العالم العربي عشية العام 2011

 

توفيق شومان*

خرج العالم العربي بعيد الحرب العالمية الأولى من عباءة السلطنة العثمانية ليدخل في عباءة الإستعمار الغربي تحت مظلة من الوعود والطموحات المرتبطة بالإستقلال والتقدم والعدالة الإجتماعية .
وبعد عقود من السيطرة الإستعمارية المباشرة على العالم العربي ، بدأت دول الإستقلال العربية بالظهور ، الواحدة تلو الأخرى، وما أن انتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين المنصرم ، حتى كان عدد أعضاء جامعة الدول العربية قد تجاوز العشرين قطرا، ،عرفت تقلبات سياسية واقتصادية وإيديولوجية عنيفة.
والمفارقة في دولة ما بعد الإستقلال أنها توجت مسارها بالأمن المطلق واحتكار الحياة العامة ، أدى عمليا إلى التغافل عن التحولات الإجتماعية الواسعة التي شهدتها المجتمعات العربية خلال العقود الأربعة الماضية ، وحيال ذلك ، يمكن تفصيل البنى والعوامل التي أسهمت في إنتاج الإحتجاجات العربية العارمة عام 2011، وفق الآتي :
1:ارتفاع نسبة التعليم : بلغت نسبة الأمية في العالم العربي في العام 1970حوالي سبعين في المائة ، وتقلصت هذه النسبة في العام 2000 إلى 38 في المائة ، وبصرف النظر عن مفهوم التعليم وعلاقته بالخروج الأولي من دائرة الجهل بالقراءة والكتابة أو بالحصول على شهادات متوسطة ، فإحصاءات السنوات الثلاث السابقة على اندلاع موجات الإحتجاج الشعبية تشير إلى أن عدد الطلبة الجامعيين في تونس بلغ 349 ألفا ، وفي مصر تجاوزالمليونين ونصف المليون طالب ، وفي ليبيا 300 ألف طالب جامعي ، وفي اليمن 352 ألفا.
وكدلالة على حجم التغيير الطارىء على الواقع العربي من خلال ارتفاع مستويات التعليم ، أورد تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر في العام 2009 ، أن إجمالي خريجي الجامعات الحكومية والخاصة بلغ 332 ألفا و277 خريجا ، وفي تونس بلغ العدد الإجمالي للطلبة خلال السنة الجامعية 2009-2010 والمسجلين في القطاع العام 370 ألف طالب ، وبلغ عدد خريجي طلبة التعليم العالي للسنة الجامعية 2008-2009 ما يناهز 59,500 خريج، وفقا لمؤشرات ألحقتها صحيفة ” الصباح” التونسية بحوار مع الأزهر بوعوني الوزير التونسي السابق للتعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا بتاريخ 12ـ 9ـ 2009.
2:الشباب والأبواب المقفلة : تشكل الفئات العمرية الشابة أرضية أساسية لمجمل الحراك الإجتماعي ، فالشباب هم المحرك الأول للعجلة الإقتصادية من خلال تمثيلهم النسبة الأعلى لحجم القوى العاملة ، كما أنهم الفئة الأكثر استهلاكا في مجتمعاتهم ، وعادة ما تتحرك الفئات العمرية الشابة على إيقاعات الأحلام والطموحات الكبرى ، وعشية العام 2011، كانت الفئات الشبابية شكلت النسب الآتية في بعض الأقطار العربية ، وفقا للجدول التالي :
أ: تونس:سكانها 10,4 مليون نسمة، ونسبة الشباب فيها42,1%.
ب: مصر:سكانها 80,6 مليون نسمة، ونسبة الشباب فيها 54,3%.
ج: ليبيا: سكانها6,5 مليون نسمة،ونسبة الشباب فيها 47,4 .
د: المغرب :34,4 مليون نسمة، الشباب منهم بنسبة 47,7%.
ه: السعودية :يقدر عدد سكانها بـ27 مليون نسمة، والشباب فيها 50,8%
و:الأردن : عدد السكان 6,4 مليون نسمة، نسبة الشباب منهم 54,3%.
