعد الحريري أن تكون أللجنة أمنية لوجستية لبنانية ـ روسية مع ضمانات ألأمن للعائدين داخل سوريا- و من ألبديهي أن موسكو قبل طرح مبادرتها كانت قد تلقت ضمانات بعدم التعرض لهم …
على صعيد اعادة الاعمار أعلنت ألمبادرة ألحاجة الى دعمٍ ماليٍ أساسي وقد طُلِب من الاميركيين و الاوروبيين تأمينَهُ -لكن ألرئيس ألأميركي دونالد ترامب إعتبر في تغريدة له أن السعودية وافقت على تقديم التمويل اللازم لإعادة إعمار سوريا بالنيابة عن الولايات المتحدة – و أضاف أن “من الجيد أن تساعد دول فاحشة الثراء جيرانها بدل
أن تقوم بذلك دولة عظمى على بعد خمسة آلاف ميل”،، في إشارة إلى بلاده مختتمآ بالقول “شكرا للسعودية”…!
ضمن إطار ألمبادرة أيضآ سيعمل ألجانب الروسي على إنشاء مراكز إيواءٍ مؤقتة داخل ألأراضي ألسورية ينتقل اليها العائدون في المرحلة الاولى
و منها الى قراهم و بلداتهم بعد اعادة اعمارها … بِألإضافة إلى إستحداث نقاط عبور مشتركة بين ألجيش ألسوري و ألشرطة ألعسكرية ألروسية على حدود الدولة التي يعود منها النازحون …

ترى موسكو انّ ملف النازحين حان وقت معالجته و هي بألتالي تتفهم موقف لبنان و واقعه بمسؤولية و وجدانية لافتة ساهم في ألتوصل إليها سفير روسيا ألإتحادية في لبنان ألكسندر زاسبيكين” إذ ما برحت موسكو تُعبر عن إستعدادها ألدائم للمساعدة فهي تتفهم حجم ألمعاناة ألتي يواجهها ألنازحون ، ألامهم و آمالهم و واثقة من طي صفحة ألنزوح متى بوشر بِألتنفيذ خلال 24 شهرآ بألحد ألأقصى ..!!.
ميدانيآ ،، عمدت ألقيادة ألروسية في سوريا مؤخرآ إلى فتح معبرين ألأول بين لينان و سوريا و ألثاني بينها و بين ألأردن في خطوة عملية لتسهيل ألعودة كما سيتبع ذلك فتح عدة معابر تتيح ألوصول إلى مناطق “ألمرحلة ألأولى” ألمؤقتة في ألمستقبل ألقريب ..

ديبلوماسيآ ، سُجِل أليَوم “أمس” زيارة ألديبلوماسي ألإيطالي فيليبو غراندي Filippo Grandi ألمفوض ألسامي لشؤون أللاجئين ألتابعة للأمم ألمُتحدة بيروت و لقاءِهِ رئيس ألجمهورية ألعماد عون ، حيث وضعه في إيجابيات نتائج جولته على مراكز إيواء ألنازحين في دمشق و ألساحل ألسوري و ريفَّي حمص و حماه ،، بألإضافة إلى تلمسه جدية ألمسؤولين ألسوريين و إهتمامهم بعودة ألنازحين لا سيما و أن إعادة إنشاء ألبنى ألتحتية تأسيسآ و إعادة ألإعمار قد بوشر بها و لو بشكل محدود ..
بألتوازي، أتى تصريح غراندي بعد أللِقاء : “سنعمل مع روسيا لازالة العقبات من امام عودة طوعية ، كريمة و آمنة للنازحين”.. ليضع ألنقاط على حروف ألمبادرة ألروسية و يُشِهِر تأييده و دعمه لها ..!

من زاويةٍ أخرى ،، ستكون زيارة المبعوث الجديد للأمم المتحدة إلى سوريا ألديبلوماسي النرويجي “غير بيدرسون” Geir Pedersen ألأسبوع ألقادم ضمن إطار مسارين مُتوازيين عودة ألنازحين و ألتسوية ألسياسية ألمطروحة بتفاصيلها و تشعباتها على ألطاولة ، و هو على ما تَسرب سيُقدم تصوّراً مبنياً على خطّة سلفه “ستيفان دي ميستورا” Staffan de Mistura مع بعض التعديلات ألتي تتعلق بآليات تسريع تشكيل اللجنة الدستورية وفتح ملف إطلاق سراح المعتقلين وفقاً للقرار الأممي 2254 .. و ربما يلتقي الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية و يبحث معها تطورات ألتسوية السياسية ..

إستكمالآ ،، تأتي زيارة ألعماد عون ألمزمع ألقيام بها في 26 ألشهر ألحالي إلى موسكو لِلقاء ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين من ألأهمية بمكان ،، فألزيارة طال إنتظارها و ألآمال ألمعقودة عليها كبيرة .. و إذ باتت ألمقاربة ألأُمَمية لِملف ألنازحين مبنية على قناعة و إعتراف بأن لا خطر على ألعائدين ،، و رغم أن روسيا ليست بحاجة إلى شهادة مِن “ألأمم ألمُتحدة” إلا أن هذه ألقناعة تُسقِط تردد ألمنظمة ألدولية و تُسبِغ غطاءً إضافيَآ من ألصدقية على ألمبادرة ألروسية بوجه من يتحفظ عليها ..
إستطرادآ ،، بلياقته ألمعهودة لا ينتظر ألرئيس ألروسي بوتين من لقاء ألعماد عون تبريرآ لِلفيتو على ألسلاح ألروسي فتقارير إستخباراته كافية في هذا ألمجال ،، كما أنه لن يقدم هبات عسكرية إلا إذا طلب ألجانب أللبناني ذلك و هذا مُحال ..
و ستكون ألمحادثات مثمرة و بناءة على صعيد مبادرة إعادة ألنازحين ألسوريين و كذلك على ألصَعيد ألإقتصادي ..

ختامآ ،، تَفرُض براغماتية ألرئيس بوتين نفسها على ألوَضع ألسياسي في ألإقليم و في لبنان تخديدآ ، فهو يعلم يقينآ هشاشة هذا ألبلد ألصغير ألواقِع جيوسياسيآ على ألفالِق ألزلزالي ألممتد من إيران
و ألخليج ألعَرَبي مرورآ بفلسطين و سوريا و ألعراق وصولآ إلى تركيا ،، و هو متأكد من عدم قدرة لبنان على أداء دوره وفق أجندته ألخاصه أو ألتشبث بمصالحه ألوطنية و ألإستراتيجية ،، إذ لا قرار لبناني مُستقل إلى حَدٍ “ألفَوق ألمُعتاد” و ألنُفوذ ألغربي مُتأصِل في ألبيئة ألسياسية و ألطائفية أللبنانية ..

إزاء كل ذلك لن يزيد الرئيس بوتين على لبنان ما يسمى “ألعِبء ألثَقيل” سيكون ألرئيس ألعماد عون ضيفآ مُميزآ لديه بِألتأكيد .. “في لُعبة ألأمم تتساقط ألبيادق عندما يحِن أوانها و ما تبقى تفاصيل” ..

*عَميد ، كاتِب و باحِث ..