ويُظهر تقرير المعرفة العربي حجم معاناة الفئة العربية الشابة من آفة البطالة بين العامين 2005ـ 2006، ففي الجزائر بلغت نسبة البطالة بين الشباب 46 في المائة ، وفي تونس30 في المائة ، وفي ليبيا ثلاثين في المائة ، وفي مصر25 في المائة وفي اليمن عشرون في المائة ، وفي السعودية 25 في المائة، وفي البحرين عشرون في المائة ، وأما نسبة الشباب من مجموع العاطلين من العمل، فهي تجاوزت ال50 في المائة في البحرين ومصر وتونس واليمن ، وقاربت ال 70 في المائة في الجزائر.
وتبين جداول إحصائية تموقع الأقطار العربية في ذيل قوائم التصنيفات المرتبطة بحرية التعبير والرأي والمساءلة ، وهي معايير لصيقة بالفئة الشبابية الراغبة عادة في التعبير عن نفسها والساعية في عمرها الحار لرسم معالم وجودها وطموحاتها ، وفي ظل انسداد الواقع السياسي أمامها ، وجدت نفسها خلف الأبواب المغلقة المانعة إياها عن طرح أسئلتها أو تساؤلاتها المستقبلية ، فوفق قائمة من 173دولة في العالم شملها دليل حرية الصحافة في العام 2008، احتلت ليبيا المرتبة 160، واليمن 155، ومصر146، وتونس 143، والجزائر121، والبحرين 96.
وترافق غياب حرية التعبير مع بروز مؤشرات غياب التوجيه عن التخصصات الجامعية ، مما أنتج فائضا وتخمة في العلوم الإنسانية والإجتماعية ، وأدى ذلك بالخريجين الجامعيين ليكونوا هدفا سهلا للبطالة ، ففي البحرين بلغت نسبة الطلبة الجامعيين المنتسبين إلى كليات العلوم الإجتماعية والقانون وإدارة الأعمال 53 في المائة في العام 2005، وفي المغرب 51 في المائة، وفي الجزائر 36 في المائة، بينما كليات الزراعة لم يتجاوز عدد المنتسبين إليها في الأردن 2 في المائة ، وفي المغرب 1في المائة .
إن طموح الشباب العربي نحو التغيير ، كانت مؤشراته واضحة منذ ما قبل الحراك الشعبي الذي قرعت أجراسه في تونس في آواخر العام 2010، ففي استطلاعي رأي أجرتهما شركتا “بيرسون مارستيلر” و “بين شوين بيرلاند”، بين كانون الأول / ديسمبر 2010 و شباط / فبراير وآذار / مارس 2011، أظهرت النتائج أن الأولوية الكبرى بالنسبة إلى الشباب العربيّ تتمثّل في العيش في بلد تحكمه الديموقراطية ، وبعدما كانت نسبة الشباب الذين يؤمنون بالديموقراطية 77 في المائة قبل مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي تونس وتنحي الرئيس حسني مبارك عن الرئاسة المصرية ، ارتفعت هذه النسبة إلى 92 في المائة بعد المغادرة والتنحي .
وحين إنطلقت موجة التظاهرات في المنطقة العربية ، كثرت التحليلات التي ربطت بينها وبين محاولات أجنبية للتدّخل في شؤون الدول المعنية وقلّلت من أهمية التحركات الداخلية ، وكان للشباب العربي رأي آخر ، اذ أظهر الاستطلاع أن 75 في المئة من الشباب يؤيدون الأسلوب التعبيري القائم على التظاهر لإحداث التغيير، وشكّلت مصر نقطة الجذب الأولى ، حيث أيد أكثر من 81 في المئة من المستطلعين اسلوب التظاهر والإحتجاج الجماعي .
3: الشباب وثورة الإتصالات :
إن ثورة الإتصالات المتوازية مع الثورة المعلوماتية التقنية ، أظهرت تناقضا واضحا بين الجيل الشبابي العربي والنظم السياسية القائمة ، وبدا جليا منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي ، ارتداد ثورة الإتصالات على القطاعات الشابة ، وهو ما جعل العالم بجهاته الأربع فضاءا مفتوحا أمام الأجيال الجديدة ، فمن خلال الشبكة العنكبوتية والهواتف النقالة ، ولاحقا ، مواقع التواصل الإجتماعي ، ذهب الشباب العربي إلى بناء عالمه الإفتراضي المفتوح ، متجاوزا سياسات الأبواب المقفلة ، واستنادا إلى التقرير العربي الثاني للإعلام الاجتماعي، الذي يعده برنامج الحوكمة والابتكار في كلية دبي للإدارة الحكومية ، أن عدد مستخدمي ال “فيسبوك” في العالم العربي وصل في نهاية ربيع العام 2011 إلى 27.7 مليون مستخدم، بزيادة قدرها 30% عن بداية العام نفسه ، فيما بلغ عدد مستخدمي موقع ” تويتر” النشطين أثناء الفترة نفسها 1.1 مليون مستخدم ، وقد أرسل هؤلاء “المستخدمون النشطون” ما يزيد على 22.7 مليون “تغريدة” (tweet) خلال الربع الأول من العام 2011، وتركزت توجهات استخدام “تويتر” في المنطقة العربية خلال هذه الفترة بشكل رئيسي على الحراك الشعبي العربي ، وتمثل الكلمات “مصر”، “25 يناير”، ” ليبيا “، ” البحرين ” و”مظاهرة ” أبرز “الواصفات” (hashtags ) استخداما بين مستخدمي “تويتر” في المنطقة العربية.
وأما الصفحة المصرية “كلنا خالد سعيد” على ال “فيسبوك”، والتي يعود إليها سبق الدعوة إلى تظاهرة 25 يناير / كانون الثاني 2011، فقد تجاوز عدد أعضائها المليون شخص في مارس/ آذار2011، علما أن عدد أعضاء الصفحة وصل إلى 250 ألف شخص عشية 25 كانون الثاني / يناير 2011، وبحسب الباحث التونسي العربي صديقي أن اتساع ميادين التظاهرات في تونس يعود في أحد أسبابه إلى أن عدد مستخدمي ال” فيسبوك” في تونس تجاوز 19في المائة ( أي ما يعادل المليوني شخص ) من مجموع المواطنين التوانسة ، وهو الأعلى بين الدول المجاورة ، وبلغت نسبة الشباب التونسي مستخدمي الموقع الذين تتراوح أعمارهم بين 17 -44 سنة ما يقارب 87% من مجموع المستخدمين خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2011 .
4:الإنسداد السياسي :
إذا كان العقيد معمر القذافي ، قد ذهب إلى”شجاعة ” غير متماثلة عربيا ، بإلغائه النظري والإيديولوجي ـ حتى ـ الإطار الشكلاني للعملية الإنتخابية استنادا إلى نص مكتوب في “الكتاب الأخضر” المنسوب إليه ، حيث يقول: ” المجلس النيابي تمثيل خادع للشعب ، والنظم النيابية حل تلفيقي لمشكل الديموقراطية ، والتمثيل تدجيل” ، فإن الشكلانية الإنتخابية التي اعتمدتها الأنظمة العربية أنتجت اختناقا سياسيا تراكمت عناصره على المدى العقود الخمسة الأخيرة وصولا إلى ما يُعرف باللحظة التاريخية التي ولدت الإحتجاجات الشعبية العارمة ، وتُبين النسب الإنتخابية التالية حجم سيطرة الأحزاب الحاكمة على المجالس البرلمانية في بعض الأقطار العربية :
جرت أول انتخابات برلمانية مصرية في عهد الرئيس حسني مبارك في العام 1984، فسيطر الحزب الوطني الحاكم على 80 في المائة من مقاعد المجلس النيابي ، وفي عام 1987 فاز الحزب الوطني بنسبة 77.60 في المائة ، و بـ نسبة 79.6 في المائة في العام 1990، ثم ارتفعت النسبة في انتخابات سنة 1995 لتصل إلى 95في المئة ، وفي العام 2000 فاز الحزب الوطني الحاكم بنسبة 79.6 من المقاعد النيابية ، وبنسبة 76 في المائة في انتخابات العام 2005 ، وحصل الحزب الوطني في انتخابات العام 2010 على86.4 في المئة من مقاعد المجلس النيابي في مصر.
وأما في تونس، فقد جرت انتخابات رئاسية في25 تشرين أول/ أكتوبر من العام 2009، وفاز الرئيس زين العابدين بن علي بولاية خامسة بعد نيله 89.62% من أصوات الناخبين، وكان العام 2004، قد شهد انتخابات رئاسية ، فاز خلالها بن علي ب 94.48 بالمئة من أصوات المقترعين ، وأظهرت انتخابات العام 2009 التشريعية فوز حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم ب161 مقعداً من مقاعد مجلس النواب وعددها 214 مقعدا، فيما انتخابات العام 2004، انتهت بفوز الحزب الحاكم بـ 152 مقعدا من مجموع 189 مقعدا.
وفي اليمن ، أخرج المؤتمر الشعبي حليفيه (الإصلاح والإشتراكي) عام 1997من الثلاثية التي تشكلت إثر وحدة الجنوب والشمال اليمنيين ، وجرت خلال العام المذكور ثاني عملية انتخابية بعد الوحدة ، حصل إثرها حزب المؤتمر الشعبي الحاكم على أغلبية مقاعد مجلس النواب بنسبة 62 في المائة ، وأظهرت نتيجة الانتخابات التي جرت في العام 2003 فوز حزب المؤتمر الشعبي الحاكم بـ 229 مقعدا ، مقابل45 مقعدا للتجمع اليمني للإصلاح ، والحزب الاشتراكي 7 مقاعد ، فيما حصل التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري على ثلاثة مقاعد ، والمستقلون على 14 مقعدا، وفي 23 سبتمبر/أيلول 1999 جرت في اليمن أول انتخابات رئاسية مباشرة ، فاز فيها الرئيس علي عبدالله صالح بنسبة (96,20 في المائة وفي العام 2006 فاز الرئيس صالح بنسبة 77.17 في المائة.
5: الأمن الغذائي : يحتل الأمن الغذائي للأفراد المرتبة الثانية بعد الأمن الشخصي ، فالغذاء يرتبط باستمرار الحياة او إنقطاعها ، وفي الحالة العربية ، تشير البيانات الإحصائية إلى أن المنطقة العربية ، هي واحدة من منطقتين في العالم ارتفعت فيها نسبة من يصابون بسوء التغذية ، ففي آوائل التسعينات بلغ عدد الأشخاص العرب الذين ينطبق عليهم التوصيف السابق 19.8مليون شخص، وارتفع العدد إلى 25 مليونا في العام 2004، من بينهم 2.5 في كل من ليبيا وتونس .
وبلغ عدد الجوعى العرب 25.5مليون نسمة (لا يشمل الرقم جوعى العراق والصومال ) والعدد الأكبر من هؤلاء يقيمون في اليمن (8 مليون شخص) و في الأردن والمغرب بنسبة 6 في المائة ، وموريتانيا بنسبة 10 في المائة ، والسودان 26 في المائة .
وأشار تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009، إلى أن واحدا من كل خمسة أشخاص في العالم العربي تحت الخط الدولي للفقر (أقل من دولارين في اليوم الواحد)، في حين أن معدل الفقر في 9 أقطار عربية ارتفع من من 17.6إلى 18.3 بين الأعوام 1990 و2006، ففي مصر وحدها يصل العدد إلى 14 مليونا وفي اليمن 7 ملايين ، وأما العدد التقديري لمن هم تحت خط الفقر فيقترب من ال34مليونا ، يمكن إضافتهم إلى أعداد الجوعى العرب الوارد ذكرهم آنفا.
6: القبضة الأمنية : شاع مصطلح “تغول الدولة الأمنية ” في العالم العربي خلال العقود الثلاثة الماضية ، ويختزل هذا المصطلح سيطرة الأنظمة القائمة على مختلف أشكال الحياة العامة ، السياسية والنقابية والإقتصادية والثقافية وحتى الرياضية ، في تونس على سبيل المثال ، تم تخصيص رجل أمن واحد لكل 150 مواطنا ، وهذا ما جعل أعداد و أفراد الأجهزة الأمنية يتجاوزن أعداد المنخرطين في الجيش الوطني التونسي .
وفي ليبيا ، وجراء المحاولات الإنقلابية المتلاحقة ضد نظام العقيد معمر القذافي اتجهت قناعات الأخير إلى تقليص دور المؤسسة العسكرية التقليدية لصالح الميليشيات الحكومية والأجهزة الأمنية ، فتم إنشاء فيلق اللجان الثورية الدولية والجيش الإسلامي الأفريقي ، وتشكل الأول من 3000 مقاتل ، والثاني لم يقل عن 1000 رجل ، وكان هناك أيضاً جهازان آخران شبه عسكريين هما الميليشيات الشعبية التي بلغ تعداد أفرادها 40.000، وسلاح الفرسان الشعبي، وإلى جانب ذلك ، كان يوجد عدة وحدات عسكرية (سبعة في المجموع) مخصصة لحماية هيكل النظام وقادته ، مثل اللواء الـ32 الذي تولى قيادته خميس معمر القذافي، وألوية أخرى معروفة بإسم كتائب أبناء القذافي، (المعتصم وساعدي) فيما عدد عناصر ” اللجان الثورية ” تراوح ما بين 10 آلاف إلى 15 ألفا.
و لم يختلف أمر اليمن عن الأقطار العربية الأخرى ، فالموازنة التي كانت مخصصة للجيش والأجهزة الأمنية بلغت الأربعين في المائة من الموازنة العامة للدولة ، وعرف اليمن قوّات شبه عسكريّة بلغ عددها حوالي 71000 جندي، منهم 50 ألف جندي في الأمن المركزي، و بلغ عدد المنتسبين المحترفين في الجيش حوالي 89500 ألف جندي وضابط.
وأظهر تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر في العام 2009 أن النسبة الغالبة من المواطنين العرب لايثقون بمؤسسات الدول القائمة ، وأن أمن الإنسان في الدول العربية غالبا ما تهدده الدولة نفسها ، وربما من قبيل الإستغراب أن يخلص استطلاع رأي صادر عن وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية إلى أن نصف المقيمين العرب في إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، وبلجيكا،يثقون برجال الشرطة في الدول المذكورة ، وهو أمر يصعب توافره في أي قطر عربي .
7:الهجرة و التواصل مع الغرب : تبين تقارير التنمية الإنسانية العربية الصادرة تباعا منذ العام 2004 أن ما لا يقل عن خمسين في المائة من الشباب العربي يسعون إلى الهجرة نحو الغرب .
وبحسب إحصائية رسمية مصرية استندت إليها عائشة عبد الهادي، الوزيرة السابقة، للقوى العاملة في مصر ، وغطت شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2010 ، أن إجمالي عدد المهاجرين والمغتربين العرب حول العالم وصل في الفترة نفسها إلى 35 مليون إنسان .
وتم تقدير عدد المصريين المغتربين ب10 مليون شخص، نصفهم في الغرب ، ويؤشر ذلك إلى أن 4 في المائة من سكان مصر هم في الغرب ، بينما 10في المائة من سكان الجزائر في أوروبا وأغلبهم في فرنسا ، و10في المائة من سكان تونس في الغرب(مليون شخص) ، وكذلك الحال مع المغرب (3ملايين شخص).
وإلى جانب هذه النسب والأرقام ، تتقدم إلى واجهة الإتصال مع الغرب أعداد الطلاب والدارسين وحملة الشهادات الجامعية العليا الذين درسوا في الجامعات الغربية وعادوا إلى بلادهم ، وللدلالة على ارتفاع أعداد هؤلاء ، فإن تونس وحدها ،كان لديها عشرة آلاف طالب في الغرب ، وكانت تعمل سنويا على تعديل 2400 شهادة جامعية نالها طلابها الدارسون في الغرب وخصوصا في فرنسا ، في حين أن البعثات الطالبية السعودية إلى الولايات المتحدة بلغت 28 ألف طالب في العام 2010من أصل 87 ألفا إلى جامعات في خارج المملكة ، وبين الأعوام 2000 و2001، والأعوام 2006 و 2007 ، بلغ عدد الطلبة العرب الملتحقين في الجامعات الأميركية ،23346 طالبا و 29855طالبا على التوالي.
من نافل القول وفقا للأرقام الواردة قبل قليل ، أن تنعكس الإقامة في الغرب أو الدراسة في جامعاته أو الإتصال المعرفي أو المهني به ، على أنماط التفكير للمقيمين الدائمين أو المؤقتين، وبنسب متفاوتة تخضع لمدى قابلية المتلقي العربي لإستقبال التأثيرات الفكرية والإجتماعية الغربية ، وفي ظل سيطرة الإختناق السياسي والإقتصادي والحقوقي على العالم العربي ، تغدو قابلية الجيل العربي الجديد للتأثر بالمنظومة الفكروـ سياسية للغرب أكثر انسيابا ، وكذلك ،حين يعود المهاجرون أو الخريجون الجامعيون إلى بلادهم ، يتحولون نخبا ذات تأثيرات قوية على بيئاتهم التي غالبا ما تكون فاقدة للأفكار المبتكرة أو للنماذج التي يمكن من خلالها إحداث النقلة النوعية في تغيير أوضاعها والنهوض بظروف حياتها وفقا لمتطلبات العصر ، ذلك أن الأنظمة العربية ، لم تترك لبيئاتها المحلية إنتاج آليات تطويرها الطبيعية والداخلية.

—————-

*كاتب واعلامي ومحلل سياسي